انسداد الشرايين التاجية خليل فاضل
كيف يساعد كل من الغذاء والضغط النفسي على
حدوثه؟
قال وليام هارفي مكتشف الدورة الدموية: "إن أي تأثير
يحدث داخل الإنسان يعبر عنه بالوجع أو الابتهاج أو الخوف أو الألم، وهذه المسائل
كلها تقريبا تكمن خلف ما يُسمى بالذبحة الصدرية التي بلا شك تؤثر على عضلة القلب".
وقال سليمان الحكيم: "القلب الفرح المبتهج له فعل الدواء الشافي، أما الروح
المنهزمة فتفتت العظام". فماذا تقول لنا هذه المقالة عن القلب الفرح وعن الروح
المنهزمة وعلاقتهما بالذبحة الصدرية؟
إن الضغط النفسي والنظام الغذائي يشكلان أهم أسباب أمراض انسداد الشرايين القلبية. القلب عضلة والأوكسجين وقودها الرئيسي مثل البترول تماما للمركبات.
ولأن القلب ينبض بصورة مستمرة فهو بحاجة لإمداد دائم من الوقود (الأوكسجين) وبما أن الأوكسجين يحمله مجرى الدم فإن القلب بحاجة لإمداد مستمر من الدم الذي يضخه لنفسه عن طريق الأوعية الدموية التي تسمى بالشرايين التاجية.
ميكانيزم انسداد الشرايين التاجية؟
لا تصل الكمية الكافية من الدم إلى القلب ليقوم بوظائفه الطبيعية، فيصبح متعطشاً للأوكسجين الذي يحمله الدم معه. إن انقطاع الأوكسجين عن القلب لمدة قصيرة نسبياً بسبب ما يُسَّمى بالخناق الصدري وهنا يكاد القلب يبكي ألماً كما تصوره الشعراء.
هذا الأمر عادةً ما يصفه المريض بعدم الارتياح، الثقل، الضغط، الإحساس بأن الدنيا تسود، الكبت، الصدمة، وإحساس بأن شيئًا ما يُعصر في الصدر. الإحساس بعدم الارتياح يحدث أيضا عند ممارسة تمارين رياضية، أو الإحساس بالضغط النفسي ويمكن علاجه بالراحة والاسترخاء.
لكن إذا انقطع وصول الدم عن مناطق من القلب لأكثر من عدة دقائق، فستكون النتيجة موت هذه المنطقة من القلب التي لا يصل إليها الدم، وهذا يسمى بالذبحة القلبية. وفي حالة إصابة جزء صغير من القلب فقط، يصبح هذا الجزء الميت أثرا باقيا فقط ويمكن أن يعيش صاحبه، ولكن إذا كانت المنطقة كبيرة أو ماتت منطقة رئيسية في القلب مثلاً، فإن النتيجة تكون أكثر خطورة مثل موت المريض.
سبب انخفاض جريان الدم للقلب؟
حتى وقت قريب كان معظم الأطباء يتعرفون على انسدادات شرايين القلب عن طريق مناضد التشريح فقط، حيث يمكن عندها تشريح الأوعية الدموية وفحص الانسدادات، ولأن هؤلاء الناس قد ماتوا، فإن الملاحظة تكون حبيسة التغيرات البنائية فقط في شرايينهم التاجية، لكن التغيرات المتلاحقة في نسبة جريان الدم التي تحدث في القلب السليم لا يمكن رؤيتها ودراستها. لهذا ولفترة خمسين عامًا مضت، اعتقد معظم العلماء أن انخفاض نسبة جريان الدم في القلب كانت نتيجة ميكانيزم واحد: الشريان التاجي المسدود، أما الكوليسترول والمؤثرات الأخرى في الدم فإنها تبيت في الجدران الداخلية للشريان التاجي، كما يترسب الصدأ على جدران مواسير المياه من الداخل وهذه الترسبات تسمى "الصفيحة" PLAQUE. ومع مرور الزمن يمكن أن تزداد هذه الترسبات وبهذا يصبح مجرى الشريان التاجي ضيقًا حتى يصل إلى درجة لا تستطيع الأوعية الدموية معه حمل كمية دم كافية لمتطلبات عمل القلب.
في خلال العقد الماضي، ومع اكتشاف وتطوير أدوات التشخيص التي سهلت عملية فحص القلب السليم في الإنسان الحي. وقد تبين الآن أن هناك عوامل أخرى غير الانسدادات الدائمة يمكن أن تُخفض من درجة جريان الدم إلى القلب. حديثًا تم التوصل بشكل علمي مدروس إلى أهم هذه العوامل وهي كالتالي:
1 - انقباض الشريان التاجي.
2- تجمع الصفائح الدموية.
ومن الممكن أن يجتمع مع هذين العاملين عوامل أخرى تساعد على حدوث المرض. من خلال أبحاث عديدة تبين أن الضغط النفسي، والنظام الغذائي المعتمد على منتجات الحيوان، يمكن أن يتسبب في انسدادات دائمة وضيق في الشريان التاجي، بالإضافة إلى تقلص وتجمع في الصفائح الدموية. وكل هذه العوامل تسبب أمراض شرايين القلب.
وهذه العوامل السابقة يؤثر كل منها على الآخر. ومن الخطأ أن ننظر لمرض انسداد الشريان التاجي على أنه سبب لعامل واحد بل هو نتيجة تداخل العوامل السابقة معًا.
تقلص أو ضيق الشريان التاجي
الشريان التاجي شريان مثل بقية الشرايين الموجودة في الجسم، ليست أنابيب وتوجد على جدرانه عضلات صغيرة قادرة على التقلص وسد مجرى الدم داخله، وكلما ازداد حجم الانسداد في الشريان، أصبح سد مجرى الدم في الشريان أسهل بسبب تقلص بسيط في عضلات الشريان الداخلية. كما أن تقلصات الشريان التاجي يمكن أن تؤدي إلى تمزق وتفجر في الانسدادات الثابتة مما يجعل الدم يجري بسرعة من خلال الانسدادات فيدفعها للانبساط والتمدد لتقفل الشريان التاجي.
تكتل الصفائح الدموية
إن الصفائح الدموية هي أول عناصر دفاع الجسم ضد النزيف، حيث إنها هي التي تجعل الدم يتجلط عند الحاجة لذلك، وعندما يُجرح الجسم فإن الصفائح الدموية تتكتل داخل الأوعية الدموية التي تنزف، فتساعد على تجلط الدم، وبالتالي وقف النزيف، وهذا أيضا قد يحدث داخل الشريان التاجي حيث إن تقلص هذه الصفائح يؤثر تأثيراً سلبيًا على جريان الدم إلى القلب.
إن اكتشاف هذه العوامل منذ بضع سنوات قد أثر كثيرًا على عملية فهم أمراض الشرايين القلبية. منذ خمسين سنة مضت كان هذا المرض أمرًا مسلمًا به، لا أمل في شفائه والآن ينظر إليه كأي مرض ممكن أن ينتكس وأن يتحسن.
إن التغيرات في تقلصات الشريان التاجي والصفائح الدموية يمكنها التحكم بزيادة أو انخفاض مستوى جريان الدم إلى القلب بسرعة كبيرة قد تصل إلى ثوان أحيانًا، وهذا ما يجعلنا نفهم بوضوح خلفية آلام الصدر أو السكتات القلبية التي تحدث دائمًا في الليل أو الفجر، أي خلال ساعات الإحساس بالضغط النفسي في ذروة تجمعه أو بعد وجبة ثقيلة من الدهنيات.
انسداد شرايين القلب
من أسبابه كما ذكرنا سالفًا الضغط النفسي والنظام الغذائي غير المتوازن، حيث إنهما يزيدان من الجهد الواقع على الأوعية الدموية لمرضى القلب الذين يعانون من انسداد في الشرايين، وهذا ممكن حدوثه خلال وقت قصير جدًا، إن البحث العلمي الحديث يؤكد لنا أن التغيرات السريعة المتلاحقة قد تكون بسبب انخفاض درجة تقلصات الشريان التاجي والصفائح الدموية.
نلخص ما سبق بتحديد مسببات انخفاض نسبة جريان الدم إلى القلب: ترسبات الكوليسترول، تقلصات الشريان التاجي، تجمع وتشنج الصفائح الدموية، حيث يمكن أن يؤثر كل منها بمفرده على عملية حدوث المرض، أو أنها تعمل مجتمعة.
ولنبدأ أولاً باختبار تأثير الضغط النفسي على انخفاص نسبة الدم الذي يصل إلى القلب من بين العوامل الأخرى.
لملايين السنين تقريبًا كانت أجسامنا تواجه الضغط النفسي بطرق تساعدنا على البقاء أحياء.
إن عملية الضغط النفسي يمكن تشبيهها بعملية الكرّ والفرّ، يقول الدكتور والتر كانون أستاذ الفيسيولوجي في جامعة هارفرد الطبية في بداية القرن إن عملية الكر والفر ما هي إلا مجموعة تغيرات فيسيولوجية تحدث في الجسم، تهيئنا للرد على المواقف المحرجة أو الخطرة. وتتضمن هذه المجموعة من التغيرات زيادة في عدد ضربات القلب، ارتفاع ضغط الدم، زيادة معدل التنفس، زيادة الشد العضلي، وزيادة في الأيض بوجه عام. كما يمكن أن يسبب زيادة في تقلصات الشريان التاجي وتشنجات الصفائح الدموية.
إن بعض هذه التغيرات لها قيمة معيشية، مثال على ذلك عندما كان أسلافنا يتعرضون لملاحقات من النمور مثلاً، أو حينما يكونون على أهبة الاستعداد لمعركة، فلقد كان من المفيد لهم جدًا أن تتقلص شرايين أيديهم وأرجلهم، وتتشنج صفائحهم الدموية وتتجمع معًا. إذا جرح أحدهم فإن تقلصات الشرايين وتجمع الصفائح الدموية سيساعد على وقف نزف الدم عن طريق التجلط، وزيادة الضغط العضلي سيساعد على زيادة حماية الجسم كله خلال العراك. وكان من المفيد للقلب أن يضرب بسرعة، وأن يسرع الأيض، لأن الجسم بحاجة لأوكسجين أكثر في مثل تلك المواقف. بالطبع ليست جميع التغيرات السابقة ذات قيمة معيشية (قيمة تؤثر على حياتنا)، وإنه من الصعب جدًا تحديد إيجابيات تقلص الشريان التاجي خلال أوقات الضغط.
ضغوط القرن العشرين
في عصرنا الحالي تمر أجسامنا بما سبق من تغيرات عندما نواجه خطراً جسديا مع أن الضغوط في القرن العشرين عادة ما تكون نفسية أكثر من كونها جسدية فنحن لا نتعرض حقيقة لخطر جسماني دائمًا.
لسوء الحظ إن الجسد الإنساني يتأثر بنفس الطريقة في حالتيّ الضغط النفسي والضغط الجسدي، فالآن بعدما ذهب النمر نتعرض لنوع آخر من الضغط، كالغضب من المدير، انتظار النهايات، ترقب المستقبل، الخوف منه، القلق على الصحة والأهل والأولاد. إن أجسامنا ترد على كل ما سبق بنفس الطريقة التي ردت فيها على تعرضنا لهجوم من نمر مخيف، أو عندما نكون على وشك الدخول إلى حلبة القتال، حيث نتعرض لارتفاع الضغط العضلي، ضغط الدم، تقلصات الشريان التاجي، تجمعات الصفائح الدموية وهكذا.
إن الهروب من المخاطر أو مواجهة المعارك، كلها أعمال جسدية جهزنا لها من قبل عملية الكر والفر، إن أسلافنا كانوا يردون كل هذه المواقف إما بالقتال، أو بالهروب، لكننا في عالمنا الحديث إما أن نصيب منافسنا بأذى من أي نوع خاص أو أن نهرب منه بطريقة ما. إننا لا نتصرف هكذا بالعادة مع أن أجسامنا مجهزة لذلك ويرجع الفضل في ذلك إلى الضوابط الاجتماعية والأخلاقية التي تعودنا عليها.
كما أن الضغوط التي واجهها أسلافنا قد تتسم بالكثافة والاجهاد ولكنها لم تكن متكررة ومستمرة. إن ملاحقة نمر يعتبر موقفًا أشد وأصعب من المنافسة في مجال العمل ولكنه أمر لم يحدث بكثرة. كما تتم الحروب في المعارك وبعدها تنتهي ويعود كل شيء إلى ما كان عليه.
لكن الآن يظهر أنه لن يكون هناك نهاية للمعركة، أو أن كل معركة سيتم استبدالها بالتي تليها، وتكون النتيجة أن عوامل الكر والفر تكون في أوجها. وبما أننا بالعادة لا نواجه الأمور عن طريق استخدام العنف الجسدي، لكن تظل أجسامنا دائما في حالة استعداد لذلك.
ولأن هذه العوامل في حالة نشاط دائم، إذن فهي مؤذية خاصة بالنسبة للأنسجة الوعائية، وبدلاً من أن تساعدنا على تخطي الأزمات الخطرة يمكن للكر والفر أن يقوم بها عن طريق تقليص الشريان التاجي وتجميع الصفائح الدموية.
إن هذه العوامل تخدم نشاطًا مفيدًا وضروريًا، لكنه يصبح مضرًا لأنه يعمل بشكل غير صحيح، وفي هذه الحالة يكون الجسم منظمًا، لكنه ببساطة واقع تحت وطأة استغلالنا له.