واحة العربي

 واحة العربي
        

السهم

          برغم أن معظمنا - أو جميعنا - لم يشهد سهما على المستوى الواقعي, إلا أن السهم اخترق الحكايات والأساطير والأشعار وشاشة السينما والتلفزيون, متجها بسرعة فائقة إلى عدوّ أو خصم أو قلب عاشق أو ظبي أو غزال, ثم لم يلبث العصر الحديث أن أخلى أهداف السهم في الغابات والصحارى والأصقاع, ليعيد توجيهه قاسماً مشتركاً للمساهمة في المشروعات والشركات ذات الأجواء الضاغطة الخانقة لبورصة النشاط الاقتصادي, ليصنع ثراء مضطرباً أو خسارة مذبذبة لا يستطيع الشعر وأنواع المها - أي الغزلان - الارتياح إليها, حتى لو كان السهم العصري استطاع أن ينطلق من العيون المتألقة - أو الرانية المستكينة - لأنثى لا تود التعبير عما يجيش في فؤادها باللسان, إلا أن أنثى ما قبل هذا العصر الحديث ظلت تجيد - إجادة فائقة بعيدة عن وسائل الإدهاش الجمالي المصنوع - تسديد سهامها في الآفاق الممتدة التي تتجاوز متراً كاملاً لتشع بالشجن الصامت والنشوة, لقد أتلف العصر القائم أرقى سهام الفطرة الحية فينا, والتي ظلت في جعبة كيوبيد إيذانا بالغرام المأمول.

          وبعيداً عن لغة العزاء الناجم من لوي الأعناق إلى الخلف بحثاً عن علاج حالة السهوم التي عبثت في المشاعر ليتغيّر لونها بعد أن أصاب سليقتنا الهمّ والغمّ والتوتر وإشعاعات الكهرباء وقلاع حوائط الأسمنت والضجيج والتصريحات والذكاء السياسي المفتعل والهزال العاطفي, مع إضافة أنواع أخرى من أسباب السهوم كالملابس الصناعية وأصناف عديدة ووفيرة من الشعر المستحدث والقصة التي تجاوزت الحداثة, وشطائر مأكولات الأركان وراء الحوائط, فإننا - بعد كل ذلك أو أي من ذلك - لا نجيد اختراق ما نحن فيه من تقدم كي نصل الأمنيات الرومانسية الغالية والبسيطة, والتي تسهم في استثارة الوجدان الكسول كي ينجو من وهج العصر - أقصد الصيف - وحر السموم, وإمعاننا - بين وقت وآخر - في عيون زوجاتنا: رعاك الله وأنقذك من عذاب السهام الصدئة, مع أهمية الابتسام الأبوي الحنون.

          وحتى لا أقع معك في تساهم, نتقارع في ساحته كي يغلب أحدنا الآخر, فإن اللجوء للتساهم الذي يعتمد على ذلك القدْح الذي يقارع به من باب التسلية أفضل مراراً من وقوعنا في صراع الأسهم: دموية بالغة القسوة, أو هادئة في يسر لتصبح ميسراً - إنه الاسم المهذب للقمار, مع أن السهم في واحد من معانيه أو مدلولاته يعني الحظ والنصيب, لكنك لا تستطيع أن تخرج بهذا اللفظ من المعجم لتصوغ المصطلح الشعبي الصبور (كل واحد وحظه) ليصبح (كل واحد وسهمه) فقد يعني ذلك إنذاراً - بشكل ما - للسامع أن موقعة استخدام السهام الحادة: قادمة.

          وقد اضطر السهم أن يعمل بشكل لايزال حيا ومؤثرا في قياس المساحات وتحديد النصيب فيها - بعد أن فقد كثيرا من أدواره في العيون والغزلان كما تعرض للاهتزازات الجسيمة في البورصة المالية, واستبعد تماماً من الميسر والقمار, ليصبح القيراط أربعة وعشرين سهماً, ثم يعلو الفدان جاذباً أربعة وعشرين قيراطا ليكتمل الدور, وقد أحسست بمغزى قيمة السهم حينما رحل أبي تاركاً مساحة واسعة من الأرض الزراعية تصل إلى فدان أو أقل قليلا, وهو أمر له معناه المؤثر عندما تكون من عائلة أو أسرة (مستجاب) الذين يميلون إلى إبراز مظاهر من يمتلك مثل هذا الفدان مائة مرة: في الكلام والمبارزة والتشاحن والمصاهرة واكتشاف عيوب الآخرين الذين تقل ملكيتهم عن ذلك. وكدت إزاء هذه الملكية الشاسعة ذات الفدان الذي يحوي عدداً طيباً من القراريط - والتي بدورها تحوي عدداً مذهلاً من الأسهم - أن أطبع بطاقة خاصة بي تنزعني من سلك الموظفين إلى مجال المزارعين - أي أصحاب الملكيات الواسعة ولا يعملون فلاحين, إلا أن البطاقة لم تتح لها الأقدار فرصة الظهور بسبب إسهام إخوتي في إفساد متعتي: خمس أخوات بنات وذكر, بالإضافة إلى شخصي المهيمن على كل هذه الأسهم, وأمي التي تحظى بالرعاية الخاصة دون أن يضيع حقها في الميراث الخاص, حينئذ أصابتني دهشة روائية حينما عرفت زوجتي - كانت أيامها خطيبتي - أن ما أشدو به من فخر لا يتجاوز أربعة أسهم, إنها مساحة يمكن قياسها بالشبر, هل تذكرون الشبر?! إن ذلك يساعدني على إغلاق موضوع السهم والأسهم والمساهمة - حتى لو كانت تبرعاً للفقراء واليتامى, دون أن أبرز قدراتي الفائقة حينما - في حالات الصفاء الناجمة عن استقرار أو ارتفاع أسهم البورصة - لاحظت أن كل ما ورد من معلومات تاريخية عن مختلف صنوف الشعوب في العالم, ابتداء من العرب والقوقاز والفينيقيين والإغريق والرومان - حتى الباقي من قبائل الزولو والبوشمان وسكان أستراليا والهند والتبت والهنود الحمر: يستخدمون السهام نفسها في الجعبة ذاتها بطريقة التصويب نفسها, أو التسديد إلى أنواع متعددة من الغزاة أو المستعمرين أو الأرانب أو الذئاب أو السباع أو الغزلان أو النساء, أو حتى إلى أهلي - أقصد أخوتي - الذين استخدموا حقهم في محاصرة أسهمي التي أجهل كيف أطلقها

كلمات لها معنى

          الحرارة مؤنثة, والبرودة مؤنثة, أما الرجولة فلاتزال تبحث عن صفة لها لا تنتهي بتاء التأنيث المربوطة.

          العقل مثل أي كائن حي: يحتاج إلى بعض الراحة دون استعمال, البعض يتركه في تلك الراحة فلا يستيقظ أبدا.

          كل الأنهار تصب في البحر, والبحر ليس بملآن, دون الانتباه إلى أن كل السحب التي تحمل سيول الأنهار في جوفها, تمتلئ بها من البحر.

          الجيوب الأنفية مصطلح علمي لوصف ما يصيب الأنوف الحديثة, لقد توقفت حاسة الشم.

          في السفر سبع فوائد, أخطرها الثامنة: يستحسن ألا تعود مرة أخرى.

 

محمد مستجاب