أرقام

 أرقام
        

صوت الغضب!

          هذه أرقام تستفز العقل وتلفت النظر, فمن يصدق أن الوطن العربي - وإذا سار على وتيرة ما جرى في العقدين الأخيرين - يحتاج إلى مائة وأربعين عاما ليضاعف دخله? ومن يصدق أن دخل العرب جميعا, بأثريائهم وفقرائهم أقل من دخل دولة أوربية واحدة هي إسبانيا? ومن يصدق أنه على عتبة القرن الـ (21) مازالت الأمية تمثل (43) في المائة من السكان, ومازال التقزم ونقص النمو يصيب نصف أطفال بعض الدول العربية?

          هذه هي الأرقام التي يذيعها أول تقرير يحمل اسم (التنمية الإنسانية العربية) وهو الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في منتصف عام 2002.

          قبلها, كان الخلاف واسعا حول معنى التقدم, وهل يعني امتلاك القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية? أم أنه يعني ثقافة أوسع وحضارة أعمق? أم يعني الانتقال لنقطة أكثر تقدما قياسا على تاريخ مضى أو قياسا على مقارنات جغرافية مع دول أخرى وباستخدام مؤشرات مادية ومعنوية مختلفة?

          أيضا, وقبل أن يذاع هذا التقرير كان الجدل حول النمو والتنمية, وانتهى الرأي إلى أن النمو - أو زيادة الدخل - لا يعني التنمية بالضرورة, بل إن هناك نموا رديئا, يزيد من خلاله الدخل النقدي, وتتركز الثروة وتختل طريقة توزيعها, أو تتآكل الثروات التي في باطن الأرض, أو يجري النمو في ظل القمع وغياب أصحاب الشأن.. الناس!

          النمو إذن غير التنمية, والأخيرة باتت تشمل معظم جوانب الحياة البشرية من صحة وتعليم ومسكن ومياه شرب وصرف صحي, والجديد الذي يضيفه هذا التقرير الذي أعده خبراء عرب ولعب دور المحرر الرئيسي فيه العالم العربي الدكتور نادر الفرجاني, الجديد هو استخدامه لمصطلح (التنمية الإنسانية) وهو مصطلح يضيف لما عرفناه مؤشرات أخرى مثل: مؤشر الحرية, ومؤشر المعرفة, ومؤشر البيئة, وموقع المرأة من المجتمع, وكلها معان جرى تداولها لكنها تأخذ هذه المرة اهتماما أكبر.

الخريطة العربية

          عرب سنة 2000: (280) مليونا من البشر يمثلون (5) في المائة من سكان العالم وينتمون لـ (22) دولة, لكنهم - وفي عام 2020 - سوف يتراوح عددهم بين (410 - 459) مليونا.

          ورغم أن الحال يختلف من دولة إلى أخرى حيث تحتل الكويت قمة الهرم في التنمية البشرية العربية وبما يجعلها تقترب من كندا التي كانت الأولى منذ سنوات في هذا المجال, كما تحتل جيبوتي موقع آخر القائمة.. رغم ذلك - وبحساب متوسطات عامة - فإنه يمكن رصد بعض الظواهر الرئيسية, فقد انتقلت حالة السكان إلى التحضر بعد أن كانت غالبيتهم من أهل الريف والصحراء في عام 1950 (75 في المائة), والآن: بات نصف السكان من أهل الحضر بما يعنيه ذلك من تغير في أنماط الحياة.
أيضا, وخلال العقود الثلاثة الأخيرة فقد زادت توقعات الحياة عند الميلاد (متوسط العمر) لتصل إلى (67) عاما.

          كما انخفض معدل وفيات الأطفال إلى الثلثين, والظاهرة سوف تستمر لتصبح نسبة المسنين أكبر فأكبر وبما يحتاج إليه ذلك أيضا من سياسات اجتماعية واقتصادية جديدة.

          السؤال: هل كان تحسن مستوى الأعمار مرتبطا بنمو الدخل?

          ومن واقع الأرقام التي أذاعها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عن مستويات الدخل في السنوات الأخيرة (والتي شهدت تحسنا في أسعار النفط) واقتربت نسبة النمو إلى (3.3) في المائة, أي أن الصورة المتشائمة التي قالت إننا بحاجة إلى (140) سنة لنضاعف الدخل قد بدأت تتغير, وإن كان البون مازال شاسعا قياسا على الدول الصـــناعية المتقدمة.

          كذلك فإن البون مازال قائما لكي يؤدي النشاط الاقتصادي إلى استيعاب البطالة التي وصلت إلى (15) في المائة من قوة العمل في منتصف التسعينيات, والتي تحتاج - لكي تختفي - إلى نسبة نمو لا تقل عن (5%), كما تحتاج إلى سياسة مؤسسية وإدارة للتنمية قادرة على خلق فرص عمل وبناء أسواق قادرة على المنافسة.

          وفي التفاصيل, تبدو أحوال العرب على طريقة (نصف الكوب الممتلئ ونصف الكوب الفارغ).

          فالعرب يوجهون نسبة أقل من دخلهم لمجالات الصحة, ويهتمون بالصحة البدنية أكثر من الصحة النفسية والاجتماعية, وبالعلاج أكثر من الوقاية, مما يكلف أكثر من الناحية المالية.

          وقد تراجعت نسبة الأمية في الحقبتين الأخيرتين, ولكن مازال هناك - وعند نهاية القرن تقريبا - (65) مليون عربي بالغ.. أمي, وثلثاهم من النساء, حتى أن العبارة تصبح صحيحة (هناك تأنيث للجهل, وتأنيث للبطالة, وتأنيث للفقر), مما يطرح قضية المرأة.. نصف المجتمع.

          ولكن لأن للحقيقة وجوها فقد سجلت المرأة تخلفا - كما أشرنا - وتقدما كما تشير أرقام تقول إن معدل تعليم المرأة قد قفز إلى ثلاثة أضعافه منذ عام 1970.

          وكما تثير قضية المرأة الجدل, فإن قضية التعليم الجامعي - ومن ثم قضية المعرفة - تثير جدلا آخر, فها هي نسبة التعليم العالي لدينا تمثل (13%) من الشريحة السنية التي يمكنها الالتحاق بالجامعات, بينما تبلغ النسبة في الدول الصناعية (60%).

          انتقل العالم إذن من قياس التقدم وفقا للدخل, إلى قياسه وفقا لمؤشرات التنمية البشرية, ولكـن ها هي مؤشرات جديدة تقول لنا: لنبحث أيضا قضايا الحرية, والمعرفة, والحكم الصالح, والمشاركة, ومساءلة الحكومات, والرقابة الشعبية.

          ونقطة البدء في قضية الحرية أو الحكم الصالح هي مدى تمتع الشعب بالمشاركة في السياسات العامة, سواء كان ذلك عن طريق البرلمانات والمجالس النيابية ومجالس الشورى, أو من خلال حرية الصحافة, أو من خلال اللامركزية والحريات المدنية, وفي كل ذلك يقع الوطن العربي في ذيل القائمة قياسا على العالم كله, بما فيه إفريقيا جنوب الصحراء.

          نحن الأقل حرية, والأكثر تخلفا من الناحية السياسية, فإذا اتجهنا لقطاع المرأة نجد أن النساء العربيات لا يشغلن أكثر من (3.5) في المائة من مقاعد البرلمانات مقابل (11%) للنساء في إفريقيا جنوب الصحراء و(12) في المائة في أمريكا اللاتينية.

          فإذا انتقلنا من السياسة إلى دائرة المعرفة وقلنا إن (1.2) في المائة من السكان يحوزون أجهزة كمبيوتر ونصفهم يتعامل مع الإنترنت فإن النسبة منخفضة في الحالين, وهو الأمر نفسه, على البحث العلمي والتكنولوجيا الجديدة حيث لم يزد إنفاقنا - عام 96 - عن (0.14) في المائة من الناتج الإجمالي, وكانت النسبة في اليابان عشرين ضعفا, وفي كوبا تسعة أضعاف!

          وهكذا يعادل استفزاز بعض الأرقام أوجه تقدم واضحة مثل مؤشرات العمر والصحة والتعليم, ولكن يبقى المستقبل غامضا, فهناك إلى جانب فقر السياسة, فقر الماء والبيئة, وفقر الأرض الصالحة للزراعة, وفقر المعرفة, والنقد المؤسسي الذي يحكم كل ذلك, وفي رأي الخبراء أن المنطقة العربية تشهد مفارقة بين إمكانات وثراء نسبي, وتخلف بشري, وتلك هي المعضلة والتي لا يحركها غير نهوض شامل, أو مشروع نهضوي يأخذ بكل أسباب التقدم في وقت واحد, وتكون أولوية الاستثمار فيه: حكماً صالحاً, تحريراً للصوت العربي, وبناء قدرات معرفية, وخفضاً للفقر باستخدام الطاقات الإنسانية ومؤسسات فعالة.
القضية إذن ليست نقصا في الموارد المادية, لكنها قضية إدارة, إدارة صالحة وقادرة.

          لقد سقطت - وفي الحقب الأخيرة - مقولة إن رأس المال أساس التقدم, فليس بالمال وحده يصنعون المستقبل.

          الجديد رأسمال بشري, تصنعه أنظمة ديمقراطية وعصرية, وتثريه كل العقول, ويلعب فيه الرأي العام دورا حاسما وفعالا.

          لقد سئلت شريحة واسعة من الشباب العربي عن مدى رضاها, وجاءت الإجابة - طبقا لتقرير التنمية الإنسانية - (نحن غير راضين. نريد الهجرة للعالم الخارجي), وكانت نسبة الراغبين في الهجرة نصف العينة من المراهقين!

          إنه صوت الغضب علينا أن نواجهه

... ورقــم

ســـلاح أقــل

          هل أصبح العالم أكثر رشدا فبات يخصص للتنمية وحياة البشر أكثر مما يخصص للسلاح وأدوات الدمار?

          عـنـدما انـتــهـت الحرب الباردة تراجعت نفقات التسليح, ولكن إزاء صراعات إقليمية وعـرقـيـة سـجـلت مبـيـعـات الـسـلاح نـمـوا في بعض السنوات, وكان الشرق الأوسط دائماً في المقدمة.
في الدراسة السنوية التي يقدمها الكونجرس الأمريكي حول مبيعات السلاح - والصادر في صيف 2002 - إشارة واضحة إلى أن عام (2001) كان شيئا آخر, رغم وقوع أحداث سبتمبر وتلبد العلاقات الدولية بالغيوم ووعود واشنطن بحرب تمتد جغرافيا وزمنيا.

          حدثت أزمة سبتمبر في الولايات المتحدة, ولكنها - كما يبدو - لم تكن كافية لدفع عجلة التسليح, أو أن المدى الزمني - وقد حدثت في الخريف - لم يكن كافيا لتزيد الدول من مشترياتها للسلاح.

          على أي حال, فقد سجل ذلك العام (2001) أدنى مستوى من مبيعات السلاح خلال السنوات الثماني الأخيرة.

          لقد بلغت قيمة الصفقات للدول النامية والمتقدمة على السواء (26.4) مليار دولار مقارنة بـ (40) مليار دولار في عام (2000) وكانت الولايات المتحدة أكبر المصدرين لكنها خسرت سبعة مليارات من الدولارات مقارنة بالعام الأسبق, الذي باعت فيه بما قيمته (19) مليار دولار ثم انخفضت مبيعاتها في (2001) إلى (12) مليارا فقط.

          وفي سوق السلاح أيضا, احتلت روسيا المرتبة الثانية وفرنسا المرتبة الثالثة, واحتلت الدول الثلاث (الولايات المتحدة - روسيا - فرنسا), (80) في المائة من مبيعات السلاح.
وعلى الجانب الآخر اســــتوردت الدول النامــية بما قيمته (16) مليار دولار, وكان الــشرق الأوسط في المرتبة الأولى من حيث استيراد الأسلحة, وداخل المنطقة كانت إسرائيل في المقدمة.
وفي التفسير يقول التقرير الأمريكي إن دولا كثيرة قد لجأت لتجديد وتحديث ما لديها, بدلا من الشراء.

          السؤال: وإذا كان التوتر الذي حدث بعد سبتمبر سوف يظهر أثره عام (2002), فكيف تكون الصورة? وهل تلعب حرب الإرهاب دورا في تنشيط مبيعات السلاح أسوة بالحروب الأخرى?

          ومع السؤال تأتي ملاحظة مهمة وهي أن صناعة وتجارة السلاح لم تعد الأولى ولم تعد منافساً لمجالات أخرى, فصناعة المعلومات وصناعة الدواء مازالتا في المقدمة.

 

محمود المراغي