الإنسان والبيئة

   الإنسان والبيئة
        

استغلال الأنتاركتيكا وشيك!

          الأنتاركتيكا, أو القارة القطبية الجنوبية, أرض بلا أصحاب, فليس لها سكان أصليون يحملون جنسيتها, ويملكون السيادة عليها. إنها مقسّمة بين 16 دولة, هي التي تمكنت من الوصول إليها, إما لامتلاك وسائل الانتقال الفعّالة, وإما للقرب منها. وقد سارعت هذه الدول بإعلان تملكها أجزاء من القارة, ما عدا الولايات المتحدة الأمريكـــية, التي رفضت أن تحدد (أملاكها) في الأنــــتاركتيكا, وربما تضع في اعتبارها أن (الكعكة) كلها لها!

          ولعل قارئ (العربي) يتذكر موضوعاً نُشر لنا في العدد رقم (424) من هذه المجلة, إصدار مارس 1994, وكان عنوانه (إنهم يقتسمون الكعكة الجليدية), نقلنا فيه للقراء حقائق ما يجري من صراع على تملك أرض القارة القطبية الجنوبية, وأشرنا فيه إلى تخوفات لعلماء البيئة من الآثار التي ستخلفها أنشطة التعدين والتنقيب عن النفط واستخراجه, عندما تبدأ, في نظام بيئي, هو الوحيد على سطح الأرض الخالي من التلوث.

          وها هي التخوفات, بعد ما يقرب من عقد من الزمن, تقترب من أن تصبح حقيفة, فثمة دلائل على أن استغلال الأنتاركتيكا قد صار وشكياً, ولعله أقرب مما يتصور البعض, بل لعله قد بدأ فعلاً, دون أن يدري أحد, فمعظم سكان العالم منشغل, إما بحروب صغيرة تجعله لا يرى إلا موقع القدمين, وإما بتوفير الطعام والماء لمئات الملايين من الجوعى والعطشى!

          إن الدلائل التي نقدمها عبارة عن مجموعة من الصور, جمعناها من (الإنترنت), ويمكن قراءتها بسهولة, لنستنتج منها أن أرض القارة القطبية الجنوبية, التي وضع أقوياء العالم أيديهم عليها, ستتحول, وربما تكون قد تحولت فعلاً, إلى ميدان لعمليات استغلال واسعة النطاق, لثرواتها ومواردها المخبأة تحت غطائها الجليدي الثقيل. فاقرأ معنا هذه الصور:

          - في ظروف مناخية وطبيعية كظروف الأنتاركتيكا, تكون المواصلات البحرية هي الأنسب والأفعل. لقد امتدت خطوط ملاحية نشطة, بين الشمال المستغل, والقارة الجنوبية, وها هي كاسحة جليد تعمل على تأمين الناقلات العملاقة, التي تأتي بالمعدات الثقيلة, وترجع بالخيرات الوفيرة!

          - حسنا.. لا غنى عن المواصلات الجوية فهي مؤثرة وسريعة, وهذه أمور ضرورية لخطط الاستغلال. لقد أنشئت المطارات, وهبطت الطائرات العملاقة فوق القارة المتجمدة, التي بات استغلالها أمراً مؤكداً.

          - ولاستكمال البنية التحتية, لتكون في خدمة الأنشطة الاستغلالية المختلفة, تم شق شبكة من الطرق, في الجليد, وتوفير أعمال المراقبة والصيانة لها, لتظل صالحة للاستخدام في كل الأوقات, إن النقل هو عصب النشاط الاقتصادي.

          - وها هي أحدث معطيات تكنولوجيا الاتصال تخدم أغراض استغلال القارة البكر.. محطات اتصال عبر الأقمار الصناعية, تربط إدارات الدول المستغِلَّة بالقارة المستغَلَّة.

          - كان التركيز على الدراسات المناخية ضرورة, لتأمين عمليات الاستغلال للقارة المتجمدة, وللتغلب على المعوقات المناخية, مع وضع واجهة للتضليل, أو لذرِّ الرماد في العيون, تقول إن الأبحاث المناخية تستهدف دراسة أحوال المناخ العالمي.

          - وكان من الطبيعي أن تُجنَّد جيوش من العلماء مزوَّدين بأحدث الأجهزة العلمية, للقيام بالدراسات الميدانية, وأعمال التنقيب والرصد, لتمهيد الطريق لأعمال الاستغلال, التي لا يساورنا شك بأنها قد بدأت فعلاً في القارة القطبية الجنوبية, التي كانت آخر الموائل الطبيعية النظيفة في عالمنا.

          - هذه صورة لمجمع من المساكن.. أم تراها محطة أبحاث? من السكان? ماذا يفعلون (هناك)? سرية تامة!

          - وهذه محطة أبحاث أمريكية. هذا هو الظاهر. أي أبحاث تجري بها? وما نتائجها? سرية مطلقة, تؤكد الظنون وتثير الشكوك.

          - إن هذا العالم الجيولوجي يستخلص شريحة من الصخر بها حفرية. إن دراسة الحفريات مسألة تمهيدية ضرورية لأعمال البحث عن المعادن والنفط, فالحفريات سجل للتاريخ الجيولوجي للأرض. وبالطبع, فإن هذا العالم لم يأت إلى (قاع العالم), ليكِدَّ من أجل حفرية, لمجرد أن يكتب مقالاً, ينشره بمجلة علمية.

          - ها هم زملاء لذلك العالم, من الجيولوجيين, حصلوا على هذا العمود من طبقات متتالية من جليد وتربة القارة, ثقبوا سطح القارة الجليدية, ليحصلوا على قرائن تشير إلى ما تخبئه أرضها, تحت الغطاء الثلجي.

          - إنهم يستخدمون كل الطرق والوسائل لتحسس طبيعة الموارد وتحديد مواقع الثروات, بما في ذلك الغوص تحت الغطاء الجليدي.

          - ويطارد علماء الحياة أحياء القارة, لاستكشاف ماذا يمكن أن يُستغل منها.

          - ويعطي العلماء اهتماما خاصا بالكائن القشري المسمى (كريل), والذي تعد مياه القارة الجنوبية المستودع الرئيسي منه في العالم, وذلك لقيمته كغذاء مستقبلي.

          - وكان طبيعياً, مع هذا النشاط المحموم بحثاً عن الموارد وإعداداً لخطط استغلالها, أن تعرف القارة العذراء المخلّفات.

          وأعلى صناديق قمامة. أين سينتهي بها المآل? هل ستحرق أو تطمر في القارة? هل ستحملها الطائرات والسفن إلى أمريكا?! ناهيك عن مخلفات التعدين والتنقيب وأنشطة الاستغلال الأخرى, التي تلوح في الأفق!

          إن الأنتاركتيكا قد تبدو في الخريطة بعيدة عنا, وإن كانت وسائل الاتصال الحديثة قد أحالت العالم كله إلى قرى متجاورة, ولكن الحقيقة أننا أقرب ما نكون إليها, إذا أخذنا في اعتبارنا ارتباط مستقبلها بأحوال البيئة والمناخ في عالمنا الصغير.. المرهق!

تلك الرائحة

          استدعت التوسّعات العمرانية والنمو المطرد بالنشاط الصناعي في (أبي ظبي) ضرورة تطوير وتحديث ورفع قدرات محطة الصرف الصحي بمنطقة (المفرق), التي تبلغ قدرتها الحالية 210 ألاف متر مكعب باليوم الواحد. وبالوقت ذاته, كانت رائحة غاز (كبريتيد الهيدروجين) المنفّرة - رائحة البيض الفاسد - التي تنبعث من المحطة, مصدراً للشكوى من المقيمين والمارين بمحيط تلك المحطة, فاشتمل برنامج التطوير على بند خاص بالتخلّص من هذه الرائحة, التي كانت تلوّث هواء المنطقة.

          وقد استخدمت في عملية تنظيف هواء منطقة المفرق أحدث تكنولوجيا معالجة الغازات المنبعثة من مخلفات الصرف الصحي, وهي عبارة عن نظام مدمج للتخلص من تلك الغازات الكريهة, يتكون من عدة مراحل, ويستهلك أقل قدر ممكن من المواد الكيميائية, حتى لا يضيف أعباء جديدة للنظام البيئي, بل إنه لا يستخدم غير مادتين كيماويتين, هما (الصودا الكاوية), و (مسحوق إزالة الألوان), مما يقلل من تكلفة عملية تنظيف الهواء.
وقد حقق هذا النظام نجاحاً واضحاً في تنظيف هواء المنطقة, إذ كان تركيز غاز كبريتيد الهيدروجين في هواء(المفرق) يبلغ مائة جزء بالمليون, في المتوسط, وقد تدنى تركيزه إلى واحد من مائة بالمائة, أي أن تلك الرائحة قد انعدمت تماماً!

النساء قادراتعلى إصحاح البيئة

          (فاطمة جبريل), سيدة صومالية, نشأت في صحراء الصومال لأسرة فقيرة, تنتمي لإحدى القبائل الرحّالة, ثم حدث أن هجر أبوها القبيلة, واتجه إلى أعمال البحر, ولم يلبث أن اصطحب أسرته إلى إنجلترا, ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية, حيث كانت الظروف مواتية لأن تستكمل فاطمة تعليمها, وتحصل على درجتها الجامعية.

          ثم اضطربت أحوال الصومال, فرأت فاطمة أن وطنها أولى بها, وهو بحاجة إليها, فعادت إليه, مع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي. وبدأت مسيرة العمل الوطني لفاطمة جبريل, التي كُللت - أخيرا - بحصولها على جائزة جولدمان البيئية, وهي جائزة تُمنح لنشطاء البيئة المتشبثين بأوطانهم, والذين يؤدُّون لمجتمعاتهم خدمات مؤثرة, فيما يخص برامج التنمية وصون البيئة.

          إن العمل البيئي, في مفهوم فاطمة جبريل, لا يمكن فصله عن الأنشطة الاجتماعية والسياسية, فالقضايا تتداخل وتتشابك حتى يصبح ما هو بيئي في خانة السياسي, وهذان - بدورهما - يأخذان هيئة الشأن الاجتماعي. وبالنسبة لوطنها - الصومال - على وجه الخصوص, فإن هذا النسيج يصبح أكثر تعقيدا, حيث تتفاقم مشاكل التصحُّر واقتلاع الغابات, مع موجات متلاحقة من ضربات الجفاف, تنشر القحط في البلاد. وإنك لتعجب, كيف يحدث أن تستمر الحياة في بلد يكابد مثل هذه الأحوال.. بلد عاش لمدة عقد كامل من الزمن بلا حكومة مركزية, تنهشه الانقسامات وحروب الميليشيات!

          في وسط هذا المناخ, جاءت فاطمة جبريل بفكر جديد, يقول بأن ثمة أملا في إصحاح كل الأحوال: البيئية والاجتماعية والسياسية, إذا تحققت للنساء مشاركة حقيقية, وإذا حصلت الفتيات على فرصهن كاملة في التعلُّم, وإذا جاء إلى الصفوف الأولى قادة جدد, تجري في عروقهم دماء شابة.

          وتتحمس فاطمة جبريل لحق بنات جنسها في المشاركة, من أجل حل شبكة مشاكل الصومال. تقول, إن النساء - بعامة - هن عماد المجتمعات, كما أنهن - بطبيعة دورهن - القيّمات على شئون البيئة, غير أنهن - في الصومال - بقين طويلاً بلا حول ولا قوة, مهمَّشات, حيث تتركز القوة - بحكم طبيعة المجتمع - بيد الرجل, وحيث تُتخذ القرارات في مجالس الرجال, تحت أشجار الكرز. وتعود فتقول, لقد بدأت الأمور تتبدل, الآن, وخرج عدد محدود من نساء وطني, وقد عرفن الطريق إلى مجالس أشجار الكرز!, وإنك لتجد هذا التبدل محسوسا, فيما يتعلّق ببعض الثوابت القديمة, فقد كانت المرأة, عند الزواج - على سبيل المثال - تتخلى لزوجها عن أغنامها ونعاجها, ولم يعد ذلك يحدث الآن!
لقد دخلت المرأة الصومالية بعض اللجان السياسية المهمة, التي تدير شئون البلاد, ومن بينهن واحدة من نشطاء البيئة, تبوأت مركزاً مرموقاً في تلك اللجان القيادية. كما تمكنت زميلة أخرى لفاطمة من دخول البرلمان, وقد تقدمت بمشروع قانون يحظر تصدير الفحم النباتي, حماية لغابات الصومال, التي كانت تقتلع مساحات كبيرة من أشجارها, لتتحول إلى فحم, من أجل التصدير كما نظمت تلك البرلمانية حملة إعلامية كبيرة, نجحت في وقف جانب من هذا النشاط المدمر.

          وتستطرد فاطمة جبريل, في أسى واضح: (لقد غرق الصومال, أو كاد. إن بلدا في العالم لم يعان ما عانينا, غير أنني لن أفقد الأمل في أن تعود الأمور لطبيعتها. إن إصحاح البيئة لن يتم بمعزل عن غيره من عمليات إصلاح, وإن كان الشأن البيئي يبدو أكثر تعقيدا وإعتاما... لقد وُلِدتُ في الصحراء, حين كان الصومال تحت الاحتلال البريطاني, وكانت أسرتي تنتقل من مكان لآخر, كل عام تقريباً, سعياً وراء العشب والماء, وأتذكّر أن أهلي كانوا يجدون الماء تحت سطح الأرض مباشرة. كانوا يحصلون عليه دون جهد. وكان الربيع الجبلي ساحرا, ومازلت أتذكر أنواعا من الطيور والأزهار وأسراب النحل, كما أن الجبال كانت مليئة بالحيوانات البرية, وكانت أمي - عند انشغالها عني بأمر بيتي - تربطني إلى وتد الخيمة, حتى لا أبتعد عنها, وأتعرض لنمر أو أسد. والآن, ضاعت المراعي, واختفت الحيوانات, وهجرت الطيور بلادنا, حتى (خنافس الروث), فقدناها.. وكانت تؤدي وظيفة مهمة, لم أعرفها إلا بعد أن تعلمت, لقد كانت تتعهد بمخلفات الحيوانات, فتفتتها وتنثرها في دائرة كبيرة, فتزيد من خصوبة التربة)!

السنديان يلوِّث الهواء!

          توصل باحث أمريكي إلى حقيقة مهمة, وهي أن بعض أنواع الأشجار ينبعث منها مركبات غازية تلوث الهواء, وتثبّط نمو الأشجار. أهم هذه المركبات (الإيوبرين), أما الأشجار التي تنتجه, فهي السنديان, أو البلوط.

          وقد وجد الباحث, واسمه (رينيي زهانج), المتخصص بكيمياء الغلاف الجوي, في جامعة تكساس, وجد علاقة بين انبعاث الإيزوبرين من السنديان, وزيادة مستويات غاز الأوزون في الطبقات القريبة من الأرض, بالغلاف الجوي.

          يقول (زهانج) إن تلوث الهواء يأتي في مقدمة المشاكل الخطيرة التي تعانيها الحضارة البشرية المعاصرة, والتي تشير الدلائل إلى أنها سوف تزداد تعقيدا في هذا القرن. والمؤكد, أن الجانب الأكبر من هذا التلوث ناتج عن الأنشطة الإنسانية, غير أن الكثيرين لا يعرفون أن ثمة مواد قد تبدو غير مؤثرة, ولا صلة لها بالتلوث, إلا أنها تدخل في سلسلة من التفاعلات الكيميائية, في الطبيعة, ولا تلبث أن تصبح مصدرا من مصادر تلويث هواء الأرض. من هذه المواد, الإيزوبرين, الذي ينبعث, تلقائيا, في عملية تنفس أشجار السنديان أو البلوط. إنه المركب الهيدروكربوني الأكثر شيوعا, بعد غاز الميثان, في الغلاف الجوي للأرض. وتأتي المشكلة من أن هذا (الإيزوبرين) لا يبقى على حاله, فهو نشط كيميائيا, فيسارع بالدخول في العديد من التفاعلات الكيميائية, من بينها سلسلة من التفاعلات, تنتهي بإنتاج غاز الأوزون.

          لقد ارتبط الأوزون, في أذهان العامة, بوجوده في طبقات الجو العليا, ولكنه من المكونات الغازية لهواء الأرض, وإن كانت نسبته إلى غازات الهواء الأساسية ضئيلة جدا, إلى حد أنها لا تُذكر. فإذا ارتفعت هذه النسبة, اختل تكوين الهواء, وأصبح الأوزون مادة ملوثة. وعلى ذلك, فإن زيادة الإيزوبرين تعني, بالضرورة, زيادة في مستوى الأوزون بالهواء الذي نتنفسه.
والأوزون في طبقات الجو العليا مفيد, إذ يحجب عنّا المكونات الضارة في أشعة الشمس, وله فائدة إذا وجد قرب سطح الأرض, إذ يعطي ذرات نشطة من عنصر الأوكسجين, تسهم في حفز مركبات كيميائية أخرى على الارتباط بمركبات غازية غير مرغوب فيها بهواء الأرض, مثل غازات الكبريت, فتنظف الهواء منها. وفي مقابل هذه الوظيفة, التي لا بأس بها, فإن للأوزون الأرضي مضاره, فهو واحد من غازات (الدفيئة), إذ إن وجوده بالقرب من سطح الأرض يمنع الأشعة الحرارية المنبعثة من قشرة الأرض أن ترتدّ إلى طبقات الجو العليا, فيظل سطح الأرض محتفظا بالحرارة, فإذا استمر مستوى الأوزون الأرضي في الارتفاع, تبعه استمرار الارتفاع في درجة حرارة مناخ الأرض, وهي الظاهرة التي يشكو منها العالم مرّ الشكوى.
كذلك, فإن لارتفاع مستوى الأوزون الأرضي أضراره المباشرة على صحة البشر, وعلى النباتات, فالأشجار التي تعيش في منطقة (ملوّثة) بهذا الغاز يتأخر نموها, وقد ينتهي بها الحال إلى الذبول والموت, فإذا حدث تلوث بالأوزون على نطاق واسع, فإنه يمثل تهديداً للحياة النباتية في المنطقة الملوثة.

          ويأمل الدكتور (زهانج) أن تنتهي أبحاثه على الإيزوبرين, التي استمرت زهاء ثلاثين سنة, بتحديد (الخطوات الحاكمة) في سلسلة التفاعلات التي تؤدي إلى إنتاج الأوزون في مناطق الغابات والتجمعات النباتية الكثيفة, فإذا حدث ما ينتظره ذلك الباحث, سيكون من السهل سدُّ المنافذ التي يتسلل منها الأوزون ويتزايد في هواء الأرض.

غابة سرابيوم نموذج قابل للتطبيق

          سرابيوم, اسم بقعة صحراوية, بالقرب من مدينة الإسماعيلية - مصر. بها محطة للصرف الصحي, كانت ترفع مخلفات المدينة, وتصبّها في بحيرة التمساح, التي تعترض مسار قناة السويس.

          أمامنا - إذن - عنصران: أراض صحراوية, وما أكثرها في بلادنا, ومياه ذات نوعية متدنية, تسعى التكنولوجيا, كل يوم, لتحسين نوعيتها, لتكون متاحة لدرجات متفاوتة من الاستخدامات, تشمل ري بعض أنواع المزروعات, وتربية الأحياء المائية, و - ربما - الخلط بمياه الشرب!

          وكانت الفكرة: غابة, تروى أشجارها بمياه المحطة.

          ولكن, ثمة قراراً بعدم استخدام مياه الصرف الصحي في ري أي مزروعات تنتج ثماراً يأكلها البشر.

          حسناً, لن نزرع أشجاراً مثمرة, لتكن أشجار غابتنا خشبية, فالأشجار الخشبية اقتصادية, صحيح أن مردودها غير سريع, إذ يتأخر, وربما استغرق ربع قرن ليصل إلينا, ولكن المهم أن نبدأ, ثم إن المردود البيئي, غير المنظور لأعين المتلهفين على الربح المادي السريع, سيبدأ جنيه فور أن تبدأ الأشجار في النمو, وتتحوّل مساحة 500 فدان, هي المساحة المقدّرة للغابة, من اللون الأصفر إلى اللون الأخضر المبهج.

          ولزيادة إجراءات الأمان, تم تطوير محطة الصرف الصحي, لتعالج المياه المنصرفة في خطوات إضافية, ترفع من درجة نقائها, وتخلصها من أكبر قدر ممكن من المواد البيولوجية الممرضة, مع ملاحظة أن تكون كل عمليات التنقية طبيعية, دون معالجة كيميائية, فالمشروع - في فلسفته - بيئي, بالدرجة الأولى, ويجب أن تحكمنا الاعتبارات البيئية في كل خطواته وأعماله.

          كما استقر الرأي على أن يكون نظام الري في الغابة بالتنقيط, حيث تقوم الآلات بكل العمل, مع تقليل احتمال تعرض العاملين بالغابة لهذه النوعية من المياه إلى أدنى حد ممكن.

          وهكذا, تحوّلت تلك المخلفات السائلة المنفّرة إلى مياه صالحة للاستخدام في الري, بل إن وزير البيئة في مصر د. ممدوح رياض, وهو خبير أشجار, يطلق عليها اسم (المياه السحرية), فبالاضافة إلى احتوائها على 21 ملليجراما/لتر من النيتروجين, فإن بها مستويات عالية من العناصر المعدنية المغذية (المغنيسيوم 27 ملليجراما/لتر - الفوسفور 3 ونصف ملليجرام/لتر - البوتاسيوم 21 ملليجراما/لتر - الكالسيوم 48 ملليجراما/لتر).

          لقد بدأ العمل في غابة سرابيوم في يناير 1988. في ذلك التاريخ, كانت المنطقة مجرد امتداد اعتيادي للون الأصفر, أما الآن, فقد تغيرت معالم المكان, حيث تستوقفك غابة ضخمة من أشجار السرو والصنوبر والكايا والتوت, وقد حان وقت الحصاد والإنتاج

 

رجب سعد السيد   







 





 





 





 





 





 





 





 





 





 





 





 





 





 





وحدة معالجة مياه الصرف الصحي وإزالة ملوحتها أثناء اقامتها بالمفرق بأبوظبي





 





التربة الصفراء في سرابيوم اكتست بغطاء شجري أخضر..تجربة تستحق الدراسة