سلامة البشرية في سلامة البيئة

النحل الإفريقي يفرز من العسل (1200)
ضعف ما يفرزه النحل العادي

تحدثنا في أعداد سابقة، وفي سنوات مضت، عن النحل الإفريقي القاتل، الذي ظهر في البرازيل أول ما ظهر.. وكان ذلك سنة 1956.. تحدثنا عن هذا النحل حين غزا المكسيك في السبعينيات ثم تحدثنا عنه ثانية حين زحف إلى الشمال وراح يهدد ولاية تكساس الأمريكية في الثمانينيات.. وما أسرع ما أصبح النحل الإفريقي موضع فزع أهل تكساس جميعا .. ومحل قلق سلطات الولاية .. ولاية النجم الأوحد (Lone Star) كما يسمون ولاية تكساس في أمريكا.

فقد اشتهر هذا النحل بلسعته السامّة.. ونزعته العدوانية التي تدفعه إلى الفتك ببني البشر خاصة.. وبالمواشي والدواجن بعامّة. وانتشر الذعر منه حتى أصبح القضاء على حشوده يحكم السياسة الرسمية العامّة التي انتهجتها سلطات تكساس المعنية.. ولعل هذه السلطات محقة فيما اتخذته من إجراءات، تستهدف الخلاص من النحل القاتل قبل فوات الأوان... فقد انهالت عليها الشكاوى والاحتجاجات من كل جانب .. شكاوي المزارعين ورعاة الأبقار.. مطالبين حكومة الولاية بالعمل على درء الخطرعنهم وعن مواشيهم فوراً ودون أي تأخير.

نذكر من هذه الشكاوى، على سبيل المثال، تلك التي رفعتها أُسَر عديدة، إذ اكتشفت قبل حوالي سنة أن ما لا يقل عن 261 رِجْلاً. من النحل القاتل قد حطت في مزارعهم.. وأصبحت مصدر خطر عليهم وعلى مواشيهم.. وما أسرع ما طالبوا السلطات المختصة باتخاذ الإجراءات الفعّالة الكفيلة بإنقاذهم من موت محقق قبل فوات الأوان... ونذكر أيضًا خبر اللسعة القاتلة المخيفة التي فتكت بأحد رعاة البقر في جنوب تكساس فأردته قتيلاً على الفور..!

ثم كانت المفاجأة الكبرى في الربيع الماضي (1992).. فقد ثبت للمسئولين في حكومة تكساس أن أكثر القصص التي راجت عن النحل القاتل - إن لم نقل كلها - لم تقم على أي أساس من الصحة، بل كانت مجرد أوهام وشائعات .. فأرجل النحل التي بلغ مجموعها (261) رِجْلاً لم تكن أرجل نحل على الإطلاق بل كانت حشوداً من الذباب العملاق المسالم (dragonflies). وثبت للمسئولين أيضا أن اللسعة الفتّاكة لم تقتل أيّا من رعاة البقر .. بل إنها لم تقتل إلا كلباً صغيراً ...

ثم أعقبت المفاجأة الكبرى مفاجأة أخرى أكبر منها.. إذْ تبين لأهل البرازيل، وهم أقدم عهدًا بالنحل الإفريقي من أهل تكساس - كما سبق أن أشرنا - تبيّن لهم أن النحل القاتل ليس قاتلاً بالمعنى الدقيق... وأنه غزير الإنتاج ويفرز من العسل أضعاف ما يفرزة النحل الأوربي أو العادي ..

أما من حيث فتك هذا النحل، فقد ثبت للبرازيليين أن سمّه خفيف ويسهـل على الإنسان اكتساب المناعة ضده في غضون يومين أو ثلاثة ويؤكد العسالون في البرازيل أنهم يتعرضون يومياً لحوالي 30 - 40 لسعة من لسعات النحل الإفريقي دون أن يلحق بهم أي أذى.. وتدل الإحصاءات على أن الذين يموتون بتأثير لسعات النحل الإفريقي لا يزيد عددهم على ألف نسمة في العالم ككل .. وأنهم يموتون لا بسبب اللسعات بالذات وإنما بسبب أمراض الحساسية التى يعانون منها والتي يتفاقم أمرها بسبب لسعات النحل.. بيْد أن هذه اللسعات تسبب الموت فعلاً لبضع مئات من الدواجن سنويًّا وعلى نطاق عالمي..

وأما من حيث إنتاج النحل الإفريقي فقد ثبت أنه يفرز من العسل (1200) ضعف ما يفرزه النحل الأوربي والعادي منه، حسبك أن إنتاج البرازيل من العسل قد تضاعف منذ الخمسينيات حتى بلغ (42000) طن سنويا.. علما بأنه لم يجاوز 300 طن سنوياً قبل سنة 1956، وهي السنة التي وصل فيها النحل الإفريقي إلى البرازيل لأول مرة..

ومن طريف ما يذكر هنا أن الأغراض العلمية هي التي حملت أحد علماء الوراثة على إحضار كمية محدودة من ذلك النحل إلى البرازيل بقصد إجراء بعض تجارب الهندسة البيولوجية.. ولكن بعض ذلك النحل أفلت من بيوته بقدرة قادر، فانتشر في البلاد، ثم تزاوج وصنوف النحل الأوربي الذي كان قد أدخل إلى البرازيل في وقت سابق .. ثم كانت حصيلة ذلك التزاوج .. نحلاً إفريقيا مهجنا، أصغر حجماً من أصوله الإفريقية والأوربية، ولكنه ذو نزعة عدوانية بالنسبة إلى صنوف النحل الأخرى.. وهو على كلٍّ أقدر منها على امتصاص رحيق الأزهار وأقدر أيضًا على تلقيحها، بنقل غبار طلعها من واحدة إلى أخرى...