عزيزي القاريء

عزيزي القاريء
        

كلمات نهاية العام

          إذا كان لنا أن نختار من هذا العام الطويل شيئا يعبر عنه, فإننا نختار صورة تلك الأم الفلسطينية الباكية وهي تودع طفلها قائلة له: (الله يسهل عليك), كم مرة تكرر هذا المشهد وتكررت هذه الكلمات?, جسد صغير يلفه قماش راية اختلطت ألوانها بالدماء, راية لم تجد سارية ترتفع عليها, ولم يتح لها القدرة على أن ترفرف, كل ما قامت به حتى الآن هو أن تلتف حول أجساد الشهداء, تمنحهم وطنا من الأكفان, لعلهم يجدون في الموت دربا سهلا للراحة بعد أن تقطعت بهم دروب الحياة, وحاصرتهم بنادق قنّاصة الاحتلال التي لا ترحم, الله يسهل على كل أطفالنا في الأرض المحتلة, فالعدو بالغ الشراسة والإخوة عاجزون وشهود الجريمة خرس وأيام الحصار بلا نهاية, وليس من ملاذ إلا رب رحيم, يسهل ما تعسر, ويعطي أملا عز وجوده على أرض الواقع.

          لقد تمنت (العربي) في بداية هذا العام أن تدوي أجراس السلام, وأن تنتصر البشرية على ما في داخلها من نوازع الشر, ولكنها كانت أمنية خائبة, فطبول الحرب الآن أصبحت أعلى دويا, وكلمات التهديد أصبحت أفدح أثرا من أصوات التسكين, كما أن الأحوال في الأراضي الفلسطينية المحتلة أصبحت أكثر دموية, واستشرى العدو الإسرائيلي وتبجح كما لم يفعل في تاريخه وعجزت الأنظمة العربية كما لم تعجز من قبل, وهاهي (العربي) تعود لتخصص استطلاعها من أجل هذه الأرض السليبة وتقلب صفحات أيامها بحثا عن براعم من الأمل تهب الحياة لهذا الشعب المناضل الذي طالت معاناته.

          وفي وسط هذه الظلمة تبحث (العربي) عن قيمة ما تعيد إلى حياتنا المعنى, فلا تجد إلا كاتبنا وشيخنا الجليل (نجيب محفوظ) وهو يمضي بخطى وئيدة فوق التسعين من عمره المديد, صوت عربي, عاقل ومتحضر وسط عالم أصابه مسّ من جنون العنف والثأر. ليست قيمة محفوظ أنه الكاتب العربي الوحيد الذي ظفر بجائزة نوبل العالمية, ولكن قيمته الحقيقية أنه كان خير دفاع عن العقل العربي المتهم بالعنف والإرهاب. إنه الرجل القيمة كما يصفه رئيس التحرير في افتتاحية هذا العدد, ليس فقط لإبداعه الأدبي, بل لأنه ظاهرة إنسانية احترمت وجودها على هذه الأرض فأعطتها أفضل ما عندها, وكم نحن في حاجة إلى أمثال هذه القيم النبيلة حتى يعتدل مسار حياتنا المعتلة. ولا توقف (العربي) تحيتها عند هذه الحدود, ولكنها ترسل واحدا من أفضل مصوّريها كي يقوم برحلة رائعة لكل الأماكن التي أحبّها هذا الكاتب وعشق الجلوس فيها مع صحبه ومريديه, ترافقه صور من روائع النثر العربي كتبها أشهر هؤلاء المريدين الأديب جمال الغيطاني.

          ولا تنتهي رحلة الكلمة والصورة على صفحات (العربي), فهي تشاهد الحملة الفرنسية على الشرق العربي من خلال عيون فنانيها, وترسل بتحياتها إلى الحدث الثقافي المهم الذي تمثل في افتتاح مكتبة الإسكندرية, وتشحن صفحاتها بنماذج صافية من إبداع العقول العربية, لعلها تترك في نهاية هذا العام بلسما يخفف من أوجاعه

 

المحرر