الرمز والصورة في أدب الطفل المعاصر

الرمز والصورة في أدب الطفل المعاصر
        

          تعقيبا على ما كتبته الأستاذة (لينا كيلاني) في باب (مرفأ الذاكرة) المنشور في العدد 532 مارس 2003 بمجلة (العربي) وما تطالعنا به مجلات مصورة عديدة وروايات وقصص وكتب جيب معلنة تخصصها للأطفال, وبعضها يعلن أنها للأذكياء, والآخر يتشدق بأنها للصغار والكبار, وهو موضوع يستحق الدراسة المتأنية. ويقفز للذهن السؤال التقليدي: هل هناك أدب للكبار وآخر للصغار?

          وهل الكتابة لهم أو عنهم?

          ومن يكتب هذا الأدب? ولمن يكتب تحديدا?

          وليس هو المقصود أدب المعاملة بالطبع. واذا كان الفن بوجه عام والأدب بخاصة هو التعبير بلغة جميلة وبسيطة عن نزعة جمالية للمشاعر الإنسانية والأفكار المختلفة, يصبح حق التعبير متاحا للجميع والصغار أولى بالقطع, وعندما نتجاوز عن كون الأدب وسيلة أم غاية.. يكون للأمر دلالات حيوية ترتبط بطبيعة الإنسان وطموحاته والسعي الدائم للتجديد وهنا تظهر أهمية مرحلة الطفولة وسنواتها المهمة.

          وبتناول الأمر من زاوية أخرى.. يمكننا عرض التقسيم الشائع للأدب من حيث التناول اللغوي ليصبح هناك أدب عربي وآخر إنجليزي وهكذا.. وقد يتشعب لنجد الأدب الشعبي وأدب الرحلات وأدب الخيال العلمي والفنتازيا وغير ذلك, ثم يتسع الأمر لنرى الأدب النسائي وأدب الطفل.

          ولماذا أدب الطفل? وهل لسنوات العمر تأثيرها في ذلك?

          ويأتي معه أيضا التساؤل عن أدب الطفل الذي يكتبه الكبار مثل كامل الكيلاني ولينا كيلاني وغيرهما وذلك ليقرأه الصغار أم هو الذي يكتبه الصغار ليقرأه أقرانهم وربما الكبار أيضا!

          وليس من قبيل المبالغة في القول ضرورة دراسة العوامل التي تؤثر في الأفراد في مرحلة الطفولة وتأثيرها الكبير في سلوكيات الأفراد وإبداعاتهم بعد ذلك, بل والتقدم الإنساني والحضاري بعامة ومن ثم الأدب بخاصة.

          وتقول الدراسات إنه منذ أن يستطيع الطفل أن يميز بين (الأنا) (والآخرين) (والعالم من حوله)  يبدأ النشاط الجسدي والذهني, وتتبلور مراحل توازن القوى من خلال الأحاسيس اليومية التي يعيشها وهو ينشد التجدد الذي يجعله قادرا على التعبير. وحيث تأتي خبرات التعامل بعد عنصري الغريزة والوراثة في درجة الأهمية من حيث التأثير في كيان الطفل وسلوكياته في الحياة وحيث يبدأ الرصد ومن ثم الدراسة والتحليل!

          وهل هناك خصوصية للمراحل السنية أم أن الشباب هو مرحلة الكفاح للوصول للشيخوخة?

          توضح الدراسات أيضا أن الصغيرمثل الكبير يحلم وهو يشعر بالجمال, ويعاني الإحساس بالقلق, وعدم الاستقرار, والتوافق مع سلوكيات الآخرين ومن ثم افتقاد الأمان, وقد يفكر في الحلول الخارجية, وربما الهروب من المنزل أو الهجرة والغربة.. وكذلك يمكن تفسير الهروب للداخل أو الانطواء وحالة الاغتراب وربما الكتابة, ويظهر ذلك بوضوح في الإبداعات المختلفة الفنية مثل الرسم, والأدبية مثل الحكاية.

          وهناك دراسات تحليلية عن نشاطات فنية مبكرة للأطفال في مجالات الرقصات التعبيرية والظهور المسرحي, والتمثيليات, وما يسمى بدراما الطفل, وقد شغل ذلك فكر الكثير من الكتاب وما يترتب عليه من ظهور نشاطات إبداعية للنصوص المكتوبة تمتد الى كتابة الأشعار والقصص..

حرية الإبداع

          والسرد والحكي هو قصة الإنسان مع نفسه ومع الآخرين منذ بدء الخليقة.. فهو يغني ويتحدث مع نفسه سرا وجهرا. وإذا سجل ذلك بلغة أدبية يسمي ذلك بأدب السيرة. كما أن الخيال أصبح في عصرنا بلا حدود, وهو الحلم والأماني وبداية التغيير, وهو حق للصغير والكبير, ومجال كبير لحرية التعبير والإبداع, وحيث يبدأ حديث الذكريات لا يستطيع أحد أن يطردك منه أو يصدك عنه, ونقطة بداية تستحق الرصد.

          ويصبح أدب الطفل هو ذلك الأدب الذي يخاطب مرحلة الطفولة وحتى المراهقة سواء كتبه الصغار, أو الكبار, أو الأطفال الكبار كما يقول الكاتب الإنجليزي الساخر (برناردشو) وذلك عندما سألوه عن القصص والروايات, حيث قال إنها تلهية أطفال كبار, وقد يعطينا ذلك المغزى المطلوب عن الاهتمامات الأدبية المشتركة, وعن الغايات من توظيف هذه الآداب للمعرفة والوعظ والتسلية أيضا, بجانب استعراض التراث والتواصل معه وتواصل أو حوار الأجيال, والفن والأدب هما مجاله الرحب, وهنا يظهر الفارق بين المعارف المطلوبة للصغار وطريقة عرضها. ونشير إلى ما كتبه المفكر الفرنسي (فرنسوا ليونار ) رائد ما بعد الحداثة عن اختلاف أطفال اليوم ومدى تأثير النظريات الحديثة والدور الخطير الذي يلعبه الفن والأدب خاصة في تشكيل العقل للإنسان, وذلك في كتابه (شرح ما بعد الحداثة للأطفال) الذي صدر عام 1986. ويصبح الأمر خاصا بالتربية بجانب تحرير ملكات الإبداع, ومنها الأغنية والموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والأدب وذلك في مواجهة عصر مختلف. ويظهرذلك بوضوح في مجال الفنتازيا وحرية الخيال والتخييل للجميع.

          وفي ضوء ذلك يكون لنا بعض التحفظات على بعض الأساليب والمواد التي تتناولها المجلات المصورة ومعظم موادها مترجمة, وحيث التأثير الواضح للكاريكاتير والصورة والألوان وتقنيات ووسائط العصر الحديث وتوجهاته المتناقضة, والطرح الغربي في أعمالنا بغير قصد أو روية فمثلا قرأت في إحداها تحت عنوان تعريفات لاذعة: (الطفل: أداة لتنغيص حياة الزوجين)!

تحريك الخيال

          والمطلوب من ألوان الأدب القصصي ان  تتواصل مع التراث وتحاول إضافة المعلومة وغرس المعاني الجميلة من خلال البسمة وبلغة بسيطة يقرؤها الكبار مع الصغار.

          وهي تضاف إلى المحاولات الجميلة لتقريب معاني الكلمات في الحقيقة والخيال وذهن الأطفال, كلمة مثل الاتزان والشرح العملي عن طريق مشاهدة السيرك واللاعب الذي يسير على الحبل المشدود, وكيف يساعد التركيز على حفظ التوازن, وأيضا الطيران في الفضاء وقصص وأفلام الخيال العلمي, وإن كان تحريك خيال الطفل وتفكيره في الاتجاه الصحيح يكفي ليفسرها حديثا وكتابة وربما رسما بطريقته, ويكفينا من السعادة البسمة المرسومة على شفاه أطفال شعروا بتواصلهم مع الآخرين. والمعرفة كالأشجار تبدأ بذورا ثم تنمو مع الأيام

الشربيني المهندس
الإسكندرية - مصر