أرقام

 أرقام
        

بنادق للجميع!

          تشير ميزانيات الدفاع للدول العربية, ولدول الخليج بشكل أكبر إلى أن شعار (بندقية لكل مواطن) أو (بنادق للجميع) شعار صحيح تعبر عنه الأرقام, وتعود الذاكرة للوراء نحو ثلث قرن لتقول (وقد أصبح الحال غير الحال).

          في ذلك الزمان الذي تجري فيه المقارنة (1970-2003) جرت مياه كثيرة وتراوحت سرعة المياه بين مدّ وجزر, حروب عدة, ومحطات سلام لا تخطئها العين, على مستوى العالم, وفي منطقة الشرق الأوسط.

          في بداية التسعينيات تنفس العالم الصعداء, فها هي الحرب الباردة تُغلق أبوابها, وهاهو التنافس الذي صنعه وجود الاتحاد السوفييتي يتراجع بعد أن اختفى الاتحاد واختفت معه كتلة عسكرية ضخمة في شرق أوربا...و... حينذاك توقع الجميع: تراجع ميزانيات الدفاع واتجاه الأمم للتنمية ورفاه الإنسان.

          في منتصف التسعينيات, أجرت جهات دولية عدة دراسات حول ما جرى وقالت: (نعم... لقد تراجعت ميزانيات التسليح في العالم, وقل الاتجاه للعسكرة).

          ولكن, ما إن مرّت سنوات قليلة حتى عادت الأمور إلى مجاريها, صراعات متزايدة, وتسليح وإنفاق عسكري متصاعد رغم محاولات ضبط دولية للتسلح ونوعيته, وهكذا جاء تقرير المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم عن الإنفاق العسكري في العالم الصادر في منتصف (2003) ليقول: (ومازالت الزيادة مستمرة, فقد سجل إنفاق (2002) زيادة بلغت (6) بالمائة)... ثم... أورد التفسير: إنها حرب الإرهاب وارتفاع ميزانية الدفاع في الولايات المتحدة.

          هكذا كان الموقف عالميا, لكنه كان في الخليج العربي شيئا آخر, فقد استمر التزايد بنسبة أعلى ولأسباب أخرى غير الإرهاب.

سنوات الحرب الطويلة

          لم ينعم الخليج العربي بحلم السلام والتنمية لأكثر من ست أو سبع سنوات بدأت بقفزة في أسعار النفط عام (73) وانفجار تنموي جرى خلاله سباق مع الزمن لبناء مجتمع رفاهة وبنية أساسية لهذا المجتمع سواء من الناحية المادية أو البشرية. بعدها ولمدة 23 عاما (80-2003) شهدت المنطقة ثلاث حروب: حرب (العراق - إيران) ولمدة ثماني سنوات متصلة, وحرب تحرير الكويت واستمرت لمدة خمسة شهور تبعتها سنوات طويلة من الآثار التي لم توصف, ثم حرب (العراق - الولايات المتحدة وبريطانيا) والتي استمرت نحو ثلاثة أسابيع, وإن بقيت آثارها ممتدة بالضرورة.

          خلال ذلك كان القاسم المشترك: العراق, لكن الآخرين لم يسلموا من شظايا الحرب, فحين تشتعل النيران تصبح قابلة للانتشار, ومن لا تصبه النيران يصبه دخانها.

          هكذا كان الموقف في دول الخليج التي نرصد الآن: أي نوع من الاستجابة قد حدث لديها? أي قدر من البناء العسكري, وأي مقرر من الإنفاق والذي يأتي - بالضرورة - تبادليا مع الإنفاق المدني أو الإنفاق على التنمية, وهو أيضا إنفاق مرتبط بمناخ عدم الاستقرار أكثر من ارتباطه بوفرة الموارد والتي اهتزت خلال الحقبتين الأخيرتين بسبب انخفاض أسعار النفط.

          وهنا نلاحظ:

          أولا, الاستمرار في جهود العسكرة والتي بدأت بخطى حثيثة مع زيادة عوائد النفط في السبعينيات, ولكن بنسب متزايدة في التسعينيات وأوائل القرن الجديد.

          وطبقا للتقرير الاستراتيجي الخليجي (2002-2003) والصادر عن دار الخليج للصحافة بالإمارات, واستنادا لأرقام أذاعتها مراكز الدراسات الاستراتيجية في ستوكهولم ولندن, فإن دول مجلس التعاون قد أنفقت  (211,3) مليار دولار على الجوانب العسكرية بين عامي (95-2001), وبينما كان الإنفاق متواضعا نسبيا عام (95) حيث لم يتجاوز (26) مليار دولار, فقد قفز إلى (38,6) مليار دولار عام (2001) وكان الأكثر إنفاقا خلال الفترة, وبنسبة الثلثين تقريبا دولة واحدة هي السعودية, فإذا اعتبرنا أن مثلث القوة الإقليمية في المنطقة (الرياض - طهران - بغداد), فإن نفقات طهران العسكرية خلال الفترة نفسها كانت (39) مليار دولار, والعراق عشرة مليارات.

          وبطبيعة الحال, فإن الأرقام المجردة لا تفيد, فالأهم من حجم الإنفاق هو نسبته لدخل الأمة, وما إذا كانت النسبة عالية أم منخفضة, فإذا طبقنا ذلك المعيار - وهي الملاحظة الثانية على الإنفاق, فإن سلطنة عمان تقف في المقدمة حيث تسجل ميزانية الدفاع عام (2001):(14,4) بالمائة من الناتج المحلي تليها السعودية (14,1) بالمائة, ثم الكويت (12,1) بالمائة وتأتي الإمارات والبحرين في ذيل القائمة, حيث يمثل الإنفاق العسكري في العام نفسه أقل من (5) بالمائة.

          هكذا تبدو المفارقة فيما يحتله الإنفاق العسكري من نسبة مئوية من الناتج من دولة إلى أخرى, لكن المفارقة الأكبر تبدو مما أسمته الأرقام (نصيب الفرد من هذا الإنفاق) حيث سجلت الكويت أعلى متوسط سنوي للإنفاق للمواطن الواحد وهو - عام 2001- (2514) دولارا, تليها قطر  (2072) دولارا ثم السعودية (1156) دولارا, وفي آخر القائمة - وخارج مجلس التعاون - تسجل إيران متوسطا للفرد قدره (66) دولارا, وربما يدفعنا ذلك لاستخراج قانون عام: أنه كلما قل عدد السكان, وتوافرت الموارد, باتت التكلفة الأمنية للفرد أكبر, والعكس صحيح أنه كلما زاد عدد السكان انخفضت تكلفة الفرد من الناحية الأمنية, في حال الكويت وقطر, بل والسعودية وسلطنة عمان تبدو المعادلة واضحة, إنها التكلفة العالية للأمن القومي, فالحفاظ على الأرض والحدود والأمن لا يرتبط بعدد السكان, وإن لعب حجم السكان - بالضرورة - دورا أساسيا في توفير الأمن من خلال القدرة التجنيدية لدولة من الدول.

الخليج والعالم

          السؤال: أي قدر من الروابط الدولية صنعها ذلك الإنفاق العسكري?... وهل توجه الإنفاق لدولة واحدة تتربع الآن على عرش تصدير الأسلحة وهي الولايات المتحدة الأمريكية, أم أن التنافس كان قائما بين مورّدي الأسلحة من الدول المختلفة, والميل كان قائما لدى دول الخليج لتنويع مصادر السلاح?

          في تقرير مقدم للكونجرس الأمريكي في أغسطس عام (2002)- ووفقا لما جاء في التقرير الاستراتيجي الخليجي - فقد استوردت دول مجلس التعاون بما قيمته (85) مليار دولار بين عامي (94-2001), كان نصيب الولايات المتحدة منها حوالي (25) مليارا, وكان نصيب أوربا الغربية حوالي (43) مليارا, وإن كانا قد تبادلا المقاعد, فقفزت مبيعات الولايات المتحدة للخليج في السنوات الثلاث الأخيرة, بينما تراجعت مبيعات أوربا الغربية والدول الأوربية الأخرى ومعها: روسيا التي توقفت مبيعاتها للمنطقة (98-2001) عند (300) مليون دولار.

          التنافس إذن قائم بين الولايات المتحدة وأوربا الغربية على سوق هي الأكثر ثراء بين دول العالم الثالث, لكن ذلك التنافس أيضا يعكس قرارا خليجيا بتنويع مصادر السلاح حيث تبرز على الخريطة إلى جوار الولايات المتحدة دول مثل بريطانيا وفرنسا, بل والصين في أقصى الشرق.

          هكذا كان حجم الكعكة وتوزيعها, وهي كعكة تسجل تراجعا رغم أي شيء, فإجمالي مشتريات السلاح لدول مجلس التعاون (94-97):(48)  مليارا من الدولارات في مقابل (37) مليارا للسنوات الثلاث التالية, فهل كان ذلك نتيجة أن قدرا من الاكتفاء قد حدث في الفترة الثانية والتي أعقبت التوسع في الاستيراد بعد حرب تحرير الكويت? يبدو أن ذلك حقيقي, وإن ظل المعدل هو الأعلى في العالم, أما قائمة المشترين ففي الصدارة - وعلى مدى السنوات السبع - تأتي السعودية: (65,8) مليارا وتأتي البحرين في آخر القائمة (أقل من مليار دولار).

          سؤال آخر تثيره الأرقام حول مابعد هذه الميزانيات من قوة? أي جيوش صنعت? وبأي حجم وأي قدر من التفوق والتحديث?

          وطبقا لأرقام (2002) فقد ظل الجيش الإيراني هو الأكبر في منطقة الخليج حيث بلغ عدد أفراده (513) ألف مقاتل, وتلي إيران: سلطنة عمان والعراق وكلتا الدولتين كان لديها جيش يقترب من (430) ألف مقاتل, أما السعودية والتي امتلكت أكبر ميزانية, فقد بلغت قواتها - والتي تملك أسلحة أحدث (202) ألف مقاتل, وكان الجيش الأصغر في البحرين (11 ألفا).

          و... بمقياس آخر لما صنعته الأرقام يأتي سلاح رئيس مثل الدبابات كمؤشر واضح, فيسجل العراق (2002) امتلاكه لـ (2200) دبابة رئيسية وتملك إيران (1410) دبابة, وتملك السعودية (1055) دبابة, أما قطر فلم يتجاوز ما تملكه (44) دبابة.

          وكما يقول العسكريون فإن حساب القوة لا يرتبط دائما بالحجم, ولكن بنوعية السلاح, أو قوة النيران كما يقولون, ومع ذلك فإن ما يلفت النظر, وإذا نظرنا للعائد والتكلفة فإنه لابد أن نقول:

          أولا: إن محاولة توفير نفقات عالية للدفاع لم تصحبها درجة أعلى من الأمن القومي, وإذا لم تكن جيوش الخليج قد تم اختبارها بما يكفي, فإن الحاجة لغطاء أمني خارجي عبر اتفاقات أمنية لم يتوقف.

          ثانيا: فإن إيران - وبميزانيات أقل - قد استطاعت أن تحتفظ بقوة عسكرية كبيرة, وأنها قد انفردت بالولوج إلى مجال (التصنيع العسكري) بل وتتعرض للحصار الدولي بسبب إنتاجها صواريخ وطائرات وأسلحة برية وبحرية يصل بعضها لما هو فوق التقليدي.

          ثالثا: إن العراق تحت الحصار, وإلى أن تم احتلاله ظل يحتفظ بنسبة من النمو في المجال العسكري.

          لقد امتلك العراق من القوات النظامية مليونا من البشر عام (1990) وانخفض ذلك في العام التالي وحتى عام (98) إلى الثلث تقريبا, ثم عاد وارتفع في الحقبة الجديدة إلى (424) ألف مقاتل حتى تم تسريح الجيش بعد الاحتلال.

          و... تسجل الأرقام أنه رغم الحصار على العراق فقد ارتفعت نفقات الدفاع لديه من (1300) مليون دولار في منتصف التسعينيات إلى (1800) مليون دولار عام (2001).

          وتبقى الملاحظة الرابعة والأخيرة, أنه رغم الحرص على بناء الجيوش, فإن التوازن الإقليمي مازال محل سؤال, والحلف الخليجي (درع الجزيرة) مازال بحاجة إلى رعاية ليكون التصاعد في القوة الإقليمية عنصرا فعالا وبديلا للاعتماد على المظلة الأمنية الخارجية.

          الآن, يخرج العراق - ولبعض الوقت - من معادلة الأمن في الخليج, والآن - وعبر اتصالات دبلوماسية جرت - تظل الأيدي ممدودة لتعبر الخليج وتربط إيران بدول مجلس التعاون, وإن كان بصورة محدودة تزيل العداء أكثر مما تبني من نظام دفاعي إقليمي.

          ما المستقبل?

          سؤال حائر, وإن كان التوقع استمرار معدلات الإنفاق العسكري, فما تم بناؤه من جيوش - أيّا كان حجمها - وما استجد من متغيرات - رغم انسحاب العراق - يدفع للأمام ولا يدفع للخلف.

          لقد سقط الوطن العربي, وفي المقدمة منه جناحه الخليجي في بئر (الأمن) والذي يتناقض بالضرورة مع جبل التنمية والبناء الذي نحاول الصعود إليه فتجذبنا رياح الداخل والخارج للوراء 

... ورقم

الفقراء ومرض النوم!

          في إحصائية أذاعتها منظمة (أطباء بلا حدود) الفرنسية خلال شهر يوليو (2003) قالت إن سبعة بالمائة من ستين مليون شخص يقطنون (36) دولة إفريقية مهددون بمرض النوم الذي تسببه ذبابة الـ(تسي تسي) والذي كان قد تم القضاء عليه في الستينيات ثم عاد للظهور مرة ثانية.

          الرقم جاء ضمن سلسلة أرقام ومعلومات حول الفقراء وقضية الدواء الرخيص, وهي القضية التي تثار عالميا ويخوض البعض المعارك من أجلها في منظمة التجارة العالمية.

          أمراض الفقراء هي المشكلة, فأمراض الأغنياء تجد الرعاية والاهتمام من مراكز البحوث وشركات الدواء, أما أمراض الفقراء - ووفقا للمنظمة - فهي لم تحظ بأكثر من (1) بالمائة من الأدوية التي أنتجت خلال ربع قرن مضى, والشيء نفسه بالنسبة للإنفاق الصحي بشكل عام والذي توجه للأكثر قدرة.

          وتلاحظ المنظمة أن أبحاث إنتاج المنشطات الجنسية ومستحضرات التجميل أكبر كثيرا - وعلى سبيل المثال - مما يوجه لعلاج الأمراض الاستوائية.

          المعروف أن (الإيدز) والذي ينتشر في الدول الإفريقية بالدرجة الأولى لا يجد دواء. إنه الانحياز للقادرين والذي بات لهم أكثر من الآخرين (الحق في الحياة والحق في الاستمتاع بصحة وفيرة). إنهم يستطيعون الشراء!

 

محمود المراغي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات