هل يمكن قهر الجاذبية?

هل يمكن قهر الجاذبية?

منذ أكثر من قرن ابتكر خيال الكاتب البريطاني هربرت جورج ويلز وسيلة للسفر إلى القمر بإلغاء تأثير جاذبية الأرض على المسافر. لكن يبدو أن علماء قرننا الواحد والعشرين جادون في تحويل الحلم إلى واقع... ولو في الأفق.

بمجرد ضربة من الكعبين على الأرض نتغلب على الجاذبية, ننطلق كالطلقة إلى حيث نشاء دون معاناة من الثقل والأوزان التي تربطنا بالمكان... هذا الحلم الموغل في التاريخ أكثر قدما من اكتشاف قانون نيوتن للجاذبية. ولقد تحققت خطوات مهمة نحو تحقيق هذا الحلم تتجسد الآن في الطائرات والأقمار الصناعية والقطارات المغناطيسية التي تنطلق بسرعة فائقة على وسائد هوائية. ولكن باستثناء ما تخيله إتش.جي.ويلز للسفر إلى القمر, لم تتحقق حال واحدة تم خلالها إلغاء الجاذبية بشكل قابل للتطبيق العملي. وكل ما هنالك أنه يتم استخدام قوى أخرى للتغلب بفعالية على الجاذبية. وحتى في حال رفع القطارات مغناطيسيا لا يمثل ذلك مضادا للجاذبية بقدر ما يمثل استخدام القوة المغناطيسية بواسطة مادة فائقة التوصيل لإعاقة قوة الجاذبية.

وتبدو الجاذبية في الحال الواقعية في الطبيعة قوة يصعب إلغاؤها. وتعتبر الجاذبية إحدى القوى الأربع الأساسية في الطبيعة (والقوى الثلاث الأخرى هي القوى الكهرومغناطيسية, القوى النووية الضعيفة والقوى النووية الشديدة). إنها قوة (مستقلة), لأنها مرتبطة تماما ببنية المادة نفسها وبالمكان - الزمان.

بدأت الرحلة من برج بيزا

وكما تؤثر القوة الكهرومغناطيسية في الشحنة الكهربائية, تؤثر الجاذبية في الكتلة. لذلك فإن الكتلة, التي تمثل جوهر المادة نفسها وتحدد قصورها الذاتي, تقاوم الحركة. وتم وصف هذه القاعدة المزدوجة للكتلة, مرة بأنها (ذات قصور ذاتي) وأخرى (ذات جاذبية) بواسطة التجربة الشهيرة لجاليليو: من قمة برج بيزا, تسقط كرة خشبية بنفس تسارع (معدل تغير السرعة مع الزمن) كرة من الرصاص. لكن التكافؤ بين القصور الذاتي للكتلة وجاذبية الكتلة كان نقطة انطلاق نظرية النسبية العامة لأينشتين, التي تعتبر النظرية الحديثة للجاذبية.

والمعنى العميق للنسبية العامة يوضح أن الجاذبية ليست قوة: إنها هندسة, إنها بالضبط تقوس المكان - الزمان, حيث يتكيّف ويتشكّل تبعا للكتل التي يحتوي عليها. ويعني إبطال مجال الجاذبية في مكان ما إلغاء الكتلة, ومن ثم المادة والمكان - الزمان معا. والأقل تكلفة في هذه الحال التمتع بركوب المصعد.

ومع ذلك فإن فكرة إلغاء - أو إعاقة - مجال الجاذبية تم أخيرا التصدي لها, بجديّة أقل أو أكثر. فمنذ ست سنوات, أعلنت جريدة بريطانية اكتشاف مضاد الجاذبية بواسطة عالم طبيعة روسي هو إيفيجيني بود كليتروف. وقال العالم الروسي إنه قاس نقصانا مقداره اثنان في المائة من وزن قرص فائق التوصل تم وضعه في حال دوران في مجال مغناطيسي. هل نجحنا أخيرا في التوصل إلى مضاد للجاذبية? لسوء الحظ لم يتم الحصول مرة أخرى على هذا النقص الغامض في الوزن, ولا بواسطة وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا), التي تابعت في ذلك الوقت إجراء تجارب عدة في هذا المجال.

كان قد تم الإعلان قبل ذلك بعشر سنوات في 1986, عن (اكتشاف) آخر أصبح أحدوثة الساعة في حينها: اكتشاف (القوة الخامسة). لم تكن في الواقع قوة مضادة للجاذبية, ولكن قوة رئيسية جديدة مزعومة مناقضة للجاذبية. وخلال إعادة فحص التجارب القديمة للبارون المجري إيوتوفوس, بهدف التحقق من قاعدة التكافؤ بين جاذبية الكتلة وقصورها الذاتي (وهي أنواع معقدة من تجربة جاليليو) اعتقد عالم الفيزياء الأمريكي إبرايم فيشباخ أنه توصل إلى فارق بالغ الصغر. وبشكل عام, يعني ذلك أن تسارع (أي معدل تغير السرعة مع الزمن) الأجسام يعتمد قليلا جدا على طبيعتها. من هنا يمكن إضافة قوة خامسة إلى الجاذبية, ذات كثافة ضعيفة جدا, لا تؤثر في الكتلة ولكن على ثابت ما (أي كمية محددة تتوقف عليها دالة من المتغيرات المستقلة) يتوقف على تركيب الجسم. وهنا أيضا, واجه الإخفاق التجارب العديدة التي حاولت الحصول مرة أخرى على تلك النتائج, ولم تكشف عن وجود أي قوة خلف الجاذبية.

مدخل كهربائي للطيران بحرية

كان الدكتور بول بيفيلد عالم الفيزياء والكونيات في جامعة دينيسن في جرانفيل في أوهايو, قد لاحظ في 1923 ظاهرة تتعلق بالحركة في مكثف كهربائي عند شحنه.

وكانت هذه الملاحظة البداية الفعلية لما أطلق عليه بعد ذلك تأثير بيفيلد - براون.

وبعد جهود لتوماس براون استمرت خلال السنوات الثلاثين الأخيرة, أصبح في متناول العلماء أول جهاز مضاد للجاذبية.

وحيث يعتبر اكتشاف القوانين التي تجمع بين الكهرباء والمغناطيسية وراء كثير من أوجه الرفاهية التقنية الشائعة في عصرنا الراهن, فإن اكتشاف العلاقة بين الكهرباء والجاذبية تعد بتطبيقات مهمة في مجالات كثيرة, رغم أنها مازالت في مرحلة الأبحاث النظرية.

ويرى براون وجود رابطة بين الكهرباء والجاذبية بناء على تأثير بيفيلد - براون, الذي تتم ملاحظته في المكثف الكهربائي الذي يمتص الطاقة الكهربائية كجهد مرن. ويوضح تأثير بيفيلد - براون أن المكثف الكهربائي يتحرك تجاه قطبه الموجب حتى يتم تفريغ شحنته فيعود إلى موضعه الأصلي. وصمم براون مكثفا كهربائيا وصلت سرعة حركته إلى 17 قدما في الثانية (نحو 8ر11 ميل في الساعة) في مختبرات براون في فرنسا.

وانتعشت بعد ذلك التجارب حول تأثير بيفيلد - براون, حيث سُمح لمكثف بحرية الحركة في كل الاتجاهات الممكنة, ما عدا - بالطبع - الحركة إلى أسفل. وعند شحن المكثف بالتيار الكهربائي اللازم فإنه يتأرجح من موضعه الرأسي غير المشحون إلى موضع زاٍو بعد شحنه ويبقى هناك, ليثبت بوضوح إمكان (إلغاء الجاذبية). وتم إجراء تجربة أخرى باستخدام رافعة على أحد طرفيها المكثف وعلى الطرف الآخر أوزان للمحافظة على الوضع الأفقي للرافعة, وعند شحن المكثف ارتفع إلى أعلى.

وتوضح مثل هذه التجارب وجود علاقة محددة بين الكهرباء والجاذبية, وأن تلك العلاقة تعد بتطبيقات علمية مستقبلية, خاصة عند تطبيقها في مجال صناعة الطائرات والمركبات الفضائية.

ولم يتم فقد الأمل نهائيا في إمكان إلغاء الجاذبية, حيث إن نظرية النسبية العامة ليست بالتأكيد النظرية النهائية للجاذبية. وهي في الواقع متعارضة مع الفيزياء الكمية, الركيزة الأساسية العظيمة الأخرى لعلم الطبيعة, والتي توجد فيها القوى الثلاث الأخرى الأساسية. وحيث إنه لا يمكن التعرف على الجاذبية على مقياس الجسيمات, فلا يوجد ما يحول دون تضمينها داخل هذه النظرية, وليس هناك ما يمنع تصوّر وجود مضاد للجاذبية على هذا المقياس, وهناك شيء مؤكد هو: حيث إن معدلات الجاذبية تم التحقق منها على المقياس بالغ الصغر, سيكون من المحتم أن هذه القوة (المضادة للجاذبية), إذا وجدت, لن تكون ملموسة في الحياة اليومية المحيطة بنا. فهل يمكن (تنشيط) هذه القوة لتصميم ستائر مضادة للجاذبية تتيح لنا امتطاءها عبر العالم? في انتظار اكتشاف الجاذبية الكمية, التي تتنبأ بوجود مضاد للجاذبية, وفي انتظار الوصول إلى تكبير هذه القوة واستخدامها, يظل الحل الأمثل ركوب الطائرة

 

عزت عامر







رغم هيمنته على جسده المثير للإعجاب, لم يتمكن هذا الناسك في معبد شولين في الصين من التغلب على الجاذبية.





القوة الكهرومغناطيسية تؤثر بين نواة الذرة والإلكترونات