رضوان الكاشف... وسينما البحث عن البهجة

رضوان الكاشف... وسينما البحث عن البهجة

لايزال الموت قادراً على الإدهاش, ولاتزال في المسبحة لآلئ كثيرة تنتظر السقوط تاركة مكانها فراغاً لا يملؤه سوى شعاع النور الذي عكسته على الدنيا قولاً وفعلاً.

هاهو رضوان الكاشف أحد لآلئ السينما المصرية والعربية يختطفه الموت فجأة دون سابق إنذار له أو لنا. يختطفه وهو لا يكاد يفرح بتحقق أولى خطوات حلمه السينمائي القديم, وبانتصار وجهة نظره عن الفن والفنان والمتلقي, وبأنه لن يصح إلا الصحيح. وبأن السينما فن الناس, بالناس وللناس, إن الأمور ستعود إلى سيرتها الطبيعية حيث الفن الجميل وحيث السينما لغة تخاطب وأداة كشف ووسيلة إمتاع راق.

لم يكن رضوان حالماً مثالياً بالمستحيل أو غارقاً في بحر أوهام التغيير بالمصادفة, لكنه كان مدركاً أن الدرب تعتريه صعوبات كثيرة, ولأن الأمر يحتاج إلى جهد وصبر وقدرة هائلة على المقاومة. لذلك كله أخرج رضوان الكاشف عبر مسيرته - غير القصيرة نسبياً - ثلاثة أفلام روائية فقط, سبقتها ثلاثة تسجيلية وآخر روائي قصير. ثلاثة أفلام فقط طوال سبعة عشر عاما (منذ تخرجه في عام 1984 إلى 2001 عام إخراجه لفيلمه الساحر) أمر قد يثير الدهشة لو أن السياق الثقافي والفني طبيعي, لكن في ظل ما نحياه من انقلاب وتخبط وعدم اتساق, يكون الأمر أقرب إلى الطبيعي, بل ربما يدعو للفخر أن يستطيع سينمائي شاب - بمفرده - فرض نفسه وأفلامه الثلاثة على سوق سينمائي ما عادت تعترف إلا بكل ما هو تافه ورديء!!

والمتتبع لأفلام رضــــوان الكاشـــف الثلاثة: (ليه يا بنفسج - 1992) و(عرق البلح - 1997) و(الساحر -2001) ومن قبلها فيلم تخرجه, الروائي القصير, (الجنوبية). 1984, سيكتشف أن الكاشف كان مشغولاً بهم وحيد, ينحصر في البحث عن تلك المعوقات الاجتماعية التي تقف حجر عثرة كبيراً أمام تطور مجتمعه, أو بتلك (الأطواق والأساور) التي تكبل حركة المجتمع وتمنعه من النهوض, حسب تعبير عنوان رواية الكاتب الراحل يحيى الطاهر عبدالله والتي استوحاها مخرج آخر من الجيل السابق لجيل رضوان هو خيري بشارة في فيلمه الذي حمل عنوان الرواية نفسه (الطوق والأسورة).

مَن يحمل الحقيقة?

في (الجنوبية) استلهم رضوان الكاشف خيوط القصة التقليدية عن فتاة حرة تنضح بالجمال والأنوثة ترفض تقاليد المجتمع الجاثمة فوق صدور أبنائه تجبرهم على فعل ما لا يرغبون. وهاهي تجبر على الزواج ممن تكره وتمارس (المحرم) مع مَن تحب, فيكون (القتل) هو العقاب الوحيد المنطقي حيث (الشــرف) لا يعادله سوى (الموت)?!

تقليدية الحدوتة لم تمنع رضوان, الشاب المتمرّد على تقاليد مجتمعه وسينماه, من أن يصنع منها فيلماً جذاباً, أهم ما يميزه تلك الطريقة المتفرّدة في السرد, والتي استوحاها رضوان من كتابات أدبية ظهرت في الستينيات, حيث تقوم الحكاية على تعدد الرواة ومن ثم تعدد وجهات النظر فيها وفي أحداثها, ليصبح المتلقي - قارئا أو مشاهدا - مشاركاً حقيقياً في صنع تفاصيل الرواية أو الفيلم.

وهو أسلوب يعلن به رضوان, منذ فيلمه الأول, والذي سيتطور بعد ذلك في (عرق البلح) رفضه التام لما يمكن أن نسمّيه بالحقيقة المطلقة. فليس هناك ما يسمى بالراوي حامل الحقيقة الوحيد. ولكن هناك رواة, قد تختلف نظرتهم أو شهاداتهم, تتكامل أو تتقاطع, لكن لا يدعي أحد منهم - بمن فيهم صانع الفيلم - أنه وحده الذي يحمل الحقيقة الكاملة.

البطل وأقرانه

وإذا كان هذا الأسلوب قد استوحاه رضوان من كتابات أدبية ستينية, كما أشرنا, إلا أنه من الإنصاف الإشارة إلى جذوره الأعمق والأشد دلالة, والتي سنجدها في الحكي الشفاهي لحواديت الجدات, والتي تبدأ عادة بـ(كان يا ما كان) ولا تنتهي أبدا بحقيقة مؤكدة أو بحادثة بعينها. وفي (الجنوبية) - كما (عرق البلح) فيما بعد - يتأكد هذا الشكل, شكل الحكاية القديمة.

فها هو الشاب المتعلم المثقف العائد إلى قريته في زيارة لأهله, يحمل الكاميرا ليسجل حكاياتهم أو ليرى - هو ومن يمثلهم - تلك الحكايات بعيون أصحابها أو شهودها الحقيقيين. وفكرة أن يكون المستمع للحكاية أو المسجل لها, مثقفا, هي فكرة تحقق هدفين في وقت واحد. الأول درامي, بمعنى أنه سيجيب عن سؤال فحواه: (ما مبرر إعادة سرد تلك الحكاية والنبش في جذورها الآن?). وتأتي الإجابة منطقية محققة للاتساق الدرامي: (... لأن السائل أو المستمع أو المسجل للحكاية غريب عنها, وبالتالي فمن المبرر أن تعاد روايتها مرة أخرى). أما الهدف الآخر, فهو ثقافي اجتماعي - إن جاز الوصف - حيث يضع رضوان المشكلة في مواجهة أولئك الذين سيشاهدون فيلمه, فهو يعلم جيدا أن أبطال فيلمه ومن هم على شاكلتهم لن يشاهدوه, وإنما سيشاهده أقران بطله (المثقف).

وبالتالي فهو متوجه بالأساس لهذا المتلقي الذي يعرض عليه مشكلة القرية متضمنة مشكلته هو كمثقف مبتعد عن الواقع الحقيقي, متعال على مشاكله اليومية التي يراها إما تافهة لا تستأهل الالتفات. أو أنه لا يراها على الإطلاق, فيظل وللأبد بعيداً عن أولئك الذين يتحدث عنهم ليل نهار.

كاميرا رضوان

ومنذ هذا الفيلم - الأول - ينسج رضوان خيوط أسلوبه السينمائي الذي يستمر عليه في أفلامه الثلاثة التالية. وهو الأسلوب الذي لا يقف فقط عند ذلك الشكل الفريد في السرد, ولكن أيضا فيما يتعلق بموقف الكاميرا من الأحداث. فرضوان ومن خلال زوايا الكاميرا التي يختارها ودرجة الابتعاد أو الاقتراب من الشخصية أو المنظر يدفع متلقيه دفعا للمشاركة في أحداث فيلمه. فالمتلقي عند رضوان لا يتلصص على أحداث تدور أمامه, ولكنه يشاهد ويشارك في أحداث تعنيه وتهمه وإن كانت تدور في أجواء بعيدة زمانياً ومكانياً عنه. فعين الكاميرا هي عينك, درجة ابتعادها أو اقترابها, هي نفس الدرجة التي تمني نفسك أن تقف عندها لترى بدقة أكثر أو بدرجة أعلى من التأمل.

والتأمل هو التعبير الأوفق لحركة الكاميرا عند رضوان, فهو لا يعرض عليك حكاية يستهدف أن تعرف تفاصيلها كيف بدأت وإلى ماذا انتهت, ولكنه يدعوك إلى تأمل هذه التفاصيل, ففي التفاصيل تكمن الحقائق, لذلك فإن نظرة عين أو ضربة قدم أو وقوف بشموخ أمام منزل يصنع مع القمر خلفية ما, أمور يحسب لها رضوان ألف حساب, بحيث يدعوك - كمشارك - إلى لملمة التفاصيل وصنع لوحة مكتملة العناصر يكون فيها الحوار المنطوق هو العنصر الأقل وجودا في هذه (اللوحة).

هكذا تبدأ الحكايات

وهاهو فيلمه (عرق البلح - 1997) يأتي خطوة متقدمة على درب (الجنوبية), حيث العودة إلى شخصية المثقف العائد إلى قريته يسمع من الجدة والحفيدة بداية الحكاية التي سنراها معه مجسّدة على الشاشة. وعلى طريقة حكايات الجدات يأتي الحوار بين الشاب والجدة وحفيدتها باللغة العربية الفصحى, لتنقطع مع بدايات مشاهد تجسيد الحكاية وتتحول إلى اللهجة العامية. ليس في الأمر أي تناقض, بل على العكس, اتساق تام مع الأسلوب المختار. فحكايات الجدات تبدأ دوما باللغة العربية الفصحى, وإن كان لا يجدن التحدث بها, ولنتذكر معا بدايات أي (حدوتة) والتي تقول: (كان ياما كان.. في سالف العصر والأوان)... هكذا تبدأ الحكايات, وهكذا بدأ فيلم (عرق البلح), وهكذا يعلن رضوان لمتلقيه, منذ مشاهده الأولى, أنه لن يقص عليه حدوتة درامية تبدأ بداية منطقية وتنتهي نهاية منطقية, ولكنه سيعرض عليه تفاصيل حكاية قديمة شهدتها الجدة, بكل ما تعنيه من خبرة وخيال وقدرة على استيعاب وحفظ التفاصيل, لتكون مُعيناً على فهم واقع مكبّل بأطواق وأساور كثيرة أهمها هي تفاصيل تلك الحكاية.

إذن فاختيار رضوان للشاب العائد كمفتتح للفيلم هو اختيار يؤكد طريقته التي بدأها في (الجنوبية) من ناحية, ويؤكد, من ناحية أخرى, إيمانه بأن المشكلة تكمن في ذلك الانفصال بين المثقف والواقع, وأن حل هذه المعضلة يكمن في ضرورة الدخول في جدل بينهما, على المثقف أن يبدأه باعتباره الأقدر عليه. على المثقف أن يعود ليفهم ويتعلم ويصبح بعدها ممتلكا لأدوات التغيير المناسبة. لكن عليه أولاً أن يتعرّى من غروره وتعاليه وإحساسه بأنه الأقدر والأفهم!

فيلم (عرق البلح), وكما وصفه الناقد المتميز أحمد يوسف في مقال له عن سينما رضوان الكاشف بعنوان (شجرة رضوان) هو: (... تجربة سينمائية شديدة التفرّد تقف جنبا إلى جنب مع فيلم شادي عبدالسلام (المومياء)...) وكان أحمد يوسف واعياً بالسياق السينمائي والاجتماعي الذي ظهر فيه الفيلم حينما قال: (.... وفي سياق ثقافي وسينمائي مختلف كان فيلم (عرق البلح) سيحتل مكانته ومكانه اللائقين به).

وكما أشرنا, فإن (عرق البلح) هو غزل جديد أشد تعقيداً وجمالاً للخيط الذي بدأه رضوان في (الجنوبية) وهو أيضا بحث عن الذات في ظل حالة من الاضطراب والفوضى سادت المجتمع ككل وباتت معها أسئلة من نوع (مَن نحن?!) و(ماذا حل بنا?), أسئلة حتمية وبداية لا مناص منها على طريق التغيير الذي يستهدفه أي مثقف عضوي يرتبط بهذا الواقع ويسعى لأن يكون أفضل.

الواقعية السحرية

في (عرق البلح) تتبادل أدوار أبطال حكاية (الجنوبية) الرئيسيين. فإذا كان (الجنويبة) يبحث في أسباب مقتل أجمل فتيات القرية. ففي (عرق البلح) تصبح (هي) ذلك الفتى الرافض للخروج مع كل الرجال الخارجين بحثا عن عمل خارج قريته إيماناً منه بضرورة البقاء والحصول على البلح (الأبيض) الذي سيصنع منه عرقاً يظنه (الإكسير) الذي سيعيد لجده القعيد الصامت حيوية فقدها وفقدت معه القرية بأكملها حيويتها وقدرتها على الفعل والمقاومة.

الفانتازيا الساخرة لمشهد الدعوة للخروج, حيث العربة الكبيرة والرجال ذوو الملابس والأقنعة الغريبة والصوت مجهول المصدر, هي فانتازيا تتسق وغرائبية أي حكاية قديمة ترويها الجدات, وتشير من جانب آخر إلى غرابة هؤلاء البشر الداعين رجال القرية إلى الهجرة للخارج وكأنهم كائنات هبطت عليهم من عالم آخر, في إشارة خفية إلى الهدف الذي يستهدفه كل الداعين إلى خروج رجال المجتمعات النامية بحثا عن وسائل تحقيق أحلام فردية خاصة ستنتهي حتما إلى سراب ومن بعده خراب!

عودة الرجال يجرون أذيال الخيبة, تدفعهم إلى البحث عن سبب يسقطون عليه عجزهم, ولا يجدون إلا ذلك الفتى الذي بقي رجلاً وحيداً يحمي القرية ونساءها وينجح في الحصول على عرق البلح (الإكسير). لكن الرجال لن يقبلوا هزيمة داخلية بعد هزائمهم الخارجية, فيسقطون عليه هزيمتهم الكبرى ويحملونه أوزارها ويحكمون عليه - في خدعة دنيئة - بالصعود مرة أخرى إلى النخلة العالية ليثبت لهم أنه قادر على الحصول على البلح الأبيض.

وحينما يصل إلى قمتها, في مشهد جليل, وكأنه المسيح يصعد مختاراً إلى صليبه, يشتركون جميعاً في ضرب جذورها بالفئوس لتنهار النخلة - مانحة الحياة - ويسقط معها الفتى مقتولاً بأيدي من حاول الحفاظ لهم على ما يملكون حتى يعودوا!

فانتازية المشاهد وتداخل أحداثها بين ما هو واقعي وما هو خيالي إلى جانب لغة الحوار الشاعرية تغلف الفيلم بهالة ساحرية جعلت بعض النقاد يصفون الفيلم وأسلوبه بتعبير أدبي سبق أن أطلق على كتابات أمريكا اللاتينية ممثلة في أبرز كتّابها (جابرييل جارثيا ماركيز), وهو تعبير (الواقعية السحرية). فمن الصعب أن نصف فيلم رضوان بـ(الواقعية) ومن الصعب أيضا أن نصفه بــ(الفانتازيا), فتكون (الواقعية السحرية) هي التعبير السحري الأوفق في وصف ما صنعه رضوان بجمال وجلال يؤكدان حكم أحمد يوسف في وضعه إلى جوار رائعة شادي عبدالسلام (المومياء).

البهجة رغم الحزن

وإذا كان (عرق البلح) هو امتدادا - بشكل أو بآخر - لفيلمه القصير (الجنوبية) فإن فيلمه الروائي الأول (ليه يا بنفسج) كان المفتتح لتعرف الجمهور الأوسع على رضوان الكاشف مخرجا, ولاحترام النقاد لهذا المخرج الجديد الذي أثبت مع فيلمه الأول أنه إضافة إلى تيار السينما المصرية الجادّة الممتد منذ سنوات طويلة والذي تأكد مع جيل أسبق مثّله محمد خان, وعاطف الطيب, وخيري بشارة, وداود عبدالسيد. وشارك فيه رضوان جادون آخرون من أمثال مجدي أحمد علي, ويسري نصر الله, ومحمد كامل القليوبي, وغيرهم.

(ليه يا بنفسج) عنوان يثير في الأذهان أغنية صالح عبدالحي التي كتبها بيرم التونسي ولحّنها رياض السنباطي والتي تقول كلماتها (ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين).

إذن فالبحث عن البهجة وسط الحزن, أو البهجة رغم الحزن, هو مشروع رضوان الأول, وهو أيضا ما سيحاوله في آخر أفلامه (الساحر) الذي كان اسمه الأصلي (نظرية البهجة) وانزوى ليكون عنواناً ثانوياً تحت ضغوط تجارية!

في (ليه يا بنفسج) يتحدث رضوان عن الناس الحقيقيين, عن أولئك الذين همّشتهم ضغوط الحياة وصعود طبقات طفيلية على أكتافهم واندلاع صراعات أقرب إلى صراعات الغابات الأولى, للدرجة التي جعلتهم ينزوون في حارات ضيقة, ويغرقون في محاولات البحث عن وسائل تحقق أحلامهم البسيطة في الخروج من أسر هذا الواقع الكئيب بمحاولات ابتهاج صغيرة, أو حسب تعبير عنوان فيلم داود عبدالسيد الملائم (سارق الفرح) يسرقون لحظات فرح يزيّنون بها أيامهم الحزينة!

في الفيلم يحصر رضوان أبطاله داخل حاراتهم الضيقة التي يسعى كل منهم للخروج منها إلى عالم قصد رضوان أن يبقيه غائباً إلا فيما ندر من لقطات, ليؤكد على إحساس هؤلاء ورغبتهم في الخروج إلى حيث الأجمل والأرحب, لكنهم لا ينجحون في الخروج, ومن خرج منهم خرج بجراح دامية.

وكان رضوان يقول - كما عاد وقاله في (عرق البلح) - إن الحل ليس في الخروج ولكن في الدخول, أو بالأحرى في البقاء والمقاومة والعمل على تغيير الواقع من داخله.

مقاومة أبطال رضوان في فيلميه (ليه يا بنفسج) و(عرق البلح), هي انعكاس لمقاومته وأقرانه في الواقع من أجل صنع سينما جديدة مختلفة, جماهيرية رغم أنها جادة. وعلى الرغم من نجاحهم في صنع هذه الأفلام (الأحلام) فإن المسيطرين على تجارة السينما الجدد لا يتركون لهم هذه الفرصة كثيراً. بل يسعون إلى إحباط تجاربهم, إما برفض الإنتاج, أو بسحب الأفلام من دور العرض بعد أيام قليلة قبيل أن تثبت صحة نظريتهم في إمكان صنع أفلام جادّة ومربحة.

المنطقة الوسطى

ووسط هذا الواقع الذي يزداد تردياً يوماً بعد يوم سواء بإخفاء وقتل كل ما هو جاد ونفيه, أو بإعلاء كل ما هو تافه ومزيف والاحتفاء به, لم يكن غريبا أن يأتي فيلم رضوان الأخير (الساحر) أو (نظرية البهجة) - سابقا - يتأرجح بين محاولة الاستمرار على درب بدأ بـ (الجنوبية) وتأكد بـ(ليه يا بنفسج) ثم بـ(عرق البلح) وبين أن يكون قادراً على الوقوف أمام تيار التفاهة الكاسح بالتخفيف من صرامة الطرح وجدية البحث السينمائي, ليقف في المنطقة الوسطـــى بين ما يريدون وما يريد هو كصانع لأفلام ذات مغزى وهدف.

ولأن محاولات التوفيق لا تنجح عادة جاء (الساحر) لا يعبر عن خـــط رضـــوان الأصيل, كمـــا لا يعبر أيضا عن خط التجار الجدد, فيسقط في مكانه مصيبا رضوان في مقتل ويتوقف قلبه عن الخفقان فجأة قبيل سويعات من سفره للبحث عن فرصة توزيع الفيلم خارج مصر لعله يحقق ما لم يستطعه داخلها!!

ويسقط رضوان شهيد البحث عن البهجة الجادة في زمن سخر ويسخر من كل بحث جاد عن سبل حياة أفضل وأجمل.

رحيل رضوان يضيف إلى أسئلته (مَن نحن وماذا حل بنا?) سؤال (وإلى أين نمضي?!). فإذا كان رضوان - رغم كل معاناته - قد نجح في صنع أفلام ثلاثة ستقف - بدرجاتها - إلى جانب أفلام مصرية وعربية أخرى يشار إليها في تاريخ السينما, فالسؤال الآن: هل مازالت الفرصة متاحة أمام الحالمين الجدد باستكمال هذا المشروع السينمائي الجاد?! هذا ما نتمناه وإن كنا لا نثق كثيراً في إمكان تحققه!!

 

محمد الروبي







لقطة من فيلم ليه يابنفسج





لقطة من فيلم الساحر





رضوان الكاشف