سطوة الوسواس القهري

سطوة الوسواس القهري

قرأت في مجلة (العربي) بعددها رقم (516) الصادر في شهر نوفمبر (2001) موضوعا مهما, قدمه لنا د.محمد قاسم عبدالله عن الوسواس القهري فكر وفعل.

ونود في حديثنا هذا أن نوضح إتماماً لما قدمه المقال, بعض المعلومات عن الوسواس القهري.

يعتبر اضطراب الوسواس القهري من اضطرابات القلق, والخاصية المميزة لهذا الاضطراب أنه يقود المريض دون وعي ودون إرادة فعلية للتفكير في أشياء معينة (وساوس), أو ممارسة سلوكيات قهرية المرة تلو الأخرى في محاولة منه لتخفيف وطأة الاضطراب. وقد تكون الأعراض شديدة بدرجة كافية مسببة ألماً نفسياً من جهة وتستهلك وقت الفرد وتشوش النظام المعتاد له وتؤثر على أدائه الوظيفي وعلاقاته الاجتماعية من جهة أخرى, وهذا ما يعبر عنه معظم المرضى حيث تستحوذ على أذهانهم أفكار غريبة لا يمكنهم التخلص منها وتجبرهم على تصرف ما لا يمكنهم مقاومته.

يبدأ هذا الاضطراب في مرحلة المراهقة أو الرشد المبكر, وأحيانا يبدأ منذ نعومة الأظفار أي في مرحلة الطفولة, وفي دراسة على خمس مدن أمريكية تراوحت نسبة المصابين به بين 1.9 - 3.3% من مجموع السكان, وغالباً ما يصيب الرجال في سن مبكرة عن النـــساء حــيث يصـــيب الذكــور بين (6 - 15) سنة والإناث بين (20 - 29) سنة.

ولا تتوقف آثار الاضطراب على المريض فحسب ولكنه يؤثر أيضاً على المحيطين به وخاصة الجو الأسري فيما إذا كان أفراده يجدون صعوبة في تجنب الاضطراب, وخاصة إذا كان المريض هو الأب أو الأم.

الأسباب الكامنة

تعددت وجهات النظر التي حاولت تفسير العوامل الكامنة وراء الوسواس القهري ومن أهم وجهات النظر:

1 - العوامل البيولوجية: تحدث ماكيون وموراي عن الميل العصابي neurotic tendency الذي ينتقل بين أسر مرضى الوساوس القهرية وتأتي الأدلة الوراثية على هذا الاضطراب من فحص معدل الاضطراب بين التوائم حيث تبين أن معدل الاتساق منخفض بين التوائم المتماثلة وهذا ما يوضح أن التأهب للاضطراب يتم التعبير عنه تحت وطأة أحداث الحياة بطرق متباينة.

وأوضحت إحدى الدراسات أن معدل اضطراب الوساوس القهرية بين أقارب الدرجة الأولى للمرضى الذين يعانون من أعراض توريث أعلى مما قدرت النسبة العامة لمجموع السكان وهذا إن دل على شيء فهو يدل على العلاقات السببية لدور الوراثة في هذا الاضطراب.

2 - العوامل السيكودينامية: أصحاب وجهة النظر السيكودينامية يرون أن مرض الوسواس القهري يحدث لدى نمط معين من الأشخاص أطلق عليهم فرويد الشخصية الشرجية (anal-erotic Personality) وما يميز هؤلاء الأشخاص ثلاث صفات: الترتيب أو المحافظة على النظام, البخل, العناد - وتنتج هذه الصفات كنتيجة للتثبيت عند المرحلة الشرجية التي تمتد بين الشهر الثامن عشر حتى منتصف السنة الرابعة. والدراسات التي أجريت على مرضى الوساوس القهرية أوضحت وجود هذه السمات الثلاث. ولكن أكثر الانتقادات لوجهة النظر هذه أنها فشلت في إيجاد علاج فعال لاضطراب الوسواس القهري المتسلط.
وسائل العلاج

ومنذ سنوات مضت كان من الصعب علاج مرضى الوسواس القهري بالرغم من استخدام وتجريب كل صور العلاج الجسمي والنفسي ولكن في السنوات الراهنة ثبت أن هناك طريقتين لهما فعاليتهما وثبت نجاحهما إلى حد كبير:

1 - العلاج المعرفي السلوكي: يعد التعريض exposure أو منع الاستجابة response prevention من الظهور هما أهم فنيات هذا العلاج وأكثرها فاعلية مع مرضى الوساوس القهرية وخاصة مع سلوك النظافة القهري (غسل الأيدي) وتتم هذه العملية في أربع خطوات:

1 - تحديد الأشياء والأنشطة التي تدفع المريض لغسل يديه.

2 - تقديم شرح كامل للفنية العلاجية والمنطق الذي تعتمده.

3 - تشجيع المريض على لمس الأشياء أو ممارسة السلوك الذي يثير لديه الرغبة في غسل الأيدي.

4 - بعد لمس المريض للشيء الذي يشعره بعدم الراحة يتم حثه للإحجام أو الامتناع عن غسل يديه.

ويحقق هذا الأسلوب العلاجي عدة أهداف منها: كسر حلقة التدعيم السلبي الذي يحدثه السلوك القهري على المريض, وإخماد القلق الناشئ عن لمس الشيء الملوث, وتنمية فاعلية الذات لدى المريض لمواجهة هذا النوع من المواقف.

وأظهر حوالي 65 - 75% من مرضى الوساوس القهرية تحسناً ملحوظاً باستخدام العلاج المعرفي, واتضح ذلك خلال المتابعة الدقيقة لمدة عامين بعد توقف العلاج, وطرأ التحسن على كل النواحي الوظيفية والاجتماعية والمهنية.

2 - العلاج الدوائي: ثلاثة أنواع من العقاقير ذات فاعلية في معالجة الوسواس القهري, ومن شأن هذه العقاقير أن تزيد من إفراز هرمون السيروتونين العصبي في المخ. وأفضلها على الإطلاق هو الكلومبرامين (clompramine), فحوالي ثلثي المرضى الذين تم علاجهم وفق هذا العقار أظهروا تحسناً دائماً وتحرروا من وساوسهم وسلوكهم القهري. أما العقاران الآخران هما الفلوكستين (fluoxetine), والفلوفوكسمين (fluvoxamine), والسلبية الوحيدة للعلاج اعتماداً على الدواء انتكاسة المرضى في حالة التوقف عن تعاطي الدواء. ومن الأنسب الدمج بين أسلوبي العلاج أي السلوكي المعرفي والدوائي لأن ذلك يسهم بشكل أو بآخر في الحفاظ على آثار العلاج الدوائي.

محاضر في كلية التربية - جامعة دمشق

 

آذار عبد اللطيف