رحلة الطموح.. والمعاناة

رحلة الطموح.. والمعاناة

عندما كرمت بإطلاق لقب (فنان الشعب) علي.. ظننت أنني يجب أن أخلد إلى الراحة, وأكتفي بما قدمت للفن على مدى سنين طويلة, ولكني وجدت نفسي في اليوم التالي أبحث عن كلمات أغنية شعبية جديدة أقدمها لجمهوري.

وعندما كرمت أواخر القرن العشرين بذهبية مهرجان الأغنية السورية في حلب, انتابني الشعور نفسه, ولكني وجدت نفسي أتوجه في اليوم التالي إلى مبنى الإذاعة لأتابع عملي كمخرج إذاعي.

وهكذا أيقنت أن الفنان لا يتقاعد.. بل يظل في حالة عطاء دائم مادام قادرا على ذلك.

وعلى الرغم من مرور أكثر من ستة عقود وأنا أمارس الغناء ثم التمثيل ثم الإخراج, لم أفكر يوماً بكتابة مذكراتي علماً أن أصدقائي وزملائي كانوا يلحون عليّ لكتابتها وإصدارها في كتاب كي يطلع الجيل الجديد من الفنانين على أنموذج من تجارب الجيل المخضرم الذي سبقهم والمعاناة التي كان يعيشها هذا الجيل وهو ينحت في صخر, ويلقى صنوف التعنت والاضطهاد من الأهل ومن المجتمع في سبيل إرساء دعائم الحياة الفنية التي أصبحت مزدهرة هذه الأيام, وهكذا صدرت مذكراتي عام 1998 في كتاب يحمل عنوان: (ثمن الحب.. من السيرة الذاتية) بالتعاون مع الكاتب وفيق يوسف وبرعاية من وزارة الإعلام في سوريا.

واليوم, وأنا أتلقى دعوة كريمة من مجلة (العربي) الغراء للمشاركة في ركن (مرفأ الذاكرة), من خلال كتابة شهادة أو سيرة ذاتية ركبتني الحيرة ورحت أتساءل:

هل ألخص مذكراتي المنشورة في الكتاب لتلائم الحجم المخصص لنشر مثل هذا الموضوع? أم أصرف ذهني ونظري عن الكتاب وأحاول استعادة أهم محطات سيرتي الذاتية لتقديم ما يمكن تقديمه من حصاد هذه السنوات الطويلة من التعامل مع الفن?
وفضلت الخيار الثاني..

رحلة المعاناة الطويلة

لعل القاسم المشترك بين سيرة زملائي من الفنانين المخضرمين, الذين رحلوا عن دنيانا رحمهم الله, والذين لايزالون على قيد الحياة, أمد الله في أعمارهم أمثال عبداللطيف فتحي, وأحمد أيوب, وسعد الدين بقدونس, ومحمد علي عبده, وموسى العكرماوي, وصبري عياد, وأنور المرابط, وغيرهم.. الذين سبقوني في السن أو كانوا من جيلي, هو أنهم, جميعاً, عانوا مرّ المعاناة من المجتمع الذي كان يرى في الفن أمراً معيباً وغير مألوف, وخارجاً على تقاليد المجتمع, ومسيئاً لأسماء ومكانة الأسر العريقة والمحافظة ولكن (سوسة) الفن كانت تستهوينا ولهذا قد يجد القارئ في تفاصيل سيرتي التي أحاول أن أكثفها في هذا المقال حكاية مدهشة عن رحلة شاقة وطويلة, عاشها فنان خرج من القاع الاجتماعي, واتخذ قراره بأن يكون فنانا وحسب, في زمن لم يكن فيه المجتمع قد اعترف بالفن وبرسالته وبأهميته, ومن هنا كان علي أن أشق طريقي في أقسى ظرف ممكن وأن أواجه أياماً قاسية بعد أن لفظت العائلة هذا (الولد العاق).

حكومية ودينية

بالتوازي مع دراستي في المدرسة الحكومية الأميرية (كما كانت تسمى آنذاك) انتسبت إلى مدرسة دينية كان يديرها الشيخ شريف الخطيب, وكان هذا الشيخ قاسياً, حاد الطبع, عصبي المزاج, وكان إبريق الشاي الأخضر لا يغيب من أمامه طوال النهار, وكان كل أب لديه ولد متمرد ويريد تربيته أو (إصلاحه) يذهب به إلى ذلك الشيخ, الذي كان يتفنن في أساليب العقاب حتى أنه ابتدع ثلاثة أنواع من (الفلقة), كل نوع أشد من الآخر وأكثر قسوة.

وبالنسبة لنا, نحن التلاميذ الصغار كنا نرتجف أمامه هلعاً وخوفاً من مجرد سماعنا رنة (قبقاب) الشيخ وهو يقترب.
في هذه المدرسة تعلمت فروض الصلاة, وحفظ القرآن الكريم وتجويده, والتوحيد, وحسن الخط, وكان كل طفل ملزماً - حين يأتيه الدور - بأن يرفع الأذان وأن يؤم المصلين ظهراً وعصراً, وفيما بعد أدركت مقدار الخدمة الجليلة التي قدمتها لي تلك المدرسة الدينية, إذ تعلمت فيها - إضافة لكل ما سبق - سلامة نطق الأحرف, وصحة مخارج الألفاظ, ومد أحرف العلة, والجزر, والوقف الناقص, والوقف الكامل, والوقف الجائز غير الناقص, والوقف الجائز الناقص, والإدغام بغنة, والإدغام بلا غنة.

هذه الأشياء كلها شكلت ذخيرة مهمة لي في المستقبل, لقد حفظت ذلك كله وأنا طفل في الثامنة واستثمرته جيداً حينما عينت في المسرح القومي, في الستينيات.

وكنت أواصل سماع الأسطوانات وحفظ الأغاني, واستمرت هذه المرحلة حتى نلت الشهادة الابتدائية, وكان ميلي قد بدأ يتضح, فطلبت أمي من أخي الذي كان يهوى الأذكار وإحياء الموالد أن يأخذني معه, وقد حقق لي تلك الغاية المنشودة تماماً, ففي الحضرات كنت أقف مع المنشدين وأنشد معهم, فحفظت جميع الأناشيد والابتهالات الدينية, ووصلت إلى مرحلة كنت أقول فيها (الصولو) وكانت الابتهالات في الغالب جماعية, وأصبحت أملك حساً سماعياً جيداً, وخاصة بعد مشاركتي في الذكر والنوبة (أناشيد دينية تعتمد الإيقاعات الصاخبة).

وكان أبي واقفاً على كل ما يحدث معي, ولم يعارض توجهي نحو الإنشاد الديني ولكن حينما شببت أكثر وأردت العودة إلى المدرسة لاستكمال دراستي, لم أفلح.. كان أبي في حالة يرثى لها, وكنا في ذروة الحرب العالمية الثانية وفي ذروة الفقر أيضاً وقررت أن أترك المدرسة لأعين أبي, وقرر أبي أن أتعلم (صنعة) فاختار لي الخياطة ولم أنجح كخياط.

وانتهت الحرب ونالت سوريا استقلالها ولكن إثر الحرب بقي يتجسد في حالة العوز والفاقة فكان علي أن أضاعف جهودي في مساعدة العائلة.

غنيت في السابعة

فاتني أن أقول لكم أنني من مواليد عام 1930.. رأيت النور في حي البزورية, وهو حي شعبي داخل سور مدينة دمشق القديمة.. كانت عائلتي في فقر مدقع.. اثنا عشر شخصاً يعولهم رجل واحد هو أبي, وكان يعمل أجيراً لدى أبناء عمه في شركة النقليات التي يمتلكونها, أي أننا كنا من الفرع الفقير في عائلة (السبيعي) ومن حسن حظي أننا كنا نمتلك في البيت آلة فونوغراف, ومجموعة أسطوانات لمحمد عبدالوهاب وأم كلثوم ومطربين آخرين من تلك الفترة, وكنت أكتب وظائفي المدرسية على أنغام أسطوانات الفونوغراف, وحفظت جميع الأغاني التي كنت أستمع إليها فتطلب إلي أمي أن أغني لنساء الجيران, وكنت في السابعة من عمري.

إلى جانب هذا كنت أقف أمام مقهى (النوفرة) في دمشق القديمة أتابع قصص حكواتي المقهى.. عن عنترة وكليب والزير سالم. وكنت أنفق (خرجيتي) على حضور المسرحيات أو الأفلام السينمائية, وكانت دور العرض في بداياتها.

وكنت أتابع الأعراس والأفراح أستمع إلى المطربين وأحفظ أغانيهم, ثم أصبحت أنشد في (الحضرات) مع المنشدين. وقد تركت المدرسة مبكراً لأساهم في إعالة الأسرة الكبيرة والفقيرة.

النقلة الأولى

في أول الشباب, انخرطت في النوادي الكشفية لأمارس هوايتي في الغناء والعزف, ورحت أتنقل بين سهرات البيوت الشامية وألقي المنولوجات التي حفظتها من أفلام شكوكو,

وإسماعيل ياسين, ثم دخلت عالم الفن مع مجموعة من الهواة, حيث أنتجنا أول فيلم سينمائي. ورحت أتابع نشاط الفرق السورية واللبنانية في سينما النصر التي كانت الفرق تقدم فيها حفلاتها وأذكر من نجومها آنذاك عبداللطيف فتحي, وأحمد أيوب, ونجاح سلام, وفايزة أحمد, ومحمد سلمان, وشكوكو.
وطالت رحلة التشرد حتى عام 1948 حيث بدأت أعمل على المسرح في الفرق الأهلية لقاء ليرة سورية واحدة في اليوم.

خطيب في المظاهرات

في فترة اليفاع تلك, حرصت على المشاركة في جميع المظاهرات التي كانت تخرج إلى شوارع وساحات دمشق, تندد بالاحتلال الفرنسي, وتطالب بالاستقلال, وكان لي زميل اسمه بديع السيوفي (أصبح فيما بعد محامياً شهيراً) يكتب الخطابات الحماسية, وأقوم أنا بإلقائها, حيث كانت تلهب مشاعر الجماهير.

وفي عام 1951 تعرفت على الفنان عبداللطيف فتحي الذي كنا نعتبره (نجيب الريحاني سوريا), وعملت معه (ملقناً) في الفرقة, ثم انتقلت إلى التمثيل والتجوال مع الفرق الخاصة التي كانت تقوم بجولات في المحافظات وقد ساهمت آنذاك في تأسيس عدة فرق.

وهناك محطات أخرى مهمة في حياتي, منها بداية رحلتي مع إذاعة دمشق عام 1954 بتشجيع ورعاية من الفنان الشعبي الرائد حكمت محسن.

وفي عام 1960 تم تعييني مخرجاً إذاعياً بعد دورة تدريبية في القاهرة, وفي العام نفسه انتسبت إلى المسرح القومي الذي كان ضابط إيقاع الحركة المسرحية وعنوان ازدهارها وشاركت في معظم عروضه ومنها: الأخوة كارامازوف, لو رآنا الناس معاً, الاستثناء والقاعدة, أبطال بلدنا - الأشباح, مروحة الليدي وندرمير, وغيرها.

رحلة مع الغناء الشعبي

في النصف الأول من عقد الستينيات بدأت رحلة مع الغناء الشعبي الانتقادي الذي اشتهرت به من خلال برنامج (نهوند) التلفزيوني الذي أعده الفنان حكمت محسن, والذي عرفت فيه باسم (أبو صياح), وكانت البداية مع أغنية (حبك بقلبي دوم ساكن مطرحو) و(داعيكم أبو صياح معدل عالتمام) من تأليف وتلحين عدنان قريش.

أما أغنيتي الشهيرة (يا ولد لفلّك شال) فكانت الثالثة من تأليف وألحان شاكر بريخان, مما شجعني على متابعة العطاء في هذا النوع من الغناء فقدمت بعد ذلك (لا تدور عالمال) لشاكر بريخان, و(حبوباتي التلموذات, عمي الراوي, بالعربي الفصيح, شيش بيش) من ألحان سهيل عرفة, وأغنيات (الخنافس, الهوى رماك يا ناعم, صفّر صفّر يا بابور) من ألحان عدنان قريش, وأغنية (مالي فاضي) من ألحان سليم سروة, وأغنية (يا ست الدار) من ألحان عبدالفتاح سكر وأغنية (كل شيء فرنجي) من ألحان سعيد قطب, وأغنية (شرم برم كعب الفنجان) من ألحان جورج يزبك, حتى أصبح رصيدي مائة أغنية.

أما في السينما فقد شاركت في خمسة وأربعين فيلماً منها:
(سفر برلك, سفاري, الشمس في يوم غائم, أحلام المدينة, الليل), كما شاركت في عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية منها ثلاثة مع الفنان دريد لحام (مقالب غوار, حمام الهنا, وادي المسك).

حكواتي الإذاعة

أطلق علي أحد الصحفيين لقباً جديداً هو (حكواتي الإذاعة) فأنا مصنف كمخرج في إذاعة دمشق وقد أخرجت عدداً كبيراً من البرامج والمسلسلات والتمثيليات الإذاعية, ثم كانت نقلة أخرى إلى الإعداد والتقديم حيث فاجأت المستمعين ببرنامج أسبوعي جديد من إعدادي وإخراجي, أقدم في كل حلقة من حلقاته السيرة الفنية لعلم من أعلام الموسيقى والتلحين والغناء أمثال: (سيد درويش, أم كلثوم, محمد عبدالوهاب , رياض السنباطي, ليلى مراد, وديع الصافي, صباح فخري, نجاة , عبدالحليم حافظ... وآخرين..).

للوهلة الأولى تبدو فكرة البرنامج مستهلكة, أو على الأقل مكررة, ولكني انطلقت في برنامجي من فكرة أن هؤلاء الكبار لا يعيشون مع الناس بعد رحيلهم بتقديم أعمالهم الإبداعية فقط, بل لابدّ من أن يقدموا بإطار شامل من الدراسة والاستطلاع والتحقيق, فالذين هم شباب اليوم لم يكونوا قد ولدوا عندما رحل عن عالمنا المطرب والموسيقار فريد الأطرش مثلاً, ولهذا لابد من تقديم برنامج معلوماتي عن حياة هذا الفنان وغيره, لكي يعرف الجيل الجديد شيئاً عن تاريخ هؤلاء العمالقة الذين أعطوا الفن عطاءات كبيرة ومتميزة.

هذا هو منطلقي في برنامجي, وحتى يكون هناك تشويق في إعداده وتقديمه, عمدت إلى أسلوب (الحكواتي) وهو أسلوب محبب للمشاهد والمستمع, وقد سبق أن استخدمه الفنان الكبير الراحل حكمت محسن (أبو رشدي) في تمثيلياته الإذاعية التي لاتزال تعيش في وجدان الناس حتى الآن.

وأنا أعلن باعتزاز أنني اقتبست من الحكواتي الذي يجلس في المقاهي الشعبية شخصيته وأسلوبه في الحديث كما أنني أستخدم جملاً حرفية من القصاص الشعبي حكمت محسن الذي اعتبره أستاذي, استهلاله للبرنامج (أحبابي ونور عيوني الكرام... أسعد الله أوقاتكم).

وأحب أن أستدرك لأقول إنني حاولت أن أرصد في هذا البرنامج الجوانب الإنسانية والخاصة في حياة هؤلاء الفنانين الاعلام, بالإضافة إلى الجوانب الفنية, إذ يجب ألا تظل تلك الجوانب مجهولة, وقد بذلت جهوداً مضاعفة في الحصول على معلومات دقيقة وأذكر بالتقدير مساهمة الموسيقي الكبير الأستاذ عدنان قريش في تزويدي بكثير من المعلومات الخاصة عن عدد كبير من هؤلاء الفنانين.

الشخصية والممثل

هناك موضوع أحب أن أدرجه هنا في (مرفأ الذاكرة) وهو جواب عن سؤال طرح علي كثيراً ويقول: إلى أي مدى يمكن الربط بين حضور الشخصية وحضور الممثل, خاصة إذا كانت الشخصيات نمطية مثل دور (الزكرتي) في مسلسل أيام شامية, ودوري في مسلسل (يا بسمة الحزن) وشخصية أبي صياح في أعمال أخرى.

أقول باختصار:

إن حضور الممثل هو من أهم مقومات نجاح الشخصية التي يؤديها, فإذا كانت الشخصية نموذجاً مقنعاً بالنسبة للمشاهد (سلباً أو إيجاباً) فهذا يعني نجاح عملية التشخيص.

إن حضور الممثل هو الأساس لإيصال القيمة التي تحملها الشخصية, بالإضافة إلى أنه يجب أن تنطبق أبعاد الشخصية على الممثل المختار من قبل المخرج وهذه الأبعاد هي الخلقية والنفسية والفسيولوجية, وباختصار الحضور المقبول.

وأنا أحرص على أن أقدم من خلال أعمالي ومن خلال الشخصيات التي ألعب أدوارها القيم والمثل العليا, وأدعو للتمسك بها, ولقد وجدت في شخصية (الزكرتي) مثلاً كل القيم التي كنت دائماً أحاول أن أجسّدها في أدواري.

من هنا, فأنا حريص - عندما يقدم لي أي عمل - أن أقرأ السيناريو كاملاً - وليس الدور وحده, ولا أهتم بطول الدور أو قصره, بقدر ما أهتم بفاعلية هذا الدور.

وأحاول الآن أن أسترجع من الذاكرة, وليس من مذكراتي المطبوعة بعض الأحداث التي وضعتني في حالات لم يكن يخطر لبالي يوماً أن أقع فيها, ومنها التحقيق من رجال الشرطة والسجن.
سأتجاوز الكثير من هذه الأحداث التي كانت تقع - مع الأسف - بسبب دسائس من بعض الزملاء الذين كانوا يضيقون ذرعاً بنجاحي كفنان, فيكيدون لي لدى السلطة لإعاقة عطائي ومسيرتي.
سأقف عند حادثة واحدة وهي أنني تعرضت في النصف الثاني من عقد الستينيات لتحقيقات رسمية من المسئولين في وزارة الداخلية وكانت التهمة الموجهة لي بأنني (مخرب), دون تحديد هذا (الخراب) الذي أحدثته.

استدعاني وزير الداخلية آنذاك وعرض علي خمسة تقارير كان قد تلقاها ضدي, وتبين لي أن هذه التقارير مرسلة من بعض زملائي الفنانين الذين كانوا يغارون حتى من المعاملة الطيبة التي كنت أعامل بها في السجن وكانوا يسمّونني (المعتقل المدلل) ذلك لأنني لم أتعرض لأي نوع من أنواع الضرب أو الإهانة أو التعذيب.

وكانت التهمة الرئيسة من بين التهم التي وجهت لي أنني أطلقت نكتة سياسية, وعلى الرغم من أنني لم أطلق أي نكتة من أي نوع, فقد شعرت بالحرج ذلك لأنني أعرف الذي أطلق تلك النكتة وهو زميلي الفنان ياسين بقوش, ولم أرغب أن أعرضه للمساءلة, وبعد مداخلات ووساطات أطلق الوزير سراحي.
وإذا كانت مثل هذه الحوادث تقع في الوسط الفني, كما قد تقع في أي وسط آخر, فأنا أرى أن على الفنانين والكتّاب والمثقفين والإعلاميين والذين يشكّلون كوكبة قيادية متقدمة في المجتمع, أن يترفّعوا عن مثل هذه الحزازات, وأن ينصرفوا إلى التطوير في أعمالهم, وإلى المتابعة اليومية لما يقع حولنا من أحداث, خاصة وأننا أمة مستهدفة من كثير من الأعداء, وأن هناك مساحات من وطننا العربي لاتزال محتلة, وإخواننا في الأرض المحتلة, في أرض فلسطين يتعرضون إلى أقسى ما يمكن أن يتعرض له شعب من احتلال واستلاب وقتل وتدمير وتهجير.

لقد سعدت - مثلاً - بما حققته الدراما السورية من حضور وانتشار على الفضائيات العربية إلى جانب بقية الأعمال الدرامية العربية الأخرى, في مصر والخليج ولبنان والكويت والمغرب العربي والأردن وغيرها.

وسعدت كثيراً بروح التنافس البادية بين العاملين في مجال الدراما العربية لتحقيق المزيد من المنجزات, ولكن ما حزّ في نفسي, هو تحويل هذه المنافسة الشريفة إلى ما أطلقوا عليه اسم الصراع بين الدراما السورية والدراما المصرية.وشهدت الصحف نوعاً من (مبارزات الديكة) بين بعض حملة الأقلام من الصحفيين والنقاد والفنانين, وخاصة المخرجين, بحيث تحول الحوار إلى ملاسنات وشتائم سوقية وتبادل اتهامات ملفقة.

لم يدرك هؤلاء أن نجاح أي عمل فني في أي قطر عربي هو نجاح للفن العربي بصورة عامة وأن هناك مواقع كثيرة تبث على المحطات العربية الأرضية والفضائية والتي تجاوز عددها الخمسين.

والمؤسف أن بين حملة أقلام هؤلاء المتناحرين أسماء لامعة لمؤلفين ونقاد ومخرجين وفنانين كبار.

أما المعركة التي فتحت لها بعض الصحف والمجلات صفحاتها فلم تكن - في النهاية - سوى زوبعة في فنجان

 

رفيق سـبـيعي







الفنان رفيق سبيعي





الفنان رفيق سبيعي





الغلاف الأول لكتاب رفيق سبيعي





الغلاف الأخير لكتاب رفيق سبيعي





المطرب الشعبي