كان سـقوطها سـببا في انهيار الصف الإسلامي طليطلة

كان سـقوطها سـببا في انهيار الصف الإسلامي طليطلة

الـتراث لايزال شاهدا

إذا كان لكل حضارة مدينة تعد رمزا لها وركنا صائنا لوثائقها, فإن طليطلة الأندلسية كانت في حجم هذا الصرح الحضاري الذي شيده الفكر الأندلسي في حقبة من الزمن, منذ أن فتحها المسلمون.

لا يمكن للمتأمل في تاريخ الأمم والحضارات أن يسمع بالبلدان ومدائنها دون الوقوف عند الخصائص التي تعبر عن حضور مثمر للأقوام والشعوب التي شيدتها وعمرتها ردحا من الزمن. وعندما غربت شمسها خلفت وراءها مجهودا فكريا ومشروعا حضاريا دالا على تراث مشهود. فعندما نستنطق التاريخ الأندلسي عن وجود طليطلة وصيرورتها? سنجد الجواب حزينا في جرد تاريخي ممتد يقيم الحجة على أهل التفريط من ملوك أهل الطوائف, ويلقي بظلال الخيبة التي سادت فترة كانت الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إلى تماسك الرأي وتوحيد المبدأ. فقد كان سبب سلبها واضحا في انهيار الصف الإسلامي, وتفكك عراه, ومن تداعيات ذلك استسلمت المدينة رغم تحصين عمارتها وتخزين مئونتها التي بنيت ورعيت في ظل خلافة المسلمين طيلة ثلاثة قرون.

ولعلنا من ذاكرة هذه المدينة التي ستظل إسلامية عربية شاهدة على ذلك بتراثها وعمرانها نستذكر بعض الغرائب التاريخية التي تعبر عن مظاهر متميزة لها خصائص وسمات, قل ما يتفطن إليها في الوعي الإسلامي, وفي تاريخ التشييد العمراني العربي.

حصانة جغرافية

طابع التحصين الذي تقره كتب التاريخ ويصدقه الواقع الحالي يشير إلى أن مدينة طليطلة من المدن العربية الإسلامية التي تشارك نظيراتها في هذه الخاصية. فهي محصنة في موقع جغرافي مختار, وسط الجزيرة الأيبيرية بين الجوف والشرق من قرطبة, محصنة بأسوارها ذات الطابع العربي الذي يشهد بذلك إلى اليوم. وهي مدينة محكمة الصنع في تحصين بنائها وبها أعظم القناطر تسمى بقنطرة السيف. ولعظم تحصين هذه المدينة كانت تسمى بـ (القصبة) وبـ (الدار) وهي ذات منعة عليها أسوار منيعة ويحيط بها نهر (تاجة) من جهات ثلاث في واد منبسط فسيح أدر عليها الخيرات بما يسقيه من أراض حتى اشتهرت ببعض المزروعات, كالزعفران وصنف من التين يتميز بحلاوته, وقد كان من نتائج الاهتمام الفلاحي والصيدلي بطليطلة ظهور علماء مختصين بالزراعة كعبدالرحمن بن مهند اللخمي أبي المطرف (ت467هـ) ومن مؤلفاته مجموعة الفلاحة, والأدوية المفردة.

وحينما ينتهي التأمل بالناظر إلى حاضر هذه المدينة اليوم, وفي موقعها على بعد 91 كيلومترا جنوب غرب العاصمة الإسبانية مدريد, يسترجع ماضيا حزينا يجد فيه لمسات الأمجاد التي تبين عن فطنة المشيد العربي الذي أراد لها أن تمثل بخصوصياتها مركزا للجمع والتخزين والتوثيق حسا ومعنى. وهو الكمد, الذي لا يستطيع أن يزيحه أي عربي عن قلبه وهو يزور هذه المدينة أو ينظر في واقعها التاريخي ومآلها الحالي.

فعمارة التحصين هدف استراتيجي عربي قديم يحصن من أجل مستقبل بعيد ويحافظ على بقائه لدوام السيرورة العرقية والمعمارية في آن واحد. وهذه البغية في التشييد فريدة عند العرب والمسلمين القدامى نفتقدها في حاضرنا اليوم, وذلك بسبب غياب الاستراتيجيات التي تهتم بالأبعاد التوثيقية والجوانب الأثرية في حسن اختيار المدن المركزية من العالم الإسلامي التي تؤدي هذه المهمة. وحينما نرجع إلى تاريخ طليطلة نجد كيانها الحضاري والعمراني المهم, مستهدفا طيلة وجودها التاريخي سواء لما كانت حاضرة مزدهرة أيام الرومان, أو حاضرة للدولة القوطية, وكذلك الشأن لما كانت مصونة في حضارة المسلمين إذ بسقوطها سقط أكبر صرح في الأندلس. ويمكن تشبيهها في هذا التحصين بمدينة (طبرية) في المشرق تلك المدينة التي ترجع في نشأتها إلى الروم حيث أسست حوالي 26 للميلاد أي تعود للعهد البيزنطي. وهي المدينة التي وصفها ياقوت الحموي بأنها (بليدة) على البحيرة المعروفة باسمها, تقع في الغور على طرف الجبل بينها وبين دمشق ثلاثة أيام, وكذلك بينها وبين بيت المقدس. فهي إذن تتوسط أعظم مدينتين في الشام كما هو الشأن بالنسبة لطليطلة في موقعها وسط الجزيرة الأيبيرية وكلتاهما تلتحم بالأخرى ليس في الجغرافيا أو التاريخ فحسب, بل في القضية المتوهجة في صخب المرحلة. وفي ضوء ذلك, كان سقوط القدس الذي كان خسارة كبيرة للمسلمين في الشرق الإسلامي ذلك الوقت, وسقوط الأندلس في الغرب الإسلامي. فحينما نقارن المسار التاريخي لبعض البلدان الإسلامية نجد انتكاسة متواصلة في القرن الهجري الخامس في مشرقه ومغربه,فمن سيطرة الصليبيين على (طبرية) في (499هـ) مستفيدين من حصنها العالي إلى سقوط طليطلة عام (477هـ) مستفيدين من دورها الحصين.

ذاكرة الأندلس

فمدينة طليطلة كانت خزانا مستوعبا للمنتوج الثقافي وللمحصول الزراعي. وقد وصفها ياقوت الحموي بأنها من أجل المدن قدرا وأعظمها شأنا ومن خاصيتها أن الغلال تبقى في مطاميرها سبعين سنة لا تتغير, كما أن حنطتها لا تسوس على مر السنين.ومن ارتباط طليطلة بالتخزين بمختلف أنواعه منذ القدم أي منذ أن كانت تحت حكم الرومان يذكر أنها كانت في أيام الروم مدينة ملك ومدارا لولاتها وبها وجدت مائدة سليمان بن داود عليهما السلام مع جملة ذخائر وفيها من الذهب والجوهر ما الله أعلم به. ومن جهة أخرى, تعتبر خزانة حافظة لذاكرة الأندلس, ومنها انتشرت الحضارة الإسلامية في أوربا في العصور الوسطى. كما أنها تعد خزانا للفقه والقضاء الذي شهدته الأندلس طيلة الخلافة الأموية وما تلاها.

فقد ظلت طليطلة من أهم الحواضر الأندلسية في التخزين الثقافي حيث انتشرت بها المكتبات العامة والخاصة, وكانت خزانا لصناعة الورق, وكان يضرب بها المثل في جودة الورق الذي لا نظير له. وكان تخزينها لمادة وصناعة الورق سببا مساعدا على ازدهار فن الكتابة والتأليف, وأيضا جمع الكتب واستنساخها وتصحيحها وترجمتها. فكانت الإشارات التي تحملها المخطوطات من خواتم وتوقيعات علامة دالة على حاضرة هذه المدينة وعلى القطر الأندلسي خصوصا من خلال إيحاءات الرسم المخطوط في علاقته بالعمران. فقد نشطت في هذا المجال أصناف من الخزانات المختلفة في العلوم والفنون التي كانت سبيلا إلى توسيع آفاق المعرفة وتنوعها. ونذكر من هذه الخزانات: خزانة ابن فطيس عبدالرحمن بن محمد التي كانت تضم مختلف العلوم وكان له ستة وراقين برواتب منتظمة يتولون عملية نسخ الكتب له. وبعد وفاته استمر بيع محتويات خزانته عاما تحصل منها أربعون ألف دينار وهو مبلغ يعادل جباية مدينة صغيرة عن سنة كاملة. ويذكر في هذا المجال أيضا خزانة الأديب اللغوي ابن المشاط الطليطلي, وكذلك خزانة ابن ميمون الطليطلي التي مع ضخامتها كان معظمها منسوخا بخطه مصححا بدقة من جانبه, حتى اعتبرت هذه الخزانة أصح كتب طليطلة. وامتلكت السيدات المثقفات خزائنهن الخاصة كما هو الشأن في عائشة بنت أحمد القرطبية وكانت أديبة لامعة, وراضية مولاة عبدالرحمن الناصر, وخديجة بنت جعفر التميمي التي حبست على ابنتها كتبا كثيرة. وكانت هذه الأخيرة تستورد كميات كبيرة من الكتب من مصر والقيروان ومراكز أخرى من المشرق, وذلك رغم ما كان يكلفها هذا الاستيراد من النفقات الباهظة والأتعاب الكـثيرة. كــمــا نقــل الـــعلامة سلمة بن سعيد من المشرق ثمانية عشر حملا من الكتب جمعها خلال سنين عديدة. وقد كان لهذه الخزانات دورها في وقوف الأندلسيين على عملية التوثيق التي استفادوها من المشارقة في عدد من المعارف والفنون منذ القرن الهجري الثاني خصوصا في مجال اللغة والأدب. وقد حظي الأندلسيون بالتوثيق المشرقي من خلال الرحلات المختلفة التي سجلت بين المشرق والمغرب في مهمات مختلفة. وكان لهذه الرحلات ومن خلالها عملية التوثيق دور مهم في توليد الخزانات الطليطلية, وتكوين نوابغ الفكر الأندلسي الذي أثمر علماء يجمعون المعارف. وهكذا استفادت الدولة الأندلسية في قطاعات مختلفة مما اختزنته طليطلة في إطارات مختلفة كالقضاء والإفتاء.

ومن سمة هذه الفترة الأندلسية احترام الفقهاء وإطلاق لقب القاضي عليهم تبجيلا واحتراما. ونذكر منهم أبا الوليد الكاتب المعروف بابن الوقشي الطليطلي عالم بالأحكام والحديث وعلم الفقه والنحو والشعر والخطابة والمنطق والهندسة والزيوج. وقد تولى خطة القضاء, وصفه السيوطي بالجمّاع للمعارف وبأنه شاعر فقيه عالم بالشروط, فاضل في الفرائض والحساب والهندسة, مشرف على جميع آراء الحكماء.

وعبدالله بن فرج بن غزلون اليحصبي المعروف بابن العسال (ت 487هـ) كان عالما مشاركا في الآداب والحديث واللغة, وله مجلس حافل يقرأ عليه فيه التفسير. ومن فقهاء طليطلة الجمّاعين للمعارف نذكر كذلك الفقيه عبدالله بن أحمد بن عثمان المعروف بابن القشاوي (ت417هـ) وكان ثقة تقيا ورعا وكان الغالب عليه الرأي مشاورا في الأحكام, وتولى الصلاة والخطبة بجامعها, وكان يعقد الوثائق دون أجر. ونذكر في القضاء عددا من الأعلام الطليطليين مثل عبدالرحمن بن محمد المعروف بابن الحشا (ت473هـ) وهو من كبار فقهاء طليطلة وأجدر علمائها, صرف عن خطة القضاء عام 460هـ هو وستة من أكابر قضاة طليطلة كأبي جعفر أحمد بن سعيد اللورانكي, وأبي جعـــفر أحـــمـــد بـــن محمد بن مغيث, وأبي جعفر أحمد بن قاسم المعروف بابن أرفع رأسه.

ازدواج ثقافي

وحينما يتأمل القارئ تاريخ أعلام طليطلة يجد أن تخزين المعارف ونشرها للأمة كان له دور كبير في المرابطة والجهاد وتحصين الثغور. كما كان أمراء الدولة الأموية وكذلك الخلفاء وملوك الطوائف في الأندلس حتى نهاية القرن الهجري الخامس/ الحادي عشر الميلادي يتواضعون لعلمائها, ويرفعون أقدارهم, ويصدرون عن آرائهم, وأنهم كانوا لا يقدمون وزيرا ولا مشاورا, ما لم يكن عـــالمـــا. كصاعد بن أحمد الأندلسي الطليطلي التغلبي (ت 462هـ) وهو مؤرخ بحاثة, ومن أعظم من أنجبتهم الأندلس جمع بين الفقه والحكمة على نسق القاضي ابن رشد, تولى قضاء طليطلة, وألف كتبا جامعة للمعارف منها: جوامع أخبار الأمم من العرب والعجم, وطبقات الحكماء, ومقالات في أهل الملل والنحل, وتاريخ الأندلس.

ولا ينسى أي مهتم بتاريخ العرب بالأندلس ما اختزنته طليطلة من أعلام آخرين كحزم بن غالب الرعيني وعلي بن محمد بن درى الأنصاري النحوي, وابن الخراز القرطبي وابن صهيبة (ت440هـ) الذي كان يسمى بالشيخ لوقاره وحلمه. وهكذا اجتمعت في طليطلة فوائد علمية جلبت إليها الكتب والمؤلفين والمترجمين والفقهاء الأعلام. وكل هذا إلى جانب موقعها الذي استقطب عددا من العلماء المتجذرين في العلم والثقافة المحبين لطبيعة هذه المدينة المحصنة.

وقد ظهرت خاصية الازدواجية الثقافية بالأندلس وبطليطلة على الخصوص لما استقلت بها, بعد سقوط الخلافة الأموية, أسرة بربرية أندلسية كانت في خدمة الحاجب محمد بن أبي عامر, وهي أسرة ذي النون (427هـ) وقد بلغت هذه الأسرة من البذخ والترف الغاية, وأقام ملوكها القصور المنيعة كما شجع هؤلاء الملوك الأدباء والشعراء فصارت طليطلة من أكبر الحواضر الثقافية في عهدهم. وكانت أيضا مركزا للترجمة من العربية إلى اللاتينية حيث كانت اللغة الإسبانية تعد لغة الحوار حتى القرن الحادي عشر وقد انتشر وجودها فضلا عن وجود ظاهرة تعدد المستويات واتسع حتى أدى ذلك إلى وجود ظاهرة الازدواجية اللغوية. فمستعربو طليطلة مع وجودهم في أراض مسيحية قد كتبوا وثائقهم باللغة العربية, فقد استفادوا من النصوص العربية التي تركت بصمة وأثرا عميقا في الآداب الإسبانية. فكانت هذه الترجمات عبارة عن كتب مترجمة عن أصول عربية أو يونانية أو فارسية أو هندية. وكانت أيضا من تأليف علماء مسلمين أنفسهم بما تضمنته من إضافات جديدة إلى الفكر الإنساني. وكلا النوعين كان جديدا بالنسبة لأوربا التي كان التعليم فيها مقصورا على الأناشيد الكنسية.

سقوط المروءة

إنه سقوط طليطلة سنة (477هـ) وذلك لما ضرب ألفونسو السادس ملك قشتالة حصاره حول طليطلة, ولم يتقدم أحد لنجدتها, فسقطت بسقوط قيم النجدة وشيم المروءة والأخوة, فتركها جيرانها من ملوك الطوائف تسقط وتخرج من قبضة الإسلام إلى الأبد.وقد حاول أمــير المرابطــين يوسف بن تاشفين استردادها من يد القشتاليين لثلاث مرات متتالية ولكن لم يفلح في ذلك. وكان آخرها في سنة 483هـ في المرة الثالثة التي جهز فيها جيشا ضخما لتحقيق هذا الهدف, فاتجه بقواته إلى طليطلة واجتاح في طريقه أراضي قشتالة دون أن يتقدم أحد من ملوك الطوائف لمعاونته أو السير معه, وكان يرغب في استرداد طليطلة لعله يشفي الجرح الدامي, لكنه لم ينجح نظرا لمناعة أسوارها العالية وتحصنها المتين. وقد ظلت طليطلة مدينة محافظة على تحصينها وتخزينها في كل العصور ومع كل من ساد وحكم. فقد واصل القشتاليون استفادتهم من التحصين والتخزين بعد احتلالها مشجعين النشاط الفكري وحركات الترجمة التي استثمروا مادتها من الخزانات التي غنموها من المسلمين, فصارت مدرسة المترجمين في طليطلة مركزا ثقافيا كبيرا جذب إليه العلماء والدارسين من مختلف أنحاء أوربا. ولقد برز من كبار العلماء الذين أشرفوا على هذه الحركة العلمية, أسقف مدينة طليطلة (خيمنت دي رادا) الذي يعرف أيضا بالطليطلي (ت1170هـ) الذي كان يتقن عدة لغات من بينها العربية ساعدته كثيرا على الإفادة من المصادر العربية, وكتابة القسم الإسلامي من مدونته الكبيرة التي شملت تاريخ الرومان والقوط والعرب وتسمى بحولية الطليطلي.

ولما ولي عرش إسبانيا الملك (ألفونسو العاشر) الملقب بالعالم أو الحكيم في منتصف القرن السابع الهجري عمل على حماية مدرسة طليطلة كما شجع على عملية النقل والترجمة مهتما باستخدام اللغة القشتالية (الإسبانية) مكان اللغة اللاتينية في تدوين المصنفات الأدبية والتاريخية والفلسفية. ومن مدرسة طليطلة تمكن عدد من علماء المسلمين من إجادة اللغة الإسبانية وكذا مناقشة علماء المسيحية في مختلف المسائل الدينية والدنيوية. ومن الأعمال العلمية التي ترجمت تحت إشراف (ألفونسو العالم) نشير إلى شروح أعلام الفكر الإسلامي مثل شروح ابن رشد على مؤلفات (أرسطو) وشروح ابن باجة وآراء محيي الدين بن عربي الصـــوفي ورســـالة (حي بن يقظان) لابن طفيل والمقامات العربية الأدبية التي كونت نوعا من القصص الإسباني المعروف بالقصة البيكارسية. كما أن إحدى صور المعراج النبوي قد ترجمت من العربية إلى القشتالية والفرنسية واللاتينية بأمر من الملك ألفونسو العالم سنة 1264م. لهذا, نجد هذه المواضيع المترجمة من التراث العربي وحضارته حاضرة في الإبداع الأدبي الأوربي سواء في مجال الشعر أو القصة. كما هو الشأن عند الشاعر الإيطالي دانتي اليجييري (1265 - 1321م) الذي ظهر اطلاعه على إحدى هذه الترجمات للمعراج الإسلامي.

فقد أدهشت العلوم التي احتضنتها طليطلة واحتفظت بها في خزانتها الوافدين عليها من العلماء والمترجمين منهم جيراردو الكيموني وهو واحد من عشرات المترجمين الناقلين الذين قصدوا طليطلة في طلب العلم في القرن الثاني عشر الميلادي. فقد دهش لما وجده في طليطلة من خزانات زاخرة بجميع أنواع المعرفة فعمد إلى درس اللغة العربية حتى توصل إلى إجادتها وصار يترجم العلوم العربية فنقل ما يزيد على ستين كتابا في شتى فروع المعرفة إلى أن توفي بطليطلة عام 1187.

لكن المسلمين الذين يرجع إليهم الفضل في تحصين هذه المدينة وتقوية حصنها وملء خزانتها فاجأتهم الأقدار بعد سقوطها بمعاملة الذل والهوان في ظل ملوك قشتالة خصوصا في عهد ألفونسو العاشر 1258م الذي سن قانونا عاما لمملكته سماه (الأقسام السبعة) صنف فيها المسلمين إلى أربع فئآت وجعل لكل فئة منها معاملة خاصة, وهم المتنصرون والعبيد والمعتقون والمدجنون. أما المتنصرون, فكانوا موضع احتقار من طرف النصارى القدامى, فوحد القانون بين الفئتين, وأعطى ميراث الأب المسلم لأولاده المتنصرين دون غيرهم من الأبناء. وكانت عقوبة من يرتد منهم الموت وفقدان الحقوق ومصادرة الأموال. أما الأرقاء المسلمون, فكانوا معرضين لكل أنواع الظلم والإيذاء, وكان لسيدهم عليهم حق الموت والحياة والتعذيب والاغتصاب والتفريق بين الأقارب وبيع من شاء منهم. ولم يكن حال المعتقين أفضل بكثير من حال الرقيق. أما المدجنون فكانت حريتهم الدينية تحترم لحد ما, وكانوا يعيشون في أحياء خاصة بهم لهم شرائعهم وقضاتهم وتقاليدهم ومساجدهم وأعيادهم, وإن كانوا دائما عرضة للاضطهاد حسب أهواء طاغية الوقت وسياسته الخارجية. وظلت هذه الأوضاع مستمرة بالنسبة لمسلمي طليطلة تسير من سيئ إلى أسوأ, طيلة حكم المماليك النصرانية الأيبيرية التي سعت إلى تنصيرهم بالقوة ومن لم يستجب لذلك, فكان عليه أن يترك بيته ويخرج من المملكة في موعد أقصاه 21/1/1526م

 

أحمد كروم