الإنسان الآلي... سليل البشر أحمد أبو زيد

الإنسان الآلي... سليل البشر

في عددها الصادر بتاريخ 5 فبراير 2004 نشرت جريدة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية خبرا يقول إن (فاليري) سوف تتولى في نهاية ذلك الشهر (فبراير) مهام وظيفتها في مكتب الاستقبال بمدرسة علوم الكمبيوتر بجامعة كارنيجي ميلون, وأنها سوف تكون مسئولة في المقام الأول عن تقديم الإرشادات والإيضاحات للزائرين, ولكن ذلك لن يمنعها إذا لزم الأمر من مناقشة بعض المسائل الشخصية معهم, مثل الإدلاء ببعض المعلومات والحقائق الصغيرة عن حياتها الخاصة, وما تتعرض له من تغيرات وتقلبات, ويصف الخبر فاليري بأنها تتمتع بقدر كبير من الذكاء وقوة الذاكرة, لدرجة أنها تستطيع أن تتذكر أي شخص يقدم لها نفسه إذا صادف أن لقيته بعد عدة سنين, بل وتتذكر تفاصيل الحديث الذي دار بينهما حتى ولو كان حديثا عابرا عن أحوال الطقس مثلا, وهذه كلها صفات سوف تساعدها على النجاح في وظيفتها الجديدة. وقد تكون هذه كلها صفات مألوفة ومرغوبة بالنسبة لأي (فتاة) تعمل في مكتب الاستعلامات أو الاستقبال في أي مؤسسة كبرى. ولكن الجديد والطريف هنا هو أن فاليري ليست فتاة آدمية عادية وإنما هي إنسان آلي أمكن التوصل إلى (إنتاجه) أو (إنتاجها) بعد جهود شاقة وطويلة, وأنها تمثل مرحلة أكثر تقدما وتطورا من أي إنسان آلي آخر سبق صنعه, نظرا لما تتمتع به من قدرات وإمكانات تعبر عن توافر درجة معينة من (الذكاء) الخاص تؤهلها للقيام بكثير من المهام والأعمال والأنشطة المعقدة الدقيقة التي تعجز عن أدائها النماذج السابقة من الإنسان الآلي (الروبوت), فضلا عما تبديه في ممارسة هذه الأعمال من سرعة ومرونة وفهم, بل ولباقة في (التعامل) مع البشر الحقيقيين, ولذا تعتبر فاليري خطوة مهمة في تحقيق الهدف الذي يسعى إليه الباحثون والعلماء العاملون في مجال إنتاج الإنسان الآلي وهو التقريب بقدر الإمكان بين نوعي (الإنسان) في القدرة على الاضطلاع بالمهام والأنشطة نفسها, بل وأيضا إزالة الفوارق في الشكل والمظهر الخارجي بل والذكاء أيضا والقدرة على التصرف التلقائي الملائم, على ما يذهب إليه بعض هؤلاء الباحثين والعلماء.

ويستشهد هؤلاء العلماء بهذا المثال على أن عملية تطور (الكائنات البشرية) لم تصل إلى نهايتها بظهور الإنسان العاقل homo sapiens الذي ننتمي نحن إليه, والذي تفرع إلى سلالات وأعراق كثيرة قد تختلف في بعض الخصائص الجسمية ولكنها تتفق كلها في طبيعة الملكات الذهنية والقدرة على التفكير والتعبير عن الأفكار والمشاعر بالحركة وبالنطق أي اللغة المفهومة التي تعتبر هي الأداة المميزة للتواصل والتفاهم. فشجرة الحياة لا تزال تنمو وتتفرع وتتعرض لكثير من التغيرات والتجديدات غير المتوقعة, والتي قد تنحرف بالجنس البشري كما نعرفه عن المسار الذي حدده داروين في نظريته التطورية الشهيرة إلى مسار جديد من شأنه إقامة علاقات قوية بين الإنسان البشري والإنسان الآلي, عن طريق نقل بعض الخصائص والمقومات البشرية إلى الروبوت, بحيث تتضاءل الفوارق بينهما تدريجيا إلى أن يأتي اليوم الذي تتمكن فيه الروبوتات التي هي في الأصل من صنع البشر من امتلاك القدرات الذهنية والإمكانات العاطفية البشرية, التي قد تؤدي بها إلى أن تصبح بديلا عن هذه الكائنات البشرية أو الإنسان البشري وأن تحل محله ليس فقط في أداء الأعمال الروتينية الشاقة كما هي الحال الآن وإنما أيضا ممارسة الأعمال الذهنية المعقدة والمجردة والتعبير عن (مشاعرها) بوضوح وجلاء دون تدخل العنصر البشري في ذلك. بل إن بعض هؤلاء العلماء (التطوريين الجدد) يذهبون إلى حد التنبؤ بأنه سوف يأتي اليوم الذي تستطيع فيه الروبوتات الدخول في علاقات فكرية وعاطفية متبادلة فيما بينها وأنها قد تتمكن في المستقبل غير البعيد من أن تتولى هي ذاتها صنع كائنات روبوتية جديدة شبيهة لها, وتنتج بالتالي أجيالا جديدة وسلالات أكثر تقدما وتطورا وتقدما, مثلما يفعل البشر تماما من خلال الحب والزواج والتناسل.

فكأن العالم إذن يتقدم نحو مرحلة جديدة من التطور يطلق عليها اسم مرحلة ما بعد البيولوجيا, حيث تظهر سلالات من الروبوت أو الإنسان الآلي تتمتع بقدرات وإمكانات أعلى بكثير مما يحظى به الإنسان البشري في الوقت الحالي, وبذلك سوف تتهاوى كل دعاوى النظريات السائدة الآن في العلوم البيولوجية عن وظيفة الحمض النووي وإمكان الاعتماد عليه في الكشف عن العلاقات بين الكائنات لانعدام ذلك بالنسبة للروبوت, وبذلك سوف ينسحب الحمض النووي من المنافسة والسباق مع العوامل الجديدة أو المستجدة على ما يقول براد لايتهاوزر Brad Leithauser في مقال طريف له عن (لا ولاء للحمض النووي) نشره في عدد 9 يناير 1989 من مجلة النيويوركر The New Yorker.

والكتابات كثيرة حول التطور التكنولوجي في مجال الروبوت وما سيؤدي إليه هذا التطور من نتائج وإنجازات يبدو معظمها لأول وهلة أقرب إلى الخيال العلمي, وإن كان العلماء لا يرون أن ثمة ما يمنع من تحقيقها على أرض الواقع. ومن الأقوال التي تتردد في بعض هذه الكتابات حول التقدم التكنولوجي في هذا المضمار المحدد أن (التكنولوجيا سوف تنقذنا يوما ما من التكنولوجيا), بمعنى أن تكنولوجيا الروبوت سوف تقوم بمعظم الأعمال التي يستعين الإنسان البشري في أدائها على الأجهزة والأدوات والآلات التي أنتجتها التكنولوجيات المختلفة, وأن قيام الروبوت بكل تلك الأعمال قد يحقق بعض الراحة للإنسان, ولكنه سيؤدي في الوقت نفسه إلى تهميش دوره في الحياة اليومية وإلى أن يحل الروبوت محله. فالعصر الحالي هو عصر الانفجار التكنولوجي الذي سوف يتمخض عن ظهور نمط جديد من المجتمع الإنساني يتراجع فيه دور الإنسان البشري ويزداد دور الإنسان الآلي, الذي سوف يتمتع بدرجة عالية من الذكاء الصناعي بفضل الجهود والتجارب التي يجريها الآن ومنذ سنوات طويلة علماء وباحثون يدركون تمام الإدراك أن النتيجة النهائية المحققة من تلك التجارب سوف تكون في غير صالح الجنس البشري الذي ينتمون إليه والذي سوف يخلي موقعه من الحياة (لإنسان) جديد أكثر قدرة وكفاءة من الإنسان الآدمي الذي أبدعه.

والواقع أن العلماء والباحثين في مجال الذكاء الصناعي لايألون جهدا في العمل على تحقيق كل ما من شأنه الارتفاع بقدرات الروبوت, بحيث يصل إلى مرتبة من التقدم يستطيع فيها أن يتحرك بدرجة أكبر من المرونة عما هو عليها الآن, وأن يقوم ببعض العمليات الذهنية البسيطة وأن يقرأ بدرجة معقولة من السهولة ويتكلم بصوت أقرب إلى طبيعة الصوت الآدمي وأن يمارس كل هذه الوظائف الآدمية العليا دون تدخل من الإنسان البشري. ويبدو أن هذه الجهود الطويلة المضنية حققت بعض النجاح الذي يدفع هؤلاء العلماء إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة وطموحا وتهدف إلى نقل المعرفة التي يختزنها المخ البشري, والتي هي نتاج وثمرة خبرات بشرية تزيد على مليون سنة, إلى مخ الإنسان الآلي بحيث يتمكن من ممارسة التفكير العقلاني المنطقي دون أن يتلقى أي توجيهات أو أوامر من الخارج, وإنما يأتي هذا التفكير من القدرة الذاتية لذلك الإنسان الآلي على فهم الموقف وتقديره والاستجابة الملائمة له, مثلما يفعل (الإنسان العاقل) الحديث. ولا ينكر العلماء والباحثون صعوبة الوصول إلى نتيجة مرضية تماما في هذا الشأن ولكنهم يرون إمكان إنجازها بل وضرورة تحقيق هذا الإنجاز وتقليص الفجوة الذهنية بين نوعي (الإنسان) وإحلال الإنسان الآلي محل الإنسان البشري كمرحلة طبيعية ومعقولة بل ومشروعة في سلم التطور (البشري) تحقيقا لفكرة أن (الإنسان العاقل) ليس هو المرحلة النهائية في العملية التطورية.

وقد سبق أن تعرض لهذه المسائل كلها باحث أمريكي شهير هو هانز مورافك Hans Moravec في كتاب مشوق صدر عام 1988 بعنوان (أبناء العقل Mind Children). وكان مورافك يعمل في ذلك الحين مديرا لمعهد الروبوت المتحرك أو المتنقل Mobile Robot في جامعة كارنيجي ميلون, ولذا كانت له خبرة طويلة في مجال البحوث المتعلقة بمحاولات تقليص المسافة بين الإنسان البشري والإنسان الآلي, عن طريق برمجة الروبوت, بحيث يستطيع التصرف بنفس الطريقة التي يتصرف بها البشر في مختلف المواقف, وذلك من منطلق أن العقل البشري ليس في آخر الأمر سوى جهاز يمكن نقل محتوياته من الأفكار والتأملات والقرارات إلى أجهزة أخرى مماثلة ولكنها غير عضوية أو غير حيوية inorganic, وكل ما قد يحتاج إليه الأمر هنا هو نسيان متطلبات ومقتضيات ودور الحمض النووي حتى يمكن القضاء تماما على الفوارق الفاصلة بين نوعي (الإنسان). وبالرغم من وجاهة هذه النظرة فإنها أثارت كثيرا من الجدل والشك الأقرب إلى الرفض وإن لم يؤد ذلك إلى وقف التجارب, إلى أن ظهر ذلك الخبر الطريف عن مجيء فاليري إلى عالم الوجود, وهو ما يعتبر خطوة مهمة في سبيل تحقيق الهدف النهائي الذي يصبو إليه هؤلاء العلماء من أمثال مورافك ومعاونيه الذين يرون أنه ليس ثمة مفر من الوصول إلى النتيجة المنشودة.

وتكاد المشكلة تنحصر الآن في إمكان تفريغ محتويات المخ البشري في مخ الروبوت بحيث تصبح له حياة داخلية خاصة به يتعين عليه المحافظة عليها والاحتفاظ بمقوماتها. وقد تأتي بعد ذلك مرحلة تالية يتم فيها عمل نسخ من هذه المعلومات يمكن تخزينها وحفظها في أماكن ومواقع آمنة, ليس من الضروري أن تكون كلها على سطح كوكب الأرض, والرجوع إليها وقت الحاجة. وسوف يساعد ذلك على ضمان استمرار عقل الإنسان الفرد في الوجود وخلوده إلى الأبد رغم موته الفيزيقي. ويمكن لأي شخص أن يحقق لنفسه هذا النوع من الخلود عن طريق استخدام أجهزة أو أدوات صغيرة ودقيقة للغاية تراقب وتسجل سلوكه وتصرفاته وأفكاره وانفعالاته يوما بيوم وعاما بعد عام, بحيث يتكون من هذا كله ما يمكن اعتباره ذاكرة معلومات لعقل جديد. وقد يحتاج الأمر إلى إجراء عملية جراحية صغيرة في المخ يستطيع أن يقوم بها بكل دقة ومهارة جراح روبوتي متخصص في هذا النوع من العمليات الدقيقة الصعبة, والتي يمكن عن طريقها نقل المعلومات من مخ الإنسان البشري بكل محتوياته إلى مخ الروبوت. وقد يسهم تفريغ كل هذا القدر الهائل من المكونات الذهنية المتراكمة في تنشيط عقل الروبوت وذاكرته, بحيث يستطيع الدخول في حوار مباشر مع عقل الإنسان البشري. وسوف تضعف بمرور الزمن قوة العقل البشري على التفكير والتذكر والتخيل وهذا أمر طبيعي, ولكن يقابل ذلك الضعف والتراجع ازدياد قوة وقدرة ونشاط عقل الروبوت, بحيث يؤدي كل الوظائف التي يعجز الإنسان عن أدائها بحكم التقدم في السن. وحين يأتي الوقت الذي يموت فيه مخ الإنسان البشري يكون العقل نفسه قد احتل كمبيوتر الروبوت.

فعملية نقل محتويات المخ البشري تمثل إذن الخطوة الأولى في تحقيق الخلود الذي يصبو إليه البشر, أو أنها سوف تضمن على الأقل عدم ضياع المعرفة التي يحملها المرء أثناء حياته, بحيث لا تزول وتندثر باختفائه الجسدي وتحرم الإنسانية من تلك المعرفة, لأن العلم سوف يتمكن من تفريغ هذه المعرفة بعد ذلك من المخ الروبوتي إلى عقول وأمخاخ الأبناء والأحفاد, فيكتسبون مهارات وأفكار وقدرات الأسلاف ويتحقق بذلك مبدأ تراكم المعرفة بكل ما يترتب عليه من تقدم الجنس البشري والمجتمع الإنساني بوجه عام. فظاهرة الموت بالمعنى المعروف والمألوف سوف تختفي نظرا لاستمرار وجود المرء في صورة حياته العقلية والوجدانية, التي تنتقل عن طريق هذه العمليات المتبادلة إلى الأجيال التالية. والأغلب أن تمتد هذه العمليات إلى الكائنات الحية الأخرى التي تتمتع بأمخاخ كبيرة نسبيا, يعتقد بعض العلماء أنها قد تكون قادرة على اختزان كثير من التجارب التي اكتسبتها خلال التاريخ التطوري الطويل, والتي يمكن حفظها في (بنوك معلومات) خاصة يمكن تزويدها طيلة الوقت بتجارب الأجيال المتتالية من تلك الكائنات الحية.

ولكن التساؤل الذي يحير العلماء والباحثين في هذا المجال - وهو تساؤل فلسفي وأخلاقي إلى حد كبير - هو: ألا يؤدي استمرار وجود الإنسان الآدمي, على هذا الشكل وتلك الصورة, إلى تدهور مكانته وإهدار معنى (الإنسانية) التي ينفرد بها ومدى ما قد يطرأ على مفاهيم الوعي والإدراك والوجدان من تغيرات حين تنتقل إلى مخ الآلة التي يصنعها هذا الإنسان الآدمي بنفسه? وتؤرق هذه الاعتبارات الأخلاقية الكثيرين من المفكرين بل والعلماء الذين لا يزالون ينظرون إلى الإنسان الآدمي على أنه كائن متفرد بين كل الكائنات وينبغي أن يظل محتفظا بهذا التفرد. ثم هل يمكن للروبوت أن (يرث) هذا العالم حقا ويكون ذلك بداية لقيام حضارة جديدة تفوق كل الحضارات التي أبدعها الإنسان الآدمي خلال تاريخه الطويل, بحيث تكون هذه الحضارة الروبوتية (حضارة سوبر super civilization) حسب التعبير المستخدم في بعض الكتابات عن الموضوع, وذلك على اعتبار أنها ستكون نتاجا للتطورات بعد البيولوجية ولعمليات نقل أو على الأصح (تهجير) العقول الآدمية إلى تلك الكائنات الآلية الجديدة?

وقد يكون من الصعب الإجابة على هذه التساؤلات ولكنها تساؤلات مشروعة. ويقول مورافك في ذلك في بداية كتابه الذي سبقت الإشارة إليه (إنني أعتقد أن وجود الروبوتات التي تحتفظ بالذكاء البشري سيكون أمرا عاديا ومألوفا خلال خمسين سنة, وأن عمليات التطور التي سوف تحدث في المستقبل لتلك الروبوتات ستكون أسرع عشرة بلايين مرة من عمليات التطور التي تكلم عنها داروين, مما يعني أن الجنس البشري سوف يفقد قدرته على المنافسة في الارتقاء في سلم التطور).

وهناك ما يشير إلى أن الأجيال التالية من هذه الروبوتات الذكية سوف يكون لها جلد وعضلات صناعية, كما ستكون قادرة على التعبير باستخدام حركات الوجه والعيون بل وعلى أن (تحلم) وتتخيل مما قد يؤهلها للدخول في علاقات تكافل - إن صح التعبير - مع البشر بحيث تأخذ عنهم الخبرة والتجربة اليومية والأفكار والآراء المتنوعة ومرونة الحركة وشدة الإحساس بينما يستفيدون هم من قدراتها الحسابية الفائقة, واتساع مجالات الاتصال المتاحة للكمبيوترات التي تدخل في تركيب أمخاخها. ومن الصعب في رأي كثير من العلماء التنبؤ من الآن بما سيكون عليه الوضع بعد عشر سنوات فقط, ولكن أحد أساتذة معهد طوكيو لعلوم الصناعة يتوقع أن تفوق مبيعات هذه الروبوتات الذكية مبيعات السيارات بعد عشرين سنة. والجدير بالذكر أن هذا المعهد الياباني هو الذي توصل إلى صنع الجلد الصناعي الشبيه بجلد الإنسان الآدمي ليكسو به جسم هذه الروبوتات حتى يزيد التقارب في المظهر بين الاثنين من ناحية ويساعد من الناحية الأخرى على مرونة الحركة. وقد استطاعت بعض هذه الروبوتات أن تسير بطريقة طبيعية ودون اهتزازات وتقطع ميلا كاملا في الساعة قد يرتفع إلى ثلاثة أميال في وقت غير بعيد.

وتهدف معظم الجهود المبذولة الآن إلى إكساب الإنسان الآلي أو الروبوت صفات وخصائص الإنسان البشري, حتى يمكن قبوله وتقبله في المجتمع الإنساني بسهولة, وإن كان البعض يتخوف من ردود الفعل التي قد تصدر ضد هذه الروبوتات الذكية, إذا زالت كل الفوارق الظاهرية والمظهرية, بحيث يصعب التمييز بين الإنسان الطبيعي والإنسان الآلي الصناعي, وبخاصة فيما يتعلق بملامح الوجه وشكل العينين وحركات الأطراف وطريقة الكلام ومخارج الألفاظ وغيرها من الملامح والخصائص البشرية المتميزة والمميزة, أو إذا نجحت هذه الجهود في إيجاد أسلوب وطريقة يتم بها التواصل بين هذه الروبوتات, بعضها بعضا, واختراع لغة خاصة يتم بها التخاطب والتفاهم وتبادل الآراء والمشاعر بعيدا عن التدخل البشري. وإمكان تحقيق هذه النتائج يثير كثيرا من القلق لدى بعض العلماء أنفسهم, الذين يخشون أن تؤدي نتائج البحوث وتطبيقاتها إلى تحكم هذه الروبوتات في حياة البشر, وبخاصة حين تفلح هذه البحوث في إنتاج روبوتات يمكنها القيام بعمليات التدريس والتعليم أو مرافقة ومؤانسة كبار السن والأشخاص الذين يعانون العزلة والوحدة وإهمال الأهل والأصدقاء وغير ذلك من الأوضاع التي قد تؤدي إلى ازدياد الاعتماد على تلك الكائنات الصناعية.

ومهما يكن من أمر هذه التخوفات فالواقع هو أن ثمة جهودا كثيرة تبذل الآن لتطويع الأجيال أو (السلالات) الجديدة من الإنسان الآلي للتعامل مع البشر بطريقة لا تثير الاستفزاز بل تدعو إلى الراحة والمتعة مما يشجع البشر على التجاوب مع هذه الروبوتات الذكية بحيث تقوم بين الطرفين علاقة تفاهم إيجابي متبادل. وليست فاليري إلا بداية لما يمكن أن يتحقق في هذا المجال. ومن الطريف أن طلبة قسم المسرح في جامعة كارنيجي ميلون بدأوا يهتمون بتقديم مسرحيات عن حياة فاليري وعلاقاتها الشخصية وتقلباتها المزاجية, وذلك في محاولة من جانبهم لإبراز نوع العلاقات الحميمة التي يمكن أن تقوم بين الإنسان الآدمي العادي والروبوتات التي تعتبر امتدادا للجنس البشري, وأمينا على ذكرياته وأفكاره وأحاسيسه ووجداناته, وأداة لتوصيل هذا كله للأجيال التالية من كلا الجانبين على مر العصور.

 

أحمد أبو زيد