اقتصاد المعرفة.. أحد صور العولمة

اقتصاد المعرفة.. أحد صور العولمة

في العدد (546) مايو 2004 من مجلة (العربي) في باب (اقتصاد) وتحت عنوان (اقتصاد المعرفة) أين نحن منه?) يطرح د. محمد دياب. سؤالا: أين نحن, كمجتمعات عربية, من هذا التطور العاصف للعلوم والتكنولوجيا, من هذا الاتساع الهائل لنطاق المعرفة ودورها?!

ففي بدء الألفية الثالثة, يتزايد الإدراك بأن الجنس البشري يمر على أعتاب مرحلة جديدة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, تعتبر العولمة أبرز سماتها الرئيسة. فقد أصبح العالم قرية كونية صغيرة مرتبطة بسوق إلكترونية أو فضاء إلكتروني واحد تنتقل المعلومات الاقتصادية والعلمية بسرعة الضوء في عالم لا يوجد فيه مكان للسرية. ولقد أصبح التحدي الذي يواجه العالم في ظل العولمة أكثر حدة, كما يقر بذلك كثيرون, فإن للعولمة - التي وصفت بحافلة من دون سائق - عواقب خطيرة وآثارا غير محمودة, ولا يمنع ذلك من أنها قد تتيح فرصا جديدة, ومن ثم, فلسنا وحدنا في العالم الإسلامي من يتخوف من العولمة, ففي داخل الأسرة الغربية من يحذر بشدة ويقاوم هذه الظاهرة وفي مقدم هؤلاء الفرنسيون والكنديون.

العولمة هذا المصطلح الفضفاض, والمفهوم الواسع الذى دخل القاموس السياسي والثقافي فى السنوات العشر الأخيرة, وأقيمت له مئات المؤتمرات, وآلاف الندوات, لها معان وجوانب متعددة. فهناك العولمة الاقتصادية, والعولمة السياسية, والعولمة الثقافية, والعولمة الإعلامية والمعلوماتية وغيرها. العولمة تأتى من العالم أو العالمية فى مقابل المحلية, وتعني أن تتعامل مع العالم بأسره وكأنه سوق واحد أو كيان واحد لا تفصل بين أجزائه وأقطاره حدود أو حواجز, وهي بهذا الفهم تشكل تحديا كبيرا للكيانات القطرية التى تريد أن تحافظ على خصوصيتها أو خياراتها الخاصة داخل حدودها في وجه المؤثرات الخارجية بمختلف أنواعها.

إن للعولمة أهدافا أبعد من الربح وأبعد من التجارة الحرة والحدود المفتوحة والأسواق الحرة, إن الخطر يكمن فيما يسمى بـ (ثقافة العولمة) أكثر. تروج العولمة لأربع ثورات أساسية من المتوقع أن يكون لها تأثير كبير في حياة الناس جميعا وسط تحديات هائلة. وهذه الثورات هي: الثورة الديمقراطية, الثورة التكنولوجية الثالثة ـ أو ما بعد الثالثة, ثورة التكتلات الاقتصادية وبخاصة العملاقة., ثورة اقتصاد السوق وحرية التبادل التجاري, بعد قيام المنظمة العالمية للتجارة.

وفي إطار هذه الثورات وما ينتج عنها من آثار يتم بناء النظام العالمي (العولمة), ويعتمد فيه الاقتصاد على استثمار الوقت بأقل تكلفة وعن طريق استخدام المعرفة الجديدة وتحويلها إلى سلع أو خدمات جديدة أو التحسين السريع والمستمر في المنتجات وطرق التصنيع والدخول بها إلى الأسواق بطريقة فعالة. ولم تعد التنمية الاقتصادية تعني التغيير من وضع سيئ إلى وضع أفضل, بل المهم هو الوقت الذي يستغرقه هذا التغيير.

كيف تحدث العولمة? وبأي طريق أو من خلال أي قنوات تتم حركة وانتقال البضائع والخدمات والأفراد ورأس المال والأفكار والمعلومات والرموز والاتجاهات وأشكال السلوك عبر الحدود? وما هو دور الشركات متعددة الجنسية في ذلك?

رغم التقدم الكبير الذي حققته شبكة الانترنت, غير أنها لاتزال تعاني من مشكلات بخصوص أمن المعلومات وعمليات التخريب الإلكتروني المتعمدة والسرقات, وهذا كله يؤدي إلى ضعف الثقة في هذه الوسيلة الحديثة, هذه القضية تعدّ معوقا أساسيا أمام ممارسة التسويق المصرفي على هذه الشبكة العالمية. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هناك مليارات تنفق سنويا للقضاء على هذه المشكلات.

تعاني البلدان العربية من عدم توافر البنية التحتية الكافية لوضع خدمات الانترنت بالقدر الكافي, وهذا يعّد عائقا كبيرا أمام تحقيق التغلغل السوقي المصرفي المنشود في الأسواق العربية والعالمية باستخدام الانترنت. وهناك أسباب أخرى تعزز وتعمق هذا الواقع مثل الأوضاع الاقتصادية وعدم الوعي الكافي بأهمية هذه الشبكة العالمية.

ولابد من العمل على إنجاح العلاقات التجارية في تكوين الأعمال والوصول إلى نتائج ملموسة في النشاط الاقتصادي في ظل الشكاوى من عدم وجود اتصالات كافية للتعارف التجاري بين الدول الإسلامية, بعضها بعضا, وتعثر المؤسسات والهيئات دون تنسيق بينها, ولا يوجد دليل تجاري لكل دولة يكفل تيسير سبل الاتصال وتنمية العلاقات التجارية بين البلدان العربية والإسلامية, ونذكر هنا أن (البنك الإسلامي للتنمية في جدة) حاول ان يشجع التعاون التجاري بين الدول الإسلامية عن طريق التوسع في الإقراض وتشجيع التجارة الخارجية البينية مما أدى إلى نمو الاتصال والتعارف بين هذه البلدان ونمو شبكة التعاملات في تناسب طبيعي مع حجم الأعمال, والمطلوب هو أن تتكامل الجهود للربط الإنساني في العلاقات التجارية وتنمية التعارف بين مجتمعات الأعمال فيما بين البلدان العربية والإسلامية, بعضها بعضا, كما أن التوسع في إقامة المعارض ولقاءات رجال الأعمال والصناعه والتوسع أيضا في ان تصدر كل مجموعة من المراكز الصناعية كتالوجا يشمل بيانا مصورا بإنتاجها وأنواعه, وتنمية سبل تبادل المعلومات ووسائل التجارة وأسلوب الشحن وطريقة تسوية المعاملات والخلفيات المتعلقة بالأعمال وما الى ذلك وتشجيع تبادل الصفقات التجارية المتكافئة.

وقد شهدت السنوات الأخيرة عمليات اندماج كبيرة بين عدد من البنوك التقليدية في أمريكا وأوربا واليابان, وغيرها, بهدف مواجهة تحديات العولمة ومحاولة للصمود في وجه المتغيرات العالمية عن طريق الاستفادة من خفض النفقات, والتوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة. وتمثل الفجوة التكنولوجية تحديا كبيرا للصناعة المصرفية الإسلامية, ذلك أن التسارع في التغييرات والتعقد في الاحتياجات المالية والمصرفية للأفراد والمؤسسات لابد أن يستتبعه تسارع في التطوير والتحديث في النظم والخدمات والمنتجات المصرفية المقدمة لهم. فعلي سبيل المثال بحلول عام 2005 سيصل عدد مستخدمي شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) حوالي 3 بلايين شخص يشكلون90% من القوة الشرائية في العالم, وسيكون التعامل مع الإنترنت ليس فقط من خلال الحاسب الآلي الشخصي وإنما أيضا من خلال قنوات اخرى يجعل التطوير والتحديث وتنويع الخدمات والمنتجات المصرفيه وإدخال التقنيات الحديثة, بالإضافة إلى الاهتمام بالعنصر البشري من حيث التدريب وإعداد الكوادر المؤهلة علميا وعمليا للتعامل مع أحدث التقنيات العصرية أمرا مصيريا للمصارف الإسلامية.

محمود سلامة الهايشة
المنصورة - مصر