مساحة ود شيماء زاهر

  مساحة ود

فانوس رمضان

لم تكن تتوقع أن الفانوس الذي أحضره أبوها لها لا يتكلم. وحين حملت الفانوس وأضاءته وأطفأته ورفعته ووضعته وتأكد لها أن الفانوس أبدا لا يخرج أصواتا كما كانت تريد, بدأت تجهش بالبكاء وهي تنظر للفانوس في استياء وتذمر شديدين. وعندما سمع الأب صوت بكاء ابنته, أخذ يهرول إلى الصالة وهو فزع يفكر فيما حدث وجعل ابنته تبكي كل هذا البكاء الشديد.

وعندما وصل إلى الصالة, لم يكن باستطاعته أن يفهم ما بها. وبعد عناء استطاع أن يفهم أن الفانوس لا يعجبها وأنه لا يتكلم. حتى عندما حاول الأب أن يهدئ من روعها وأخذ يقول لها كلام الآباء وإنه اشترى لها أحلى فانوس في الدنيا وإن الفانوس جميل ويضيء في الليل وله ألوان براقة, كانت تركل الفانوس بقدمها وهي تنظر له في اشمئزاز شديد. حتى عندما حاول محاولة أخيرة وهو يقول لها إن كل الأطفال لديهم فوانيس تتكلم, لكنها هي الوحيدة التي تمتلك هذا الفانوس, كانت تحملق في وجه والدها وتنظر له باستغراب شديد وهي تحرك رأسها وعينيها ويديها وترفض كل ما يقول.

ولولا أن أمها مسافرة في مهمة عمل ولا يوجد أحد في البيت سواه هو وابنته, لربما ترك الطفلة تبكي وذهب هو ليضع رأسه على الفراش ويرتاح وينام حتى الصباح, أو حتى يستلقي بجوارها في الصالة حتى تمل من البكاء وتخلد إلى النوم. لكنه كان يشعر أن بكاء ابنته المستمر يمتد من خديها إلى قلبه هو ويتحول إلى ضيق شديد يستشري في كل أجزاء جسده ويؤرقه. ولم يشعر أنه يعود لطبيعته من جديد وأن ما بداخله من ضيق يتبدد إلا عندما رأى ابنته تمسح دموعها وتبتسم وهو يقول لها إن بإمكانه أن يشتري لها فانوسا آخر, فانوسا تحبه هي وتختاره سواء كان يتكلم أم حتى يتحرك.

ولم تمض ثوان حتى كانت الطفلة ترتدي ملابسها وحدها وتحمل حقيبتها الصغيرة على ظهرها استعدادا للخروج. وخرجا معا وتوقف هو عند أقرب معرض فوانيس قابله. وعندما رأت الفوانيس من بعيد, كانت تضحك هي وتعلق على كل فانوس. وأخذت تتنقل من فانوس إلى آخر وهي لم تستقر بعد على أي فانوس تشتري. وأخذت تقول له إنها محتارة وإنها تعبت من البحث وإن الفوانيس كلها أشكالها جميلة وتتكلم.وكاد أن ينفجر, حتى حين حاول أن يفهمها - وهو يضغط الهواء في صدره - إنه تعب وإن الوقت قد تأخر ويجب أن يعودا إلى البيت, كانت تخبره بنبرة عالية ممتدة أنها تريد أن تشتري أجمل فانوس وأنها ستأخذه معها غدا إلى المدرسة وتريه لكل أصدقائها.

ووقفت تحملق في أحد الفوانيس وهي تنظر إليه بانبهار شديد. وعندما لمحها والدها, كان يطلب من بائع الفوانيس أن يحضر ذلك الفانوس. وفي ثوان كان يدفع الحساب ويحمل ابنته بعيدا حيث تقف السيارة.

وطوال الطريق, كان يسمع الفانوس وهو يردد (رمضان كريم) ويلتفت إلى ابنته وهي تصغي للفانوس باهتمام شديد. وظلت ابنته تردد على سمعه أنها كانت محتارة, وتسأله إن كان الفانوس الذي معها أجمل فانوس. وبانفعال شديد وبنبرة قاطعة, كان يؤكد لها الأب إنه فانوس جميل وأن والدتها وأصدقاءها لابد أنهم سيعجبون به كثيرا, وتزداد تساؤلاتها وتزداد نبرته حماسا وهو يقول لها: إن فانوسها بصراحة شديدة أجمل فانوس رآه حتى الآن. وبين الحين والآخر كانت أذنه تلتقط ما يقوله الفانوس ويلمح ابنته في المرآة وهي تحمل الفانوس باعتزاز شديد, ويبتسم في داخله ويتمنى من كل قلبه أن تنتهي تلك الليلة على خير, وأن يعود هو وابنته إلى البيت سريعا ويأخذها هي وفانوسها في أحضانه حتى تنام.

 

شيماء زاهر