عزيزي القاريء المحرر
المسلمون في عدة صور
أيامٌ ويهل علينا الشهر الكريم, بما يحمله من معان وما يدفعنا إليهِ من تأمل, فيجعلنا نأنس بالسَّـكينة التي وهبَها الله لنا في أيَّامه المبارَكة, ونعيشُ لحظاتِ مراجعةٍ للذاتِ, والتاريخ, عسى أن نجد بين السطور ما ينفع ويبقى.
ولعل ذلك التدبر كان هاجسَ رئيس التحرير, في حديثه الشهري, عن الإسلام والتنمية, بين العقيدة العالية والواقع الهابط, وهو يعرب عن دهشته من المفارقة بين ضخامة قدرات العالم الإسلامي, وهول إهدارها, حتى صرنا في تناول قضية الإسلام والتنمية تتوزعنا اتجاهات متباينة, بين الافتئات المتعسف على الدين الإسلامي في عماء شديد, والافتتان المغالى فيه الذي يمزج بين الإسلام والمسلمين, وهما ليسا واحدًا, وبين اتجاه وسيط يحاول أن يجد, عبر تطبيقات عديدة لمجتمعات إسلامية ناهضة, صورة حية وحقيقية وأملاً في الغد.
وإذا كنا ننظر إلى مستقبل التنمية لدى المسلمين, فذلك لأن الواقع الهابط يعيش حالات متناقضة, وقد رصدت (العربي) في هذا العدد ثلاثة مشاهد من فرنسا والولايات المتحدة والهند, تعكس ـ فيما تعكس ـ صورًا لهذا التناقض الذي يعيشه الإسلام خارج خريطتنا العربية. فرئيس المجلس القومي الأمريكي للشباب المسلم يسعى لإنشاء لوبي إسلامي في بلاده فربما يساعد هذا الأمر في عبور عنق زجاجة الأوقات العصيبة مثل التي عصفت بمسلمي أمريكا بعد أحداث سبتمبر, ويتخطى الحواجز العصبية التي يصنعها المسلمون وفق أعراقهم في المهجر, والرحلة إلى باريس تكشف عن أفكار أئمة الإسلام في المدن الفرنسية بين قبولها أو الحنق عليها, والسفر إلى الهند يقدم صورة من التشبث باللسان العربي عبر مطبعة لا تزال تقدم كنوزًا ورقية بلغة القرآن الكريم منذ العهود العثمانية.
هذا التجوال في الحاضر يمتزج بتجوال في الماضي أيضا لصور إسلامية عديدة, مثل رعاية السلاطين لفن الخط العربي, وممارستهم له, وصورة الفروسية العربية كما يجسدها بطل كبير قاوم الحروب الصليبية, بل ويمتزج أيضا بدعوة مستقبلية إلى أصالة ثقافية تتبنى الهوية الوطنية, أو كما يأخذنا د.أحمد أبو زيد في مستقبلياته إلى معرفة الإنسان الآلي, سليل البشر, بعد أن أصبح التطور التكنولوجي في مجال الروبوت أقرب ـ للوهلة الأولى ـ إلى الخيال العلمي!! وإذا كنا نقلب صفحات العلوم والتقنية والتطور, فإن ذلك لن يتأتى دون النظر إلى مستقبل الجامعات العربية التي من المفترض أن تحتضن بذور النهضة, وهي التي تتعرض منظومتها اليوم للخلل والقيود والضغوط والكساد. ويحاول د. حامد عمار أن يجد وسط هذا النفق المظلم بقعة ضوء في المستقبل.
وهكذا بين رحلة إلى الماضي, وسفر إلى المستقبل, وسبر للواقع تمضي صفحات العدد الذي بين يديك, ولك عزيزي القارئ أن تكتشف مساحتك الخاصة بك في هذا العدد المتنوع الذي نتمنى أن يكون رفيقا لشهر كامل كما عودتك (العربي)