طويلة الحسا. والروبية الهندية. والشلن النمساوي. عملات تداولتها الكويت صادق يلي410

تاريخ العملة لأي بلد ليس جزءاً من التاريخ الاقتصادي فقط. ولكنه يمثل صورة واضحة لتشابك العلاقات الاجتماعية والتجارية. وتاريخ العملة في الكويت هو رحلة هذا البلد الصغير من أجل إيجاد هويته وشخصيته المميزة.. لقد تعامل الكويتيون بكل أنواع العملات المعروفة في كل الأماكن التي وصلت إليها سفنهم وتوطدت بينهم العلاقات التجارية ثم تبلور كل هذا عن العملة الكويتية التي تعد الآن واحدة من أهم وأقوى العملات في العالم.

تؤكد الدراسات التي قام بها بنك الكويت المركزي ونخبة من هواة جمع المسكوكات المعدنية وأوراق البنكنوت أنه ومع البدايات الأولى لاستيطان أسرة آل الصباح ومن كان معهم من الأسر، منطقة القرين والتي عرفت فيما بعد باسم الكويت، فإن الحياة لم تكن تستدعي وجود عملة للتداول، فقد كانت أمور البيع والشراء تتم عن طريق المقايضة، ومع مرور السنين وتشابك المصالح وتعقدها، تطلب الأمر وجود عملة يكون بموجبها البيع والشراء. لذلك تداول الكويتيون مجموعة من العملات المعروفة والمحيطة بهم، فقد تداولوا في البداية عملة "طويلة الحسا" وهي العملة التي كانت تتداولها قبيلة بنو خالد الذين كان نفوذهم يمتد على منطقة شرق الجزيرة العربية، و "طويلة الحسا" عملة نادرة وغريبة الشكل، فمنظرها لا يدل على أنها عملة فهي على شكل مشبك شعر، وفي العادة تكون المسكوكات دائرية أو مربعة الشكل، مع وجود شرشرة أو انحراف في زواياها الأربع" . وتتألف "طويلة الحسا" من ثلاثة أصناف من العملات هي: طويلة الحسا ذهبية، وتعادل 15 فضية، وطويلة الحسا فضية وتعادل 15 نحاسية، ثم طويلة الحسا نحاسية. وتؤكد روايات بعض المسنين والمتتبعين لتاريخ الكويت بأن "طويلة الحسا" كانت أول عملة تم تداولها في الكويت بعد انتخاب الشيخ صباح بن جابر عام 1752 م كأول أمير للكويت.. إلا أن هذه العملة لم تعمر طويلاً ، وحلت محلها مجموعة من العملات، كان في مقدمتها الريال النمساوي والذي عرف في الكويت خطأ بالريال الفرنسي، وكذلك تدوولت العملة العثمانية الذهبية والتي يطلق عليها الكويتيون اسم النيره، وبعض أجزاء العملة العثمانية الفضية، كما تداولت الكويت كذلك العملة الفارسية والتي تعرف بالقوارين ومفردها قران.

الريال النمساوي

وقد عرفت الكويت الريال النمساوي، أو ريال الملكة تريزا أو الريال الفرنسي أو ريال الفضة، وكلها تسميات مختلفة لعملة واحدة عرفت بالكويت خطأ بالريال الفرنسي. والحقيقة أنه ريال نمساوي يحمل صورة الملكة تريزا ملكة النمسا، وكانت لهذا الريال مكانته وكان يستخدم في دول عديدة في المنطقة، وبخاصة في دول شبه الجزيرة العربية. فلا غرابة أن يدخل الكويت، ويحتل مكانة بارزة بين العملات لكونه من الفضة ولكبر حجمه. فهو عملة دائرية كبيرة، وقد ضرب في النمسا عام 1780م وكان يزن نحو 27.8 غرام، وهو أكبر عملة فضية عرفت وجرى تداولها في الكويت. وكان الريال النمساوي هذا يساوي نحو 2.5 روبية، كما أن كل 6 ريالات نمساوية تساوي ليرة عثمانية ذهبا، كما كان الريال يساوي 250 قرش فضة عثمانيا، وتقول الدراسات إن الريال النمساوي دخل الكويت عام 1790م، واستمر بالتداول  لفترة طويلة حتى دخول الروبية الهندية إلى الكويت فبدأ في الانحسار تدريجيا من الأسواق، إلى أن انقطع تداوله نهائيا بعد عام 1925.

قوارين فارسية

ونتيجة لوصول السفن الكويتية إلى موانئ الخليج العربي، وارتباط تجار الكويت بعلاقات تجارية قوية مع إيران، وبخاصة المواد الغذائية وتجارة السلاح التي كانت رائجة في ذلك الوقت، بالإضافة إلى نزوح الكثير من الإيرانيين واستقرارهم في الكويت، فقد حمل هؤلاء التجار والنازحون العملة الفارسية وأدخلوها إلى الكويت، وقد بدأ دخول العملة الفارسية إلى الكويت منذ عام 1795 حتى عام 1825، حيث توقف التعامل بها بسبب تعقيدات معادلتها مع بعضها البعض، ولصعوبة احتساب أجزائها مع الريال النمساوي المتداول في تلك الفترة.

أما الوحدات النقدية التي جرى تداولها في الكويت من العملة الفارسية فكانت وحدات صغيرة الحجم، وكانت تسمى ب "القوارين" جمع "قران" ، وكان منها عملة تعرف ب "الشرفي" وتعادل عُشر الريال النمساوي تقريبا، كما تعادل خُمس الروبية الهندية. وعرف من أنواع هذه العملة كذلك "أبودبيلة" وكانت عملة نحاسية دائرية، وكانت تعادل 1 : 50 من الريال النمساوي ونحو 1 : 25 من الروبية الهندية، وعرفت منها أيضا "الشاهية" وهي كذلك عملة نحاسية دائرية، وكانت مؤلفة من ثلاث فئات : 1 شاهي و 5 شاهي و 10 شاهي. وكان الشاهي الواحد يعادل 1 : 250 من الريال النمساوي، و 5 شاهي يساوي 1 : 50 من الريال النمساوي، و 10 شاهي يساوي 1 : 25 من الريال النمساوي، وقد سميت بالشاهية نسبة إلى ملوك الفرس الذين يلقبون بالشاه، وكان عليها الشعار الفارسي وهو الأسد والسيف. أما القران وهي من العملات الفارسية الفضية، وكانت تساوي أربع "آنات" هندية فضية وكانت تحمل الشعار الفارسي الأسد والسيف أيضا.

ومن العملات التي كانت متداولة في الكويت العملة العثمانية، كعملة مكملة، وكان منها الليرة العثمانية الذهبية والتي عرفت بالكويت باسم "النيرة" وتحسب على أساس أن كل 5 ريالات نمساوية تعادل ليرة عثمانية ذهبية، كما أن الليرة العثمانية كانت تعادل 15 روبية فضية، وكذلك عرفت الليرة العثمانية بالريال المجيدي لأنها صكت في عهد السلطان عبدالمجيد، وقد دخلت الليرة العثمانية الكويت في عام 1790، وكانت الليرة العثمانية تستخدم كوسيلة ادخار مضمونة. أما أجزاء الليرة فهي 100 قرش فضة، و 50 قرش فضة، و 20 قرش فضة، وعشرة قروش فضة، وخمسة قروش فضة وقرشان فضة. وقد اختفت أجزاء العملة العثمانية من أسواق الكويت بعد دخول الروبية الهندية الكويت مباشرة.

عملة كويتية

وقد حاول الشيخ عبدالله بن صباح بن جابر الصباح الحاكم الخامس للكويت خلال الفترة من 1866- 1892، أن يسك عملة وطنية كويتية تعبيرًا عن الوطنية والسيادة قيمتها "بيزة" وقد تم سك هذه العملة بالوسائل اليدوية فكان شكلها غير منتظم، وقد تم طرح بضع مئات منها في الأسواق، ولكن تداولها لم يستمر سوى بضعة شهور، حيث أوقف التداول لأن الكويت كانت في ذلك الوقت تستخدم روبية الملكة والإمبراطورة فكتوريا، ومن بين أجزاء هذه الروبية فئة البيزة المتداولة في الهند بالإضافة إلى دول الخليج العربي والكويت، ولأن البيزة الهندية كانت أقوى في التعامل لوجود غطاء من الذهب لها، بينما لم يكن هناك غطاء من الذهب يحمي البيزة الكويتية. وقد كانت البيزة الكويتية من النحاس الأحمر غير كاملة الاستدارة لأنها مسكوكة يدويا، وكان على الوجه الأول ختم الشيخ عبد الله بن صباح، وعلى الوجه الآخر عبارة ضربت في الكويت سنة 1304 هـ.

بداية دخول الروبية

ومع بداية القرن التاسع عشر الميلادي أخذ اسم الكويت يرتفع في المنطقة، وازداد سكانها ازديادا كبيرا نتيجة الهجرة من الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، فازدهر النشاط التجاري البحري، ووصلت السفن الشراعية الكويتية محملة بتمور العراق إلى موانئ الهند مثل كراتشي وبومباي وكلكتا، بل إن أسطول الكويت التجاري وصل إلى أبعد من ذلك، حيث كانت السفن الكويتية قد وصلت إلى الشواطئ الشرقية للقارة الإفريقية مثل ميناء زنجبار ولامبو وممباسا ودار السلام، أضف إلى ذلك ازدهار الحياة الاقتصادية في الكويت بفضل عائدات بيع اللؤلؤ، الذي كان يحمله تجار اللؤلؤ والذين يسمون بالطواشين إلى الهند، لبيعه إلى أمراء الولايات الهندية والمهراجات الذين كانوا يدفعون الأموال الطائلة في سبيل الحصول على اللؤلؤ. وكان التجار يتسلمون قيمة ما يبيعونه من لؤلؤ في الهند بما يعادل قيمته بالذهب، وذلك لأن الكويت لم تكن وقتها تستخدم الروبية الهندية في معاملاتها، فكان البيع يتم بالوحدة الذهبية المتداولة في الهند في ذلك الوقت والتي تعرف بالمهر، وكان المهر يعادل نحو 15 روبية، ومع ازدياد مبيعات تجار اللؤلؤ وتعدد وكلائهم في بيع وتصريف تلك المادة النفيسة، اضطر هؤلاء التجار مرغمين إلى قبول تحديد أسعار اللؤلؤ بالروبية الهندية، أما الأسباب التي أرغمت التجار على قبول الروبية الهندية فهي أن حكام الولايات والمهراجات لم يرغبوا في دفع القيمة بالذهب، لبداية ظهور بوادر انهيار حكمهم في الولايات، ومحاولة الاحتفاظ بالذهب كادخار مضمون، وكذلك لارتفاع قيمة الذهب في الهند وتشدد رجال الجمارك الهنود في دخوله وخروجه. لذلك اضطر تجار اللؤلؤ الكويتيون إلى تسلم قيمة اللؤلؤ بالروبيات الهندية وطرحها في أسواق الكويت كعملة للتداول.

وفي دراسة قيمة قام بها الأستاذ عادل محمد العبد المغني تحت عنوان "تاريخ العملة في الكويت" يقول إن السنة التي دخلت فيها الروبية الهندية إلى الكويت كانت ما بين 1830 و 1835. والحقيقة أن الروبية الهندية كانت ذات قيمة شرائية قوية، بل كانت من العملات القوية المعروفة في العالم، فعندما دخلت الكويت اكتسحت العملات الأخرى المتداولة وعلى رأسها ريال الملكة تريزا، فقد بقي الريال ملازماً للروبية لكونه من الفضة. ولكبر حجمه حيث كان يعادل 5. 2 روبية، وقد بقي الريال النمساوي متداولاً في الكويت حتى عام 1921 وبعدها اختفى من الأسواق.

سبعة أنواع من الروبيات

وقد تداولت الكويت سبعة أنواع من الروبيات تباعاً، منذ أن دخلت الروبية إلى الكويت ما بين عامي 1830 و 1835 وحتى صدور المرسوم الأميري لسنة 1961 بإلغاء الروبية الهندية وتداول الدينار الكويتي كعملة وطنية.

ومن المعروف أن الروبية الهندية تنقسم إلى أجزاء. أما الوحدة الحسابية للروبية، وهي كقاعدة أساسية ثابتة لجميع الأنواع السبعة من الروبيات فكانت على النحو التالي: المهر الذهبي يساوي 15 روبية، والروبية تساوي 16 آنة، والآنة تساوي 4 بيزات، والبيزة تساوي 3 أرويات. أما أول روبية دخلت الكويت فكانت روبية الملك وليم الرابع والذي حكم بريطانيا منذ عام 1830 حتى عام 1837، وكانت هذه الروبية فضية تحمل على أحد وجهيها صورة الملك وليم الرابع، أما الوجه الآخر فكان يحمل عبارة روبية واحدة مع اسم شركة الهند الشرقية. أما أجزاء الروبية فكانت نصف روبية وهي من الفضة أيضا، ثم أربع أنات فضة ثم بيزتين، وقد صنعت من النحاس وهي أبر من الروبية، وكان على الوجه الأول منها رسم الشعار البريطاني، وعلى الوجه الآخر كتب 1/ 2 آنة واسم شركة الهند الشرقية، ثم بيزة وكانت بحجم نصف الروبية وهي من النحاس أيضا، وكان على الوجه الأول الشعار البريطاني وهو صورة أسدين متقابلين بينهما درع وعلمان وعلى الوجه الآخر عبارة 1/ 4 آنة مع اسم شركة الهند الشرقية، ثم نصف بيزة وهي مصنوعة أيضاً من النحاس، ثم الآروي وكانت قطعة صغيرة من النحاس وبنفس رسوم البيزة.

أما الروبية الثانية فكانت روبية الملكة والإمبراطورة فيكتوريا والتي حكمت بريطانيا منذ عام 1837 حتى عام 1901 وكان الكويتيون يطلقون عليها "ربية أم بنت" والمعروف أنه خلال حكم الملكة والإمبراطورة فيكتوريا تداولت الكويت أربعة أشكال من الروبيات، وكل روبية تحمل صورة فيكتوريا مع اختلاف الصورة والعبارات المدونة على الروبية وأجزائها والنوع الثالث من الروبيات كانت روبية الملك والإمبراطور إدوارد السابع، وكان الأهالي يطلقون عليها "ربية أم صلعة" ، وقد حكم الملك والإمبراطور إدوارد السابع بريطانيا من عام 1901 إلى عام 1910، وفي هذه السنوات برز اسم الكويت ككيان له مكانته واعتباره السياسي في المنطقة، كما زاد النشاط الاقتصادي للكويت فارتفعت صادرات اللؤلؤ الطبيعي إلى الهند وبعض بلدان ساحل إفريقيا الشرقية، وفي ذلك الوقت بلغ عدد سفن صيد اللؤلؤ ما يقارب نحو 820 سفينة يعمل عليها نحو 30 ألف بحار، وقد وصل هذا الازدهار الاقتصادي الذروة مع حلول عام 1912، وفي هذه الفترة ترسخ التداول بالروبية نظراً لقوتها الاقتصادية واتساع نطاق المتعاملين بها في منطقة الخليج.

الأوراق النقدية

ومع بدايات القرن العشرين ونتيجة لكبر حجم التعامل الاقتصادي والتجاري مع الهند، بدأ استخدام الأوراق النقدية والتي يطلق عليها في الكويت اسم "النوط" وتعتبر فترة حكم الملك والإمبراطور إدوارد السابع هو العهد الذي استخدمت فيه الكويت الأوراق النقدية، وكانت من فئة الخمس والعشر والعشرين والخمسين والمائة روبية، ولم تكن الأوراق النقدية الأولى التي عرفت وتدوولت في الكويت تحمل صورة الملك والإمبراطور إدوارد السابع، كما كان توقيع اعتماد الورقة النقدية ليس طباعة، ولكنها موقعة يدويا على الورقة النقدية بعد طباعتها، وقد اتخذت الأوراق النقدية التسلسل الرقمي، أما الوجه الآخر للورقة النقدية فكانت بيضاء ولا تحمل أية كتابة، وأثناء تداول هذه الروبية شهدت الكويت ازدهاراً، اقتصادياً كبيراً فقد تعددت الأسواق التجارية وتنوعت اختصاصاتها، وبرزت مدينة الكويت كإحدى الموانئ التجارية المهمة على ساحل الخليج العربي، وارتفعت عائدات بيع اللؤلؤ سنة 1912. وبعد هذه السنة ظهر اللؤلؤ الصناعي الياباني، ومن بعدها بدأ كساد سوق اللؤلؤ الطبيعي. أما المسكوكات المعدنية فكانت الروبية الفضية وأجزاءها، وهي نصف روبية فضية وأربع آنات فضية وآنتان فضة وآنة دائرية مشرشرة ومصنوعة من النحاس المخلوط بالنيكل، ثم البيزة و 1 : 2 البيزة والأروى.

أما الروبية الرابعة التي استخدمتها الكويت فهي روبية الملك والإمبراطور جورج الخامس، والذي حكم بريطانيا منذ عام 1910 حتى عام 1936، وأطلق عليها الكويتيون "ربية أم شايب" وفي عهد الملك والإمبراطور جورج الخامس وجدت أول ورقة نقدية طبع عليها صورته وكان ذلك في عام 1925 وكانت من فئات الخمس روبيات وفئة العشر روبيات وفئة الروبية الواحدة وكذلك فئة الخمسين روبية وطبعت عام 1926 ثم ورقة نقدية فئة الألف روبية طبعت عام 1928 وكان لونها أخضر وتحمل صورة الملك والإمبراطور جورج الخامس.

روبية أم ولد

وكانت الروبية الخامسة التي دخلت الكويت هي روبية الملك والإمبراطور جورج السادس، وكان الكويتيون يطلقون عليها "روبية أم ولد" وقد حكم هذا الملك بريطانيا خلال الفترة من عام 1936 حتى عام 1952، وأثناء حكمه استقلت الهند عام 1947، وقامت دولة الباكستان وكونت وحدة سياسية قائمة بذاتها. وأثناء حكم الملك جورج السادس استخدمت الكويت نوعين من الروبيات المعدنية هما روبية من الفضة وروبية من النيكل، كما استخدمت كذلك نوعين من أجزاء الروبية كما تداولت الكويت أثناء حكم الملك جورج السادس الورقة النقدية فئة الألف روبية وفئة المائة روبية وفئة 10 روبيات التي صدر منها نوعان، أزرق زيتوني وبنفسجي مائل إلى الاحمرار، وكذلك فئة الخمس روبيات التي صدر منها نوعان ورقة نقدية لونها أخضرمائل إلى البني وورقة لونها أخضر فاتح، ثم ورقة فئة 2 روبية وفئة الروبية الواحدة.

أسد أسوكا

كانت الربية السادسة التي تداولتها الكويت هي روبية حك^ة الهند وقد أطلق عليها الكويتيون اسم "ربية أم صنم " وكان ذلك منذ عام 1947 حتى سنة 1957، فبعد استقلال الهند عن بريطانيا طرحت حكومة الهند أصراقا نقدية وربيات معدنية جديدة تختلف عن سابقاتها، حيث اختفت صور ملوك بريطانيا التي كانت تتصدر فئات الروبيات والأوراق النقدية السابقة، ليظهر مكانها رسم الشعار الهندي "أسد أسوكا" وقد استمر تداول الروبية والأوراق النقدية السابقة في الكويت حتى صدر إعلان في الجريدة الرسمية الكويتية "الكويت اليوم" بتاريخ 2/6/1956 والذي تم بموجبه إعطاء مهلة ستة شهور تمهيدًا لإلغاء تداول الروبية والأوراق النقدية التي تحمل صورة الملك والإمبراطور جورج السادس واستبدال العملة الجديدة بها. أما الروبيات الهندية التي تم تداولها في الكويت منذ استقلال الهند في 14 أغسطس عام 1947 وحتى عام 1957، فهي روبية من النيكل على وجهها الأول رسم الشعار الهندي أسد أسوكا وعبارة حكومة الهند، وعلى الوجه الآخر رسم سنبلتين وعبارة روبية واحدة. وقد عرفت هذه الروبية في الكويت باسم "ربية أم صنم" وكذلك فئة نصف روبية وأربع آنات وآنتين وآنه وبيزتين وبيزة، أما الأوراق النقدية فكانت فئة 2 روبية و 5 روبيات و 10 روبيات و 100 روبية.

وقد استخدمت حكومة الهند بعد الاستقلال النظام العشري في الوحدات المعدنية، حيث قسمت الروبية إلى 100 سنت والنصف روبية إلى 50 سنتا وهكذا. وقد عرف هذا التقسيم الجديد باسم "نايا بيزا" وقد أصدرت الكويت إعلاناً بذلك نشر في الجريدة الرسمية "الكويت اليوم" ومؤداه تطبيق قانون العملة الهندية المعدل، وأن هذا القانون سيكون ساري المفعول في يوليو 1957، واعتبارًا، من ذلك التاريخ أصبح لزاما على كل فرد في جميع أنحاء البلاد أن يستعمل "النايا بيزا" عند الإشارة إلى أجزاء الروبية، واعتبرت الآنة الواحدة تساوي 6 نايا بيزة و 12 آنة تساوي 75 ناية بيزة.

الروبية الخليجية

أما آخر روبية استخدمت في الكويت فهي الروبية الهندية المخصصة للخليج، وقد بدأ استخدامها في 1/ 6/ 1959 وحتى 30/3/ 1961.

وقد جاء ذلك عندما أعلنت حكومة الهند عن نيتها فصل الروبية المتداولة في الهند عن مثيلاتها المتداولة في الكويت وبلدان الخليج العربي، فقامت حكومة الهند بطباعة نماذج جديدة من الأوراق النقدية تختلف في اللون لاستخدامها فقط في الكويت ودول الخليج العربي. وكان لهذا القرار صدى كبير في الأوساط التجارية، لأن الكويت ودول الخليج العربي - وهي البحرين وقطر والأمارات العربية وجزء من سلطنة عمان - قد ارتبطت بالروبية الهندية منذ القدم، ومرجع هذا الارتباط هو قوة ومتانة تلك الروبية وقيمتها الاقتصادية، ثم ما قد يترتب على تداول عملة جديدة منفصلة عن الروبية الهندية، فربما يكون لهذا تأثير سيىء على الاقتصاد الكويتي واقتصاديات دول الخليج العربي.

ومع أن حكومة الهند طمأنت حكومة الكويت وحكومات دول الخليج العربي بأن إجراء تغيير العملة سوف يطبق بدون مشاكل، وأن الأمور سوف تسير في سهولة ويسر، كما أن عمليات تحويل العملة. سوف تطبق بدون مشاكل، كما أن حكومة الهند أعطت امتيازات التداول للروبية الجديدة بحرية دخولها للهند بدون قيود للمسافرين ولأي كمية كانت، إلا أنه ومع مرور الوقت وجدت بعض العراقيل في الاستبدال ودخول الروبية الجديدة إلى الهند، فقد وضعت حكومة الهند بعض القيود على دخول الروبية الجديدة المتداولة في الكويت والخليج وتنصلت من وعودها السابقة بشأن منح ميزة خاصة للروبية الجديدة والسماح للرعايا الكويتيين بإدخال أي كمية دون قيد أو شرط. ولأن الكويت خلال تلك الفترة لم تكن مهيأة لرفض العملة الجديدة، أو حتى إصدار عملة وطنية جديدة فقد قبلت وهي مكرهة تلك الإجراءات  التي اتخذتها حكومة الهند. إلا أن حاكم الكويت آنذاك المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح أمر على الفور بالإيعاز إلى دائرة المالية لإجراء الدراسات بشكل عاجل ومكثف لإصدار عملة وطنية كويتية.

محاولات لإصدار نقد كويتي

والحقيقة أن الكويت كانت لها محاولات لإصدار نقد وطني مستقل، وقد بدأت هذه المحاولة عام 1886 وذلك عندما أصدر الشيخ عبدالله الصباح عملة نحاسية خاصة بالكويت ونعني بها البيزة الكويتية والتي تم سكها محليًا، وكانت ثمة رغبة في إصدار نقد كويتي مستقل عام 1950 بعد أن بدأت الكويت في تصدير النفط، إلا أن تلك الرغبة لم تر النور لعدة أسباب، منها أن المسئولين في البلاد أصروا على أن يكون النقد الكويتي قويًا ومتمتعًا بمركز ثابت بين عملات العالم.

وقد جاءت ثمار الدراسات التي أجريت لإصدار عملة وطنية تحل محل الروبية الهندية الخاصة بالخليج، موفقة فقد صدر قانون النقد الكويتي في 19 أكتوبر عام 1960 والذي قرر أن يكون الدينار الكويتي هو وحدة النقد الكويتي. ونص هذا القانون كذلك على إنشاء مجلس النقد الكويتي ليتولى مسئولية إصدار النقد والمسكوكات الجديدة، إلى جانب أمور أخرى أنيطت به. ونص القانون على أن ينقسم الدينار إلى ألف فلس، وأن معادل الدينار الكويتي هو 2.48828 جرام من الذهب الخالص، وأن تكون أوراق النقد التي يصدرها المجلس من فئات عشرة دنانير وخمسة دنانير ودينار واحد ونصف دينار وربع دينار كويتي، أما المسكوكات  فكانت من فئات مائة فلس وخمسين وعشرين وعشرة وخمسة وفلس واحد.

طرح الدينار الكويتي

وفي الأول من أبريل عام 1961 تم طرح الدينار الكويتي للتداول، وسحبت أوراق النقد والمسكوكات الهندية وأعيدت إلى الهند وفق الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الكويت وحكومة الهند، كما تم تزويد مجلس النقد الكويتي بالجنيه الإسترليني المعادل للروبيات المسحوبة وذلك لتغطية الإصدار الأول من النقد الكويتي. والحق أن إصدار أول عملة كويتية في سنة 1961 كان حدثا تاريخيا مهما في تاريخ الكويت، وعلامة بارزة من علامات استقلال البلاد، ومع مطلع أبريل 1961 قامت البنوك الكويتية ودائرة البريد بعمليات إحلال الدينار الكويتي الجديد محل الروبية الهندية على مدى شهرين متتالين، وكان الدينار الكويتي الجديد يحمل صورة أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح، وتوقيع رئيس مجلس النقد آنذاك الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وصورًا لمعالم النهضة في الكويت.

وفي عام 1968 صدر قانون بإنشاء بنك مركزي للدولة يحل محل مجلس النقد الكويتي وذلك لمسايرة تطور الأنشطة الاقتصادية المحلية في الداخل والخارج، خاصة بعد تزايد أهمية دور السياسات النقدية والمالية في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وقد جاء الإصدار الثاني للعملة الكويتية عن طريق البنك المركزي، وبعد نحو 9 سنوات من الإصدار الأول وكانت الأوراق النقدية للإصدار الثاني تحمل صورة الشيخ صباح السالم الصباح، وتوقيع وزير المالية ومحافظ بنك الكويت المركزي. أما الإصدار الثالث فكان في عهد الشيخ جابر الأحمد الصباح فقد طرح بنك الكويت المركزي في فبراير 1980 أوراقا نقدية جديدة للتداول وذلك جنبًا إلى جنب مع الأوراق المتداولة، ولكن في عام 1982 أصدر البنك المركزي قرارًا بسحب أوراق النقد الكويتي والتي تحمل صورة الشيخ عبدالله السالم الصباح والشيخ صباح السالم الصباح من التداول مقابل دفع قيمتها الأسمية، وأن لحاملها الحق في تبديلها لدى بنك الكويت المركزي خلال عشر سنوات من تاريخ إعلان السحب.

كما قام بنك الكويت المركزي بإصدار رابع بعد الغزو العراقي الغاشم للكويت وسحب الأوراق النقدية السابقة بعد دفع قيمتها الاسمية.

 

صادق يلي