متى نهتم بلغتنا العربية?

متى نهتم بلغتنا العربية?
        

          عنيت مجلة (العربي) في أعدادها الصادرة خلال السنتين الأخيرتين بتناول قضايا اللغة العربية والثقافة والتربية, وقد فتحت المجلة صفحاتها لمداخلات أصحاب الشأن والمهتمين بهذه القضايا. وهنا مداخلة جديدة في هذا الإطار:

          إن الحديث عن وضع اللغة العربية في موضوع مستقل لن يحل الإشكال, وذلك أن نمو اللغة وتطورها يتم ضمن أطر الحاجة إليها بالاستعمال والإهمال, وهذه الأطر هي: الإطار الاجتماعي, الثقافي, السياسي, الديني, الاقتصادي العلمي.

          وبالنسبة للغة العربية, فقد كان للإطار الديني ولايزال أثر كبير في انتشارها وتطورها, وكذلك في الحفاظ عليها من الاندثار على مدى أربعة عشر قرنا على الرغم من انهيار الجانب السياسي, وتراجع الجانب الاقتصادي والثقافي والعلمي.

          وبسبب هذا الإطار كان الاتجاه لضرب العربية وإضعافها من أجل إضعاف الدين وضربه, فالعربية هي وعاء الدين الإسلامي, فإذا انكسر هذا الوعاء ضاع الدين. وهذا التطور لن يستوعبه العلمانيون العرب, لذلك فإن التباكي على العربية دون النظر إلى الأطر السابقة لن يغير من الموضوع شيئا, وذلك أن معاناة العربية الحالية لم تعد بسبب ظروف ذاتية من أصحابها العرب فحسب, ولكنها أيضا بسبب توجه عالمي شرس ومنظم للقضاء عليها, ولامبالاة من العرب إلى جانب تعاون بعض العرب في ذلك التآمر العالمي.

          ومن الأمثلة على الهجمة الشرسة على اللغة العربية أن محمد علي باشا كان قد أمر بتدريس الطب والعلوم العسكرية باللغة العربية. ونشأت نتيجة لذلك حركة من الترجمة في مصر أفرزت 135 كتاباً علمياً و66 كتاباً عسكرياً.

          وقد انتهت مرحلة استخدام العربية بمدرسة الطب  التي أسسها محمد علي باشا باحتلال الإنجليز لمصر مباشرة عام 1882م, وحذت حذوها مدرسة المبشرين البروستانت الأمريكيين والتي سميت فيما بعد (جامعة بيروت الأمريكية) والتي بدأت الدراسة فيها بالعربية منذ تأسيسها عام  1866م حتى عام 1883م حيث بدأت التدريس باللغة الإنجليزية ومازالت تدرس بها حتى الآن (السارة, 1989م).

          وهكذا نلاحظ أنه فور دخول الإنجليز إلى مصر باشروا بتحويل التعليم إلى الإنجليزية, وفي المغرب العربي كان التحول إلى الفرنسية. وبسقوط الخلافة العثمانية تم اقتلاع الحرف العربي من تركيا وكذلك الأمر في الهند وشرق إفريقيا, وحل محل الحرف العربي الحرف اللاتيني حتى في الصومال التي اتجهت إلى استخدام الحرف اللاتيني ابتداء من عقد الستينيات ومازالت حتى الآن.

          وتأكيداً لما أقول نذكر الأدلة الاتية:

          أولاً: أن الجامعة العربية (الادارة الثقافية أولاً, ثم المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة) قد تنبهت إلى أهمية التعريب فدعت إلى عقد مؤتمرات عدة, شاركت في هذه المؤتمرات الدول العربية جميعا, وأعد مكتب تنسيق التعريب في الجامعة العربية مشاريع المعاجم.

          وهذه المؤتمرات هي:

          1- مؤتمر التعريب الأول - الرباط 3-7 (أبريل) 1961م.

          2- مؤتمر التعريب الثاني - الجزائر (ديسمبر) 1973م.

          3- مؤتمر التعريب الثالث - طرابلس (ليبيا) من 18-27 صفر 1397هـ الموافق 7-16 فبراير 1976م.

          4- مؤتمر تعريب التعليم العالي في الوطن العربي: بغداد 1978م.

          وقد أجمع المتحدثون في المؤتمر الأول على أهمية اللغة في بناء المستقبل العربي الموحد, وأشادوا بقدرة اللغة العربية على مواكبة الحضارة. وكان من أبرز توصيات المؤتمر الثاني في الجزائر توصية يُناشد فيها (الحكومات العربية جميعاً أن تباشر بتطبيق برنامج مرحلي مرسوم لتعميم التدريس باللغة العربية في مراحل التعليم كلها للمواد العلمية والأدبية بدءا من العام الدراسي المقبل), أي من العام 1974م. كما ناشد المؤتمرون الملوك والرؤساء العرب أن يتخذوا أقرب الوسائل وأن يضعوا إمكانات المنظمات العربية والمجامع العربية لتحقيق أسباب نجاح هذه الأمنية.

          ثانياً: إضافة إلى المؤتمرات سابقة الذكر, فقد عقدت عدة ندوات منها:

          - أسبوع التعريب في المغرب من 3-9 يناير 1963م.

          - ندوة الثقافة العربية للتعريب في طرابلس 2 فبراير 1975م.

          - ندوة التعريب وقضايا اللغة العربية في التعليم الجامعي - الخرطوم يناير 1979م.

توصيات

          وكانت أبرز توصيات هذه الندوات, التوصية التي طالبت بتوحيد الجهود التي تبذلها المجامع العربية, وأن من المهم أن تصب في مجمع عربي واحد. كما طالبت القيادات السياسية في الوطن العربي بإصدار قرارات لجعل التعليم بالعربية في جميع مراحله وأنواعه, وعلى الأخص التعليم الجامعي. (شكري 1980).

          إن جميع المؤتمرات السابقة الذكر, وكذلك الندوات لم تؤت ثمارها, لسبب بسيط هو أنها تظاهرات سياسية أكثر منها علمية عملية يراد لها النجاح. وإلا لماذا تنجح دولة الملك عبدالله في دمشق في الثلاثينيات في تعريب التعليم وهي دولة صغيرة وفقيرة?

          كما أن إسرائيل استطاعت أن تجعل التعليم في جميع مراحله, وفي جميع التخصصات حتى في أدق التخصصات باللغة العبرية (اليهودية) مستفيدة من جذور الكلمات العلمية للغة العربية (تسرق أرضنا ولغتنا) وذلك لقرب العربية من العبرية, وقد أحيت إسرائيل العبرية التي ماتت منذ ألفي عام وأكثر, وكذلك فعل محمد علي باشا عندما فرض تعليم الطب باللغة العربية كما ذكر سابقا.

          فلماذا لا تستطيع 23 دولة عربية أن تتعاون على تعريب التعليم في العلوم التطبيقية والطبيعية? ثم كيف تم التعريب في العلوم الإنسانية وفيها تفاصيل وكلمات أكثر تعقيدا من العلوم التطبيقية منذ الستينيات, مع ما تحويه من مذاهب وعقائد فكرية وفلسفية تخالف العقيدة الإسلامية, عقيدة الأمة العربية?

          ألم يكن من الأنفع للأمة العربية أن تترجم كتب العلوم الطبيعية والتطبيقية, كالطب والهندسة والزراعة وغيرها? وهي علوم ليس فيها ما يضر بعقائد الأمة وأخلاقها, إلى جانب أن العلوم التطبيقية سوف تجعل الدارسين يلاحقون كل جديد وبالعربية, ويدرسون بها.

          إن الدول والشعوب العربية تخسر مليارات الدولارات من أجل نشر الإنجليزية والفرنسية بين العرب, فلماذا لا تدفع بريطانيا وأمريكا وفرنسا مقابل ذلك?

          إن الرئيس الفرنسي عندما زار القاهرة عام 1992م (كما أتذكر) كان أهم هدف يريد تحقيقه من الزيارة هو نشر الفرنسية في مصر. كما أن الإنجليز والفرنسيين قد ربطوا الشعوب المستعمرة من قبلهم سابقاً برابطتي (الكومنولث والفرانكفونية), كل هذا حماية للغتين وإبقاء عليهما بين تلك الشعوب.

          أوليس من حق العربية وعاء الإسلام أن تنتشر بين الشعوب الإسلامية? حتى أن وزراء خارجية الدول الإسلامية عندما يلتقون في مؤتمراتهم يتحدثون بالإنجليزية أو الفرنسية - سبحان الله وأين لغة القرآن?

          لماذا لا تكون العربية لغة ثانية في الدول الإسلامية? وأين موقع (منظمة المؤتمر الإسلامي) في حث الدول الإسلامية لأن تكون العربية لغة ثانية.

          إن وضع لبنة واحدة لبناء صرح مؤسسة عربية تُعنى بالعربية لنشرها, والترجمة من اللغات الأخرى إليها, ومتابعة احتياجات المؤسسة لدى الجهات المعنية في الحكومات العربية, عن طريق مندوبين لها في كل بلد عربي, خير من ألف خطاب أو مؤتمر دون نتائج, أو أفضل من مليون مقالة نكتبها.

حلول مقترحة

          ومن الحلول التي اقترحها في هذا المجال:

          - إنشاء مؤسسة عربية تعنى بالعربية, لها فروع في جميع العواصم العربية إلى جانب المركز الرئيس, يكون من مهامها الإشراف على المجامع العربية الحالية, وتعمل على تطوير أدائها وربطها بشبكة اتصالات سلكية أو لاسلكية شبيهة بشبكة الإنترنت.

          - يكون في كل فرع قسم للترجمة يعمل على ترجمة كل جديد في العلوم. ولكي لا يكون هناك تكرار في الترجمة بين فرع وآخر لابد من التنسيق وذلك بفهرسة الكتب المترجمة أو المؤلفة بالعربية في كل تخصص, وفي ضوء ذلك تتم الترجمة لكل جديد بتكليف من المؤسسة.

          - في المراحل الأولى لاختيار أعضاء هيئة التدريس الذين يمكن أن يرشحوا للترجمة, يمكن إجراء مسابقات لترجمة فصل معين من كتاب لاختيار أفضل الترجمات وأن تخضع الترجمات للمراجعة والتصحيح من ذوي الاختصاص.

          - أن تخصص مبالغ مشجعة من ميزانية المؤسسة للمترجمين في كل تخصص, ويحدد عدد الكتب في كل سنة التي يمكن ترجمتها بحسب المبالغ التشجيعية المرصودة لتلك السنة.

          - إلزام جميع الجامعات العربية ومراكز البحوث بشراء عدد من نسخ كل كتاب مترجم حسب إمكاناتها وبسعر تشجيعي. ويمكن للجامعات ذات الميزانيات الكبيرة أن تهدي لأخواتها الفقيرة عدداً من نسخ الكتب المترجمة.

          - أن يتم بيع نسخ من الكتب المترجمة للطلاب بزيادة قليلة عن سعر التكلفة لتشجيعهم على شراء الكتب العلمية ونشر العلم بينهم.

          - حث رجال الأعمال والصناعيين العرب على تشجيع هذا التوجه, وعلى دعم مراكز البحوث العلمية في الجامعات, وربط هذه المراكز بالصناعة, وتوعية رجال الأعمال والصناعة باستمرار بأهمية ذلك حاضراً ومستقبلاً.

          هذه بعض الحلول وليست كل الحلول, وهي ستبقى حلولا نظرية, وترفا فكريا لا قيمة لها مالم تتحول إلى البدء بالمقترح رقم (1). ولن تعجز أمتنا برجالها ونسائها عن إيجاد تفاصيل أوسع لهذه المقترحات, ولغيرها, والمهم مَن سيبدأ بوضع حجر الأساس والمتابعة بعمل دءوب وصبر وجدية?

          إلى جانب ما ذكرت من مقترحات, أرى أن تكون المؤسسة مستقلة تماما ولا تخضع لأي نظام عربي. وسيبقى السؤال قائماً من سيبدأ?.

 

أحمد محمد الشيباني   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات