عزيزي القاريء

عزيزي القاريء
        

حصاد عام

          يتوافق صدور هذا العدد من مجلة (العربي) مع أكثر من مناسبة. فهو آخر عدد في هذه السنة الطويلة والمريرة من زمننا العربي, شهدنا فيها حروبا وقتلا ودمارا متزايدا, ولكن شهدنا أيضا سقوط نظام عربي كان من أشد الأنظمة قمعا وطغيانا, هو النظام الصدامي في العراق, ولكن ثمن زواله كان ومازال  فادحا, وتابعنا تجبر دولة العدو الاسرائيلي وفرضها رأيها وأسوارها رغم أنف الجميع عرباً وغيرهم.

          ولأن حديث السياسة ذو شجون فقد يحمل لنا الحديث عن الثقافة بعضا من الارتياح, ففي هذا الشهر أيضا تتم سلسلة كتاب عالم المعرفة ربع قرن من عمرها المديد, ولا نعتقد أنه يوجد في العالم العربي محتاج إلى الثقافة والمعرفة لم يستفد من إنجازاتها, فقد واصلت هذه السلسلة الصدور بانتظام منذ أن صدر عددها الأول في ديسمبر 1978 بعنوان (الحضارة) ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الإشعاع الحضاري الذي تبثه, إنها هدية معرفية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت إلى كل بلد عربي, ومن النادر أن نجد سلسلة من الكتب تواصل صدورها كل هذه السنوات, وهي مازالت تحافظ على ذلك المستوى من الدقة والرصانة والمستوى المعرفي العالي. ويعود الفضل في ذلك إلى التخطيط الجيد الذي وضعه المؤسسون الأوائل لها , وإلى الأهداف التي وضعوها نصب أعينهم والتي أبرزها: نشر كل ما هو جيد في المعرفة الإنسانية وفتح النوافذ أمام القارئ العربي من أجل معرفة ماذا يدور حوله من تقدم فكري وعلمي. إن (العربي) تقدم ملفا خاصا تحية لهذه السلسلة العتيدة وتعريفا بالدور الذي قامت به وهي تأمل أن تتكرر هذه التجارب الفكرية الجادة في كل مكان من عالمنا العربي.

          وفي هذا الشهر أيضا تستعد مجلة (العربي) لعقد ندوتها السنوية تحت عنوان (الغرب بعيون عربية) وذلك خلال الفترة من 27 إلى 29 ديسمبر, وتناقش الندوة خلال محاورها المختلفة تلك العلاقة الجدلية والشائكة التي تجمعنا مع الغرب, ويشارك في الندوة عدد كبير من المفكرين العرب, يستعرضون خلالها عددا من الأبحاث, وكذلك أهم الرحلات التي قام بها الرحالة العرب إلى بلاد الغرب وكيف عاينوا آثار هذه الحضارة, فالرحيل العربي إلى هذه البلاد كان في الأغلب الأعم منه  رحلة بحث عن أسباب تفوق هذه الحضارة وغلبتها علينا, في الوقت الذي قنعنا نحن فيه بموقف المتفرج والمتخلف في هذا العالم. ولعل هذا الأمر يعيدنا إلى الكلمات الأولى من صدر هذه الصفحات التي تنعي مرارة الزمن العربي. وبمناسبة هذه الندوة تنشر (العربي) رحلة معاصرة قام بها محرروها تتبعوا فيها خطى رحلة قديمة قام بها الوزير المغربي الغساني إلى ربوع إسبانيا منذ أكثر من 300 عام, وهي تأمل أن تكون هذه الرحلة  بداية خطة لتنفيذ كل الرحلات العربية الرائدة لعلها تسترجع شيئا من عبق هؤلاء الرحالة القدامى.

          ولا تتوقف صفحات (العربي) عند هذا الحد , فهي تقدم لك كل ما هو جديد ومفيد من مجالات المعرفة الإنسانية, فإلى صفحات هذا العدد.

 

المحرر