المفكرة الثقافية

 المفكرة الثقافية
        

الكويت

الحكومة الإلكترونية... مرة ثانية!! 

          (الدخول في الحكومة الإلكترونية ليس اختياريًا ولا تطوعيّا ولكنه ضرورة واجبة لتطوير عملية التغيير المرتقبة, والاستثمار الأكبر سيكون في ردم الفجوة الرقمية وتوفير المزيد من الشفافية والمشاركة الإيجابية في إدارة الأنشطة الحكومية). بهذه الكلمات افتتح سمو الشيخ صباح الأحمد رئيس مجلس الوزراء المؤتمر الثاني للحكومة الإلكترونية الذي تعقده دولة الكويت للمرة الثانية. ومن خلال هذه الكلمة يطرح القضية الأساسية لمفاهيم هذه الحكومة. فهي ليست ترفًا تكنولوجيًا وليست رغبة في اللحاق بعالم متقدم بقدر ما هو تغيير شامل في مفهوم الإدارة الحكومية التي كانت أوامرها تسير دومًا في خط واحد, منها إلى أفراد المجتمع وليس العكس. الحكومة الإلكترونية هي أيضًا مفهوم سياسي وثقافي في المقام الأول, فهي لن تسهّل المعاملات الحكومية فقط, ولن تمنع تكدّس الموظفين في الدواوين الحكومية أو الساعين وراء إنهاء معاملاتهم فحسب. ولكنها سوف تحدث تغييرًا جوهريًا في العلاقة بين الطرفين - الحكومة والفرد - عن طريق فتح قنوات متصلة من الحوار من الصعب إغلاقها أو تجاهلها. وقد أكّد على ذلك أيضًا الشيخ أحمد العبدالله وزير المواصلات ووزير الدولة لشئون التنمية الإدارية وهو يلح على ضرورة إيجاد ثقافة عامة نمحو من خلالها ثقافة الكمبيوتر والإنترنت, بل ويجب أن يكون لكل فرد بريد إلكتروني خاص به بحيث يكون له مكان محدد على خريطة الدولة.

          وقد حضر المؤتمر الذي أقامه معهد الكويت للبحث العلمي بالتعاون مع العديد من الجهات الحكومية حوالي 1000 مدعو من جميع أنحاء العالم. وألقيت البحوث باللغة العربية والإنجليزية. وكان هناك إجماع بين المشاركين أن العالم العربي قد تأخر كثيرًا عن اللحاق بهذه التجربة التي شهدتها العديد من دول العالم. وأن الكويت تعتبر هي أيضا من الدول الخليجية التي تأخرت في إقرار هذا الأمر رغم أن موقعها وإمكاناتها كانا يؤهلانها لاحتلال موقع متقدم في هذا الأمر. وأسباب هذا التأخر كثيرة, أهمها ذلك التردد الذي تبديه العديد من مؤسسات الدولة للدخول في هذا المشروع, فنصفها على الأقل غير مستعد والنصف الآخر قد أنجز بعض الخطوات وليس كلها. ولمواجهة هذا الأمر أعلنت فريال الفريح رئيسة اللجنة التنظيمية العليا للمؤتمر أن لجنة محايدة ومتخصصة سوف تقوم بتقييم أداء المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من حيث الخدمات الإلكترونية المتطورة التي تقدمها للجمهور. وتضيف: إن صعوبة تطبيق الحكومة الإلكترونية تكمن في كيفية أن يتم تغيير الشكل الإداري والتعامل اليومي للمواطن مع نهج جديد في التعاملات الإلكترونية التي حتمًا تخضع لفلسفة جديدة في الحياة.

          وقد بلغ عدد المتحدثين في جلسات العمل حوالي 37 شخصية منهم نحو 21 متحدثًا يمثلون مختلف المؤسسات العالمية المهتمة بهذا المجال.

          وقد غلب على أوراق عمل المؤتمر الجانب التطبيقي أي أنها كانت في أغلبها شرحا تقييميا لإنجازات تطبيقات الحكومة الإلكترونية في الكويت والعالم العربي ودول العالم المختلفة. من الكويت جاء بحث سعود الزيد وهو المدير المساعد لنظم المعلومات لغرفة تجارة وصناعة الكويت عن جاهزية الغرفة للربط مع الجهات الحكومية وهو ما من شأنه ليس تسهيل العديد من الأعمال فقط, ولكنه يرفع من مستوى النشاط التجاري في الكويت كلها. كما قدمت هناء زروقي من بنك الكويت المركزي بحثا حول تجربة (البنك المركزي الإلكتروني) وهو يأمل من خلال هذا النظام أن يتمكن من أداء كل الخدمات المالية اليومية التي تطلبها الحكومة إلكترونيًا ودون أي تدخل بشري. بينما تحدث د. محمد الفيلي من جامعة الكويت عن العلاقة بين القانون والحكومة الإلكترونية, وكيف أن تطبيقها يترتب عليه التزام قانوني من الدولة بتيسير استخدام الإنترنت وتعلمهم عليه بصورة مجانية.

          من دبي أكّد سالم خميس الشاعر في ورقته أن مشروع دبي للحكومة الإلكترونية يعد مشروعًا رائدًا في الشرق الأوسط, وأنه يقدم يوميًا ما يزيد على 600 خدمة خاصة بالمعلومات والمعاملات. كما قدم د. أحمد درويش من مصر خمسة أسباب أو معوقات تقف في سبيل تحقيق الحكومة الإلكترونية في مصر رغم أنها قطعت فيها شوطًا طويلاً.

          ومن السويد, تحدث جوستاف جونسن عن التجربة السويدية وكيف أن تكنولوجيا المعلومات قد غيرت العلاقة بين المواطنين والحكومة. ومن أجل المحافظة على الشرعية سيتعين على الحكومة أن تكون أكثر تجاوباً مع متطلبات الجماهير. ويقدم جورج شايتون التجربة الفرنسية في هذا المجال وكيف نشأت الحاجة إلى قواعد جديدة لتنظيم العلاقة بين المستهلكين والإدارة العامة, وإن كل مواطن في حاجة إلى ملف إداري شامل.

          إن هذا المؤتمر الذي يعقد للمرة الثانية يؤكد الحاجة الملحة أمام دولنا لدخول هذا المنعطف, وإن كنا نشكو من ضعف المشاركة السياسية وتلك الفجوة بين رجل الشارع ورجل السلطة وهي التي تزيد في هوّتها وكبر حجمها عن الفجوة المعرفية التي هي واحدة من أكبر أسباب تخلّفنا.

القاهرة

مصر تحتفل بصاحب
(عجائب الآثار في التراجم والأخبار)
250 عامًا على ميلاد الجبرتي

          تحتفل مصر بذكرى المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي الذي يستدعي مرحلة مفصلية من التاريخ تمثل أفول عصر قديم, والتمهيد والاستعداد لدخول عصر جديد. فقد عاصر الجبرتي أفول نجم الإمبراطورية العثمانية من موقعه في مصر, وسقوطها تحت ضربات الحملة الفرنسية, كما سقطت ـ قبل قرون من ذلك ـ جيوش طومان باي تحت سنابك خيل العثمانيين. وكما انتهى عصر المماليك, زالت سطوة العثمانيين. فهذه المراحل المفصلية في تاريخ الأمم جديرة بالتمعن والدراسة حتى لا تفاجئ أحداث العالم ـ التي ستصير تاريخا ـ أبناء الشعوب.

          وعبد الرحمن الجبرتي هو صاحب أهم أسفار تاريخ هذه المرحلة موسوعة: (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) التي صدرت طبعتها الأولى محققة سنة 1958 عن (لجنة البيان العربي) بالقاهرة, بتحقيق وشرح: حسن محمد جوهر, وعبد الفتاح السرنجاوي, والسيد إبراهيم سالم, والتي تعيد إصدارها هذا العام مكتبة الأسرة في طبعتها الشعبية.

          وقد أصدرت المكتبة أيضا كتاب الدكتورة عصمت محمد حسن (جوانب من الحياة الاجتماعية لمصر من خلال كتابات الجبرتي) , إذ تبرهن فيه على أن الجبرتي سجل حياة مصر الاجتماعية في ثنايا الحوادث التي دونها يوما بيوم, أو بين الذين ترجم لهم في وفياته التي كان يخصص لها غالبا الفصول الأخيرة من ختام السنة التي يؤرخ أيامها, كما تتناول المؤلفة تأريخ الجبرتي لفئات المجتمع المصري; حكامًا ورعايا, ووصف أحوال البلاد واحتفالاتها وأعيادها, إذ حرص الجبرتي على أن يرسم صورة حية لتلك المناسبات السعيدة في حياة الشعب, وما كان يقدم فيها من الأطعمة والشراب. فضلا عن رصده لملامح المدارس الصوفية وأهم أعلامها وطرائق العبادة فيها والكرامات التي صاحبت من أخلصوا العبادة في خلواتهم .

          والجبرتي ـ الذي عاش ما بين عامي 1168 ـ 1241 للهجرة ـ يتناول في هذا السفر الضخم ـ الذي يقترب من الثلاثة آلاف  صفحة ـ أهم حوادث آخر القرن الثاني عشر الهجري وما يليه, وأوائل القرن الثالث عشر,  ويقدمها بقوله: ( إني كنت سوّدت أوراقاً جمعت فيها بعض الوقائع إجمالية , وأخرى محققة تفصيلية وغالبها أمور أدركناها وشاهدناها .. )..

          وهذه المرحلة من التاريخ التي شهدت وعايشت سقوط هيبة الخلافة العثمانية في مصر, وانتصار الحملة الفرنسية التي كانت ـ بالرغم من كل الرفض والمقاومة لوجودها في مصر ـ نواة العصر الجديد الذي دخلت منه مصر إلى العصر الحديث, أرخ الجبرتي لها, بأحداثها اليومية الاجتماعية والعسكرية والمقاومة الشعبية ودور العلماء وأبناء البلد في مواجهة الاحتلال الفرنسي, الذي لم يدم أكثر من ثلاث سنوات وخرجت فرنسا من مصر, وخرجت مصر من تبعيتها وخضوعها للسلطان إلى رفض أن تكون كما كانت قبل الحملة ولاية تابعة. وقد انتهت هذه الفترة القلقة بتولي محمد على حكم مصر وتأسيس الدولة المصرية الحديثة.

          ولذلك قال شيخ المؤرخين محمد شفيق غربال عن هذا السفر: إنه كتاب في التربية الوطنية, وليس ذلك لأن الرجل تصدى لتلقينها, فقد كان مؤرخا قبل كل شيء, ولكن جاء كتابه لازماً لتكوين الجيل, لأن العصر الذي عاش فيه كان عصر انتقال من حال إلى حال.

          ولا شك أن الدعوة إلى الاحتفالية بالجبرتي التي يتعاون في إقامتها: المجلس الأعلى للثقافة, والهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية , والهيئة العامة للكتاب, فضلاً عن العلماء المنتمين إلى معظم الجامعات العربية, وتناول عصر الجبرتي وتأريخه, سيكشف عن بعض مما أنتجه من أسفار لا يزال بعضها مخطوطاً .. فلم يخرج إلى النور إلا أقلها. و لا شك ـ أيضا ـ أن الجبرتي كان مشغولاً بجوانب كثيرة غير تاريخية, لم تسعفه كتابة التاريخ على إنجازها, إذ نعرف تأليفه لمرجع مهم بعنوان (مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس) الذي صدرت طبعته الأولى محققة سنة 1969 ميلادية عن لجنة البيان العربي أيضا, ففي هذا الكتاب نلمس تركيز الجبرتي على الأبعاد الاجتماعية التي تأثرت بدورها بأحداث العصر وأثرت فيها كما في زواج (مينو) من المرأة الرشيدية, وشروط خروج الفرنسيين, وحاصرت من نقض للاتفاقية أكثر من مرة بالإضافة إلى أحوال المجتمع منذ تولى محمد على الحكم.

          ومن مؤلفات الجبرتي المخطوطة غير المنشورة: تاريخ الملوك العثمانية والوزراء والصدور ومشايخ الإسلام والقبودانات) وهو ضمن المخطوطات العربية بمعهد إحياء المخطوطات العربية بالقاهرة برقم 2812, وكتاب (ملوك عثمان ونوابهم بمصر القاهرة) وهو نسخة مصورة بمكتبة كلية الآداب, جامعة الإسكندرية, تحت رقم 2381 عن نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم 2408 , وكتاب (مختصر تذكرة داود الأنطاكي) نسخة مصورة بدار الكتب المصرية تحت رقم 4404 . وهكذا .. يمكن أن تكون احتفالية الجبرتي إحياء لتراثه التاريخي, مثلما هي إحياء لعصر يشبه إلى حد كبير العصر الذي نعيشه .

مصطفى عبد الله

بيروت

(المجال).. مولود ثقافي جديد

          ظاهرة موت أو احتجاب المجلات الأدبية والثقافية العربية طغت في السنوات الأخيرة على ظاهرة ولادة مجلات أدبية وثقافية. ولا شك أن لهذه الظاهرة أسبابا كثيرة بعضها اقتصادي وبعضها الآخر يتصل بندرة التيارات الإبداعية أو النهضوية الجديدة التي يفترض أن تنطق المجلة الأدبية أو الثقافية باسمها أو تعبّر عنها, وكأن عدم تسجيل (ولادات) أدبية جديدة مردّه عدم تسجيل قفزات جديدة للفكر والوجدان العربيين.

          مجلة ثقافية نقدية جديدة شهرية صدرت حديثا في العاصمة اللبنانية باسم (المجال) يغلب عليها الطابع الفكري والنقدي بالدرجة الأولى, هذا إن لم نقل إنها تحمل همّا فلسفيا بدليل أن رئيس تحريرها الدكتور جميل قاسم معروف بكتاباته حول قضايا فلسفية, وبدليل عنايته القديمة والحديثة بفكر الدكتور عبدالرحمن بدوي المفكر والباحث الفلسفي المصري الذي توفي قبل سنة وبضعة أشهر. وقد أفرد العدد الأول من (المجال) أكثر من ثلاثين صفحة لوقائع ندوتها حول فكر بدوي عُقدت في بيروت وشارك فيها عدد من أساتذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية هم: علي زيعور وسعاد الحكيم وسامي أدهم وحسن قبيسي وجميل قاسم.

          وقد اتسع العدد الأول في (المجال) لمقالات في جوانب أدبية وثقافية وفنية مختلفة, مما يفيد أن المجلة لن تقتصر صفحاتها على اهتمام فلسفي أو فكري أو أدبي دون آخر, بل ستكون مجلة ثقافية جامعة, إن جاز التعبير, لا يضيق صدرها حتى بكتابات ذات طابع فني أو سياسي. أو هكذا يمكن أن يستفاد من الكثير مما ورد في الافتتاحية. تبدأ افتتاحية العدد الأول من (المجال) بالسؤال التالي: (هل ثمة, بعد, مجال للكلمة بعد (سقوط بغداد) و(خراب البصرة)? وهل ثمة مجال للرأي والفكر بإزاء قرقعة المدافع والطائرات والصواريخ (العابرة)?

          هل ثمة مجال للكتابة في مواجهة الحدث? وهل ثمة مجال لمجلة جديدة متميزة ومختلفة وجادة وجديدة اسمها (المجال) أمام ركام المطبوعات والمجلات والدوريات والجرائد? وهل ثمة دور للمثقف? وما هو هذا الدور في حضرة الحدث?

          وتجيب الافتتاحية: (نحن نعتقد - حتى لو عدّنا البعض حالمين ومثاليين - أن للمثقف لـ (الكاتب والمبدع والمنتج) دورا طليعيا يخوّله مواجهة الحدث بالرأي. فالرأي هو فعل الالتزام الوجودي والإنساني الذي يمارسه المبدع, وليس عبثا أن وصف الشاعر الرأي بأنه قبل شجاعة الشجعان, وأنه الأَوْلى والأجدى, فالرأي هو الذي يؤكد إبداعية المبدع, ومعنى الكتابة والقراءة والرسم والنحت وكل مجالات الإبداع الإنسانية الأخرى!!

جهاد فاضل

تونس

الرواية التونسية وقفزة التحديث

          يتميز المشهد الأدبي الحالي في تونس, بنقلة نوعية في مجال كتابة الرواية وإصدارها, حيث يصل عدد الروايات التي تنشر سنويا إلى ما بين ثلاثين و أربعين رواية باللغة العربية فقط, بعد أن كان عدد الروايات المنشورة في السابق يعد على أصابع اليد الواحدة أو أقل.

          و توفر اليوم في تونس جيل جديد من كتاب الرواية, يتميز في كتاباته بالجرأة و الشجاعة, مما أحل الرواية التونسية الحديثة منزلة  متميزة بين الروايات العربية. وفي فترة الستينيات كان صدور رواية في تونس يشكل في حد ذاته حدثا أدبيا وثقافيا كبيرا ولم يكن عدد كتاب الرواية بالكثرة التي عليها اليوم, لذلك كان عدد الروايات التي تصدر سنويا عددا محدودا, والرواية التونسية شبه غائبة.

          وفي فترة السبعينيات تحسن حال الرواية في تونس, وتعزز عدد كتابها بوافدين جدد جلهم من الشباب المتخرج حديثا في الجامعة, لتلتقي جهودهم مع جهود الجيل الأول من كتاب الرواية في تونس والمتكون خاصة من البشير خريف الذي يعد بلا منازع (أب الرواية الواقعية) وقد أصدر هذا المبدع العديد من الروايات خاصة روايته الشهيرة (برق الليل) ورواية (الدقلة في عراجينها) وروايته (بللارة).  وتتميز رواية البشير خريف, (الدقلة في عراجينها) بنفسها التجديدي من حيث البناء و المضمون. ومن جيله أيضا محمد المختار جنات, صاحب مطولة (أرجوان) وعبدالمجيد عطية صاحب (المنبت) ورشاد الحمزاوي صاحب (بودودة مات). ومصطفى الفارسي صاحب (المنعرج) وهند عزوز صاحبة (في الدرب الطويل) وريم العيساوي وفاطمة سليم يحيى محمد.

          و كان قد سبقهم محمد العروسي المطوي الذي أصدر رواية (حليمة) وكذلك رواية (ومن الضحايا), و يعتبر الكاتب التونسي الكبير محمود المسعدي الروائي الأول في تونس, حيث أصدر منذ الخمسينيات روايته الشهيرة (السد) التي تعد من بين أبرز الأعمال الروائية في العالم العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين, و كذلك روايته الأخرى (حدث أبو هريرة قال) وأخيرا صدرت له رواية جديدة بعنوان (من أيام عمران). ولكن رغم هذه النقلة التي شهدتها الرواية في تونس خلال فترة السبعينيات, فإن عددها ظل محدودا..وكثير من الروائيين التونسيين لم يغامر بإصدار رواياتهم المخطوطة. لتأتي فترة الثمانينيات والتسعينيات فتعرف معها الرواية التونسية نقلة نوعية حقيقية على أيدي مجموعة كبيرة من الروائيين التونسيين أمثال عبد القادر بالحاج نصرالذي أصدر سبع روايات, ومحمود طرشونة, ومحمد الصالح الجابري, و فرج الحوار, ومحمد الباردي, وعبد الواحد براهم, وعز الدين المدني, وصلاح الدين بوجاه وعروسية النالوتي ومحمد الحبيب براهم والبشير بن سلامة وغيرهم  فتطور عدد الروايات التونسية الصادرة في السنة الواحدة لتبلغ حاليا رقما لم تبلغه في أي فترة من فتراتها وهو ما بين 30 و40 رواية جديدة تونسية تصدر في السنة. وبدأت ملامح رواية تونسية جديدة تظهر في الأفق بوصول جيل جديد من الروائيين الشبان أمثال (حسونة المصباحي) و(إبراهيم الدرغوثي) و(حسن بن عثمان) و(مسعودة بوبكر) و(إبراهيم بن سلطان) و(ظافر ناجي) و(محمد الحيزي) و(حفيظة القاسمي) وهم من جيل الشباب الذي يكتب رواية مغايرة للسائد فروايات مثل (بروموسبور) للحسن بن عثمان و(حاجب المقام) لظافر ناجي و(طعم الأناناس) لمسعودة بوبكر و(الدراويش يعودون من المنفى) للدرغوثي و(الباب الخلفي) لمحمد الحيزي ورشوا النجم على ثوبي) لحفيظة القاسمي, كلها روايات تتشكل بين صفحاتها ملامح رواية تونسية جديدة لحما ودما فيها من حماس الشباب ما يميزها عن المنشور والسائد. وهناك بالموازاة جيل جديد من كتاب الرواية بدأ يتشكل في رحاب الجامعة التونسية وكلياتها المختلفة ويتكون من الأساتذة الجامعيين الذين يكتبون الرواية.

          والملاحظة استرعت انتباه عدد من الباحثين والنقاد, حتى أن الناقد التونسي (محمد بن رجب) وهو صحفي متابع للحركة الثقافية بجريدة الصباح التونسية خصص مجموعة من المقالات لما أصبح يسمى بـ:(الرواية التونسية التي يكتبها الأساتذة الجامعيون) خصوصا بعد أن انتظمت مجموعة من الندوات في المدة الأخيرة لبحث هذه الظاهرة ومدى خصوصية الرواية التونسية التي يكتبها الأساتذة الجامعيون. عن الرواية الأخرى التي يكتبها العصاميون ومن هم ليسوا من الأساتذة الجامعيين.

          إن الرواية التونسية مرت بمراحل عديدة, وأذكر أن صدور رواية (بو دودة مات) للأستاذ الجامعي (محمد رشاد الحمزاوي) في أواسط الستينيات كان حدثا كبيرا في تونس اهتمت به الصحف والإذاعة... أما اليوم فإن العديد من الروايات التونسية تصدر ولا تلفت اهتمام إلا المتابعين للمشهد الأدبي.

          ولعله من اللافت للنظر, أنّه أمام القفزة النوعية التي شهدتها الرواية, سجّل بالمقابل انحصار القصّة القصيرة, ولم يبق من يكتبها من التونسيين إلا عدد محدود من الكتّاب أمثال عبد القادر بالحاج نصر, وحسن نصر, ويحيى محمد, وفوزية العلوي, ومنيرة الرزقي, وآمال مختار التي يمكن اعتبارها أيضا مع فوزية العلوي من كتّاب الرواية في تونس باعتبار أنّ كل واحدة منهما أصدرت على الأقل روايتين.

محمود الحرشاني

لقاء الخليج والمغرب العربي

          بدعوة من مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بزغوان ودارة الملك عبدالعزيز بالرياض, انعقد المؤتمر العلمي الخليجي - المغاربي الأول.

          وقد حضر جلسة الافتتاح د.عبدالجليل التميمي, رئيس مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ود. فهد عبدالله السماري, الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز ومحمد المصمودي, وزير الخارجية التونسي الأسبق وسفير المملكة العربية السعودية, وأحمد بن علي القحطاني, ومزيد المزيد, مدير الشئون الثقافية باسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية. والعديد من القراء والكتّاب والمسئولين.

          وعالجت الندوة العديد من البحوث حول أهمية التعاون العلمي بين الخليج والمغرب العربيين وحسن الاستفادة من جميع القدرات والكفاءات العلمية والموارد المادية المتوافرة. كما تداولت مسائل التعاون والشراكة العلمية وضرورة وضع استراتيجيات واضحة المعالم لتحقيق ذلك. وقد لاحظ المشاركون ضعف التنسيق بين مؤسسات البحث والباحثين من كلا الجانبين, الأمر الذي يعكس قلة تبني المشاريع البحثية المشتركة وأدى إلى ضعف التبادل المعرفي والمنشورات العلمية. كما عالجت بحوث أخرى عمق الصلات الثقافية بين الفضاءين الخليجي والمغاربي, رغم التباعد الجغرافي ووجود أسر في الخليج من أصول مغاربية اكتسبت صيتا علميا بما يعزز العناصر العديدة المكونة للرصيد التاريخي المشترك, والمطالبة بتأسيس علاقات على قاعدة علمية ومعرفية جديدة. وهناك بحوث أخرى كشفت عن الحاجة الملحة إلى تعميق إدراك كل طرف للآخر والسعي إلى تغيير الصور النمطية المتبادلة بين الطرفين, ويمكن أن تقوم الملتقيات العلمية بدور مركزي في هذا الشأن. وعليه شدد المشاركون على ضرورة إنشاء مؤسسات للتعاون المشترك وآليات عملية لإدخال البعدين الخليجي والمغاربي في المناهج الدراسية الجامعية مستقبلاً.

          وانطلاقًا من ذلك, ولاختصار المسارات والمسافات البحثية وتشجيع الباحثين الشبّان الخليجيين للتخصص في الدراسات المغاربية, يقترح المشاركون إنشاء مركز متخصص عن المغرب العربي بدارة الملك عبدالعزيز, باعتبارها الفضاء البحثي المتحرك والذي يتمتع بتجربة بحثية وسمعة عالية عربيًا, وهذا ما سوف يوفر مرجعية توثيقية متكاملة, من شأنه أن يشجع الجميع على التخصص عن المغرب العربي. وفي المقابل يأمل المؤتمرون إنشاء مركز عن الخليج العربي بالفضاء الجامعي المغاربي وتوفير مرجعية توثيقية متكاملة, لتشجيع الباحثين المغاربيين للتخصص في قضايا الخليج, ويقترحون دراسة تاريخ المغرب العربي والخليج في المناهج التدريسية الجامعية وإحداث كرسي للدراسات المغاربية المعاصرة في الجامعات الخليجية والعكس بالعكس. وفي هذا الإطار يدعون إلى إعطاء نفس جديد لاتفاقات للشراكة بين الجامعات ومراكز البحوث, وتوحيد المصطلحات والمسمّيات والشهادات وتيسير انتقال وزيارة الباحثين بين مراكز البحوث العربية, كما يدعون إلى إعداد دليل للباحثين, معززة بقواعد بيانات للبحوث العربية المنجزة مع تحديثها دوريًا وتدعيم العلاقات بين الجمعيات العلمية في الخليج والمغرب العربيين, وإيجاد برامج تكوينية لطلاب الدراسات العليا المختصين من الشبان القادرين في فترات محدودة خلال الإجازات الصيفية. ثم إن إنشاء مواقع واب على شبكة الإنترنت لمؤسسات البحوث الخليجية والمغاربية وتخصيص صفحة واب لكل باحث عربي للتعريف ببحوثه مع زملائه في التخصص نفسه, هو أمر تحتّمه اليوم آليات الشراكة الفاعلة, وهذا ما سوف يساعد على رقمنة الإنتاج العلمي العربي, وتبني برمجة متبصّرة لهذا الملف, يأخذ بعين الاعتبار صيرورة إنجاز تكتل معلوماتي عربي فاعل وجديد, ويتم ذلك بالتنسيق مع عدد من المؤسسات البحثية الخليجية والمغاربية الجادة, لتفعيل الشراكة العلمية المستقبلية, وسوف يكون مجديا تبادل بنوك المعلومات في عديد من التخصصات, دون مقابل وتعزيز ذلك من روافد الترجمة الذكية والمواكبة لآخر المستجدات البحثية الدولية وإقرار النشر الأكاديمي المشترك وإجراء المقاربات الأساسية لحسن تنظيم المؤتمرات ذات النجاعة والمردودية العلمية الثابتة. كما تمت إثارة العديد من الملفات حول القواسم المشتركة والمتقاطعة لاتحاد المغرب العربي واتحاد دول مجلس التعاون العربية وكيفية تعميق التواصل الثقافي والعلمي وتشجيع الأعمال الأثرية المشتركة.

مدريد

النحّات العالمي إدواردو  تشييدا... الغائب الحاضر 

          بمناسبة مرور عام على رحيل النحات الإسباني إدواردو تشييدا, أقيمت نشاطات ثقافية متنوعة في إسبانيا, وخاصة في بلاد الباسك, تكريمًا له على ما سطره من مواقف بارزة في الحياة الإسبانية, وما تركه من منحوتات مميزة في إسبانيا والعالم منها (ثناء الأفق) المعروضة في مدينة سان سيباستيان, و(مكان للقاء) المعروضة في متحف الهواء الطلق في مدينة مدريد, و(صور متحركة), المعروضة في متحف Guggenhiem في مدينة نيويورك.

          وتذكيرًا بهذا الفنان المميز, تعددت الاحتفالات المكرّمة لإعطائه شيئا مما يستحق تجاه مواطنيه, ففي مدينة بالمادي مايوركا, التابعة لجزر البليار, أقيم خلال فصل الصيف معرض (مديح اليد) في متحف الفن الإسباني المعاصر, ضمّ أكثر من مائة عمل فني كان أنجزها تشييدا بين العامين 1945 و2002م, سواء المنحوتات أو الرسومات, والتي أحضرت من متاحف ومراكز فنية متعددة. وفي مدينته سان سيباستيان أقيم معرض آخر, في المتحف الذي يحمل اسمه, لكثير من الأعمال التي لم تكن قد عُرضت سابقًا في هذه المدينة.

          وفي التاسع عشر من أغسطس, ذكرى يوم الغياب, أقيم له حفل مأتمي في كنيسة سان فيسنتي الباسكية, وحفل موسيقي (كونشيرتو) في مدينة سان سيباستيان. كما صدرت عدة كتب عنه منها: كتاب (عطر (أو أريج) إدواردو تشييدا), تم التطرق فيه لعلاقته القوية مع العديد من الكتّاب الإسبان والعالميين, وكتاب (تشييدا, الفن والأحلام (لابنته سوسانا, تحكي فيه تعايشها الحميم ونقاشها البنّاء مع والدها. كما تم التذكير به في المحاضرات الصيفية التي تقيمها الجامعات الإسبانية خلال الصيف, وهي جامعة كمبلوتنسي المدريدية, وجامعة بلاد الباسك, وجامعة بينينديز بيلايو الدولية, تناول خلالها المحاضرون جوانب متعددة من فن وحياة ومواقف تشييدا. أولهم كانت الشاعرة كلارا جانيس, التي قالت إن تشييدا. أصبح صديقها بعد أن أحبت إحدى منحوتاته وتمتنت هذه الصداقة بعد أن زارته وتعرّفت عليه جيدًا, ومن ثم كتبت عنه الكثير من القصائد. أما توماس جورنينس, مدير متحف يتسين - بورنيميزا, فقد قال: (كان تشييدا إنسانًا محبوبًا, وصاحب جاذبية قوية جدًا, وقدّم أربع منحوتات مميزة في القرن العشرين, أهمها مشط الهواء). ومن بينهم, كوسمي دي بارانيانو, مدير معهد الفن الحديث في فلنسية, الذي قال: (يُعتبر تشييدا واحدًا من فناني القرن العشرين الكبار, رحل عن هذه الحياة قبل أن ينهي مشروعه الفني الأخير.

غازي حاتم

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




إحدى ندوات الحكومة الإلكترونية التي شهدتها الكويت





جانب من الندوات التي أقيمت احتفالا بذكرى المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي





غلاف العدد الأول من المجال





 





 





النحات الاسباني إدواردو تشييدا





منحوتة معلقة أسفل أحد جسور مدريد