الكتابة وأخطاؤها الشائعة

الكتابة وأخطاؤها الشائعة

طالعت في العدد 545 أبريل 2004 من مجلة (العربي) مقال رئيس التحرير في باب حديث الشهر تحت عنوان (أزمة العربية أم أزمة التعريب?) مما أثار لدي فكرة هذا التعقيب لتوضيح أسباب شيوع الأخطاء في اللغة العربية.

لقد شاعت على ألسنة جمهرة من المتحدثين والكتّاب أنماط لغوية من الألفاظ والتراكيب وكثر شيوعها وانتشارها وعمّ تداولها وتناقلها وتلقفها كثير من الناس بسهولة ويسر, لا يتدبرون أصولها العربية ولا مطابقتها للقواعد اللغوية, فعم بمثل هذه التراكيب والأساليب الضعف اللغوي وصارت - لكثرة استعمالها - كأنها الأصل.

ولأن اللغة العربية لغة سهلة طيعة ذات ثوب فضفاض ينحت منها ألفاظ وتراكيب جديدة ويشتق منها أخرى. ومع كل الإجازات التي تطالعنا بها المجامع اللغوية العربية من حين إلى آخر ومع ما يمكن أن تجيزه هذه المجامع مستقبلا فإنه يظل للغة دائما حدودها ومع كل ذلك لا يغفر لنا أن نأتي بأخطاء لغوية شاعت على ألسنة بعض المتحدثين وفي أقلام فريق من الكتّاب. ولذيوع الأخطاء في كتاباتنا أسباب وعوامل شتى يمكن إجمالها فيما يلي:

1 - طغيان اللهجة العامية - وهي إما خليط من الفصيح المصحف والمحرّف وبعض الألفاظ المرتجلة.

2 - شيوع السماعي في اللغة العربية - السماع في اللغة خلاف القياس وهو ما نسمعه عن العرب ونستعمله دون أن نقيس غيره عليه - وهذا السماعي يكثر خصوصا في باب الصرف والاشتقاق - يقف عقبة كأداء في طريق الكتّاب. وقل من يتفادى منهم الوقوع فيه.

3 - الجهل باللغة: وذلك بالرغبة عنها والاكتفاء بالاطلاع الضحل على قواعدها وعلومها, فالطلاب مثلا يأخذون من العلم ما يسعفهم على تخطي عقبة الامتحان وإحراز النجاح وبعد ذلك لا يحاولون إنماءه بالمطالعة التي تقيهم اقتراف بعض الأخطاء والهفوات. هذه بعض العوامل التي جعلت الألسنة تتنكب عن الصواب وتحيد عن جادة الفصحى فانتشرت الأخطاء اللغوية في بطون الكتب وعلى صفحات المجلات والجرائد بالإضافة إلى ما تلوكه ألسنة الأدباء الخطباء ومذيعي التلفزة من عثرات وللألسنة عثرات لا يظهر البعض منها في الكتابة كجرحه عين الماضي والمضارع والأمر... إلخ.

ولقد تسربت إلى لغتنا العربية في العصر الحديث أساليب كثيرة دخل بعضها بفعل الترجمة أو نتيجة للاحتكاك والتفاعل بين اللغات أو لعلها بدأت طريقها من اللهجات العامية إلى الفصحى بواسطة العاملين في أجهزة الاتصال بالجماهير كالصحافة والإذاعة والسينما والمسرح والتلفزيون.

حتى أن كثيرًا مما نستخدمه الآن من تعابير هو في الحقيقة مستحدث, وهذه التعابير المستحدثة لم يعد أحد يتوقف للسؤال عن عروبتها أو أصول صحتها اللغوية بعد أن أصبحت جزءا من التراث العربي بينما كانت هذه التعابير موضوع استنكار عدد من علمائنا منذ نصف قرن.

لذا يحرص علماؤنا اللغويون المعاصرون على التمييز بين مستويين من الفصحى التي نستعملها الآن, المستوى الأول: هو فصحى التراث أو الفصحى التراثية التي هي عنوان على الصحة اللغوية ونموذج رفيع لسلامة التعبير وفصاحته كما أنها السجل الذي يضم صفحات التراث العربي في مجالاته الأدبية والدينية والمعرفية المختلفة, أما المستوى الثاني: فهو فصحى العصر أو الفصحى العصرية وهي بدورها السجل الذي يضم علوم العصر الحديث ومعارفه وتتنوع مجالاتها بتنوع حضارة المجتمع واتساع معارفه وغناها في مجالات العلم والفن والإنسانيات والأدب والسياسة والاجتماع والاقتصاد فضلا عن الصحافة والإذاعة والتلفزيون. ويرى البعض أنه إذا كانت فصحى التراث أعلى في السلم اللغوي من حيث صحة المقارنة بفصحى العصر فإن فصحى العصر أكثر غنى واتساعا ووفرة في المفردات والصيغ والقدرة على استيعاب ما يدخل في جسم العربية من مفردات وتعابير عن اللغات الأجنبية - نتيجة للترجمة أو التعريب - فضلا عن اتساعها المستمر لكل ما يضاف إلى المادة اللغوية نتيجة للاشتقاق والقياس والتوليد.

صلاح عبدالستار الشهاوي
مصر