العدد (757) - اصدار (12-2021)

البوسنة .. «بلد الدم والعسل» ترميم ذاكرة الحرب بالسياحة محمد بن سيف الرحبي

على مصطبة التاريخ أضع الاسم، وأفتش عن تاريخيّته، البلاد التي تشهد ولادات متواصلة، باحثة عن أعمدتها الراسخة كجبالها، وهي تعانق الغيم يهبط ليقبّل كل زهرة فيها، وقد استوت شابّة تقارب الثلاثين منذ أن وُلدت آخر مرّة من أفواه المدافع وروائح البارود، يختال علي عزّت بيجوفيتش، يرفع رايتها على سوار من دم الشهداء، فيما كان القرن العشرون يوشك أن يودّع سنواته الأخيرة. هي البوسنة والهرسك، ومع جناحيها حلّقت أزمنة، فجّرت أنهارها وشلالاتها بفيض من دم أبناء البلاد، والغزاة الذين انتهكوا جبالها المحصّنة بالاخضرار والحُسن، فكيف ببياض فقاعات الماء أن يستبقي لون الدم القاني، وأنّى لمطرها المتدفق أن يحتفظ بأدخنة الحرب، ما قبلها وما بعدها؟! وكيف لسراييفو (عاصمة البلاد وأكبر مدن البوسنة) أن ترمّم ذاكرتها، وهي الحريصة ألّا تضع (الجبس) لمعالجة ثقوب الرصاص والقذائف الآتية من زمن الجحيم والقصف الذي اغتال البشر والأشجار، وانتهك حرمات الأنهار... وهل يجدر بموستار (أكبر مدن الهرسك) أن تنسى عذاباتها وآلاف المقابر ترفع شواهدها، كلٌّ شاهدٍ بشهيد؟!