العدد (758) - اصدار (1-2022)
دعيني أغنّي يا مُعذّبتي الكبرى فقد سئمتْ نفسي نواح الهوى المُرّا أريـــد بــــأن أشـــــدو وأفـــــرح فرحة تعوّض ما قد فات منّي ... وما مَرّا
حين نستعرض أسماء روّاد القصيدة المغربية المعاصرة الذين يُعرفون بجيل الستينيات، يبرز الشاعر أحمد المعداوي (لقّب نفسه بالمجاطي تمييزًا عن أخيه الشاعر مصطفى المعداوي) اسمًا كبيرًا ذا ثقل وازن، رغم أنه لم يُصدر إلّا ديوانًا شعريًّا وحيدًا، هو الفروسية، الذي فاز عام 1985 بجائزة ابن زيدون للشعر التي يمنحها المعهد الإسباني العربي للثقافة في مدريد لأحسن ديوان بـ «العربية» و«الإسبانية»، وتضمن ثماني عشرة قصيدة في غاية الاكتمال والنضج الفني، ديوان وحيد جعل الشاعر يتبوأ موقعًا اعتباريًّا كأبرز مجوّدي القصيدة وأمهر صنّاعها مغربيًا وعربيًا.
من يقرأ المنجزَ الشعريَ الغزيرَ الممتدَ لشاعرِنا الكبيرِ فاروق شوشة قراءةً كليّةً متصاعدةً لا يمكن بأيةِ حالٍ من الأحوالِ ألا يلتفتَ إلى مَلمحين كبيرين يصنعان نسيجَهُ الشعريَ المتفرّدَ، ويصوغان عوالمَه المتراميةَ الأطرافِ، وهما: علاقةُ الشّاعرِ بزمانِه التاريخي المتعيّنِ، وعلاقةُ الشاعِر بشعرِهِ؛ إذ نستشعرُ على الدوام حركةً بندوليّةً كبرى تكادُ تصنعُ التوترَ الشعريَ المهيمنَ على بنيةِ شعرِهِ الكليّةِ، وتُكسبُها مذاقَها اللافتَ.
في أدب الرحلة والكتابة الذاتية عمومًا، يواجه الكاتب المعاصر كثافة حضور الآخر وأبعاده المتفرقة، بالاعتصام بسرود ذاتية، تتوالى في سياق من التذكر والاستدعاء، ووضع النقيض إزاء النقيض، وهي - وإن تشعّبتْ وجهاتها - تنهل في مجملها من رافدين أساسيين، هما: النشأة الأولى، والحياة العلمية وما يتصل بها من حيوات، ولعلّ أخصب هذه السرود ما قارب الوجدان، وأظهر الجانب «الجوّاني» من شخصية السارد، وحين يصّاعد السرد ليصلَ إلى جسارة المكاشفة والاعتراف، والإفضاء بما تُكنّ السريرة، بعيدًا عن مهادنة الواقع المتحالف مع المداراة والتعمية والإنكار.