العدد (492) - اصدار (11-1999)
أتملّص من أكفاني، أرفع عني أغطية النعش، وأنهض،
أحس بالوهج يفريني ويهـريني فأتقيه بذكر الله في الحين
على البوابة الخارجية الواسعة المسيجة بشبكة من الحديد التخين، اعترضني فريق كامل من الحرس في ثياب مدنية. من شباك السيارة قدمت لهم بطاقة الدعوة المختومة بخاتم تفحصوه جيدا وتأكدوا أنني لم أقم بتزوير هذه البطاقة. انحنى أحدهم على شباك سيارتي وطالبني ببطاقة تثبت هويتي. بقليل من الزهو قدمت له بطاقتي الصحفية حيث أنني مدعو إلى هذا اللقاء باعتبارى كاتبا صحفيا. لكنه رفض الاعتراف بها. وكنت قد تعمدت أن ألقي نظرة إلى محفظة نقودي بمرجها الجلدي المزدان بعديد من الكارنيهات
يحمل الشيخ عبدالمجيد بو الأرواح- في رواية "الزلزال" للطاهر وطّار- صفات النموذج البشري للمثقف التقليدي الذي ينقلب إلى متعصب ديني، متعصب ينطوي في داخله على رغبة تدمير العالم المدني الذي لا يستجيب إلى نواهيه. ولا تنبع هذه الصفات من كون الشيخ درس سنوات سبع بجامعة "الزيتونة" وإنما من انحيازه إلى تيارات النقل الجامدة، وآلية تفكيره الذي يقصر الحق على ما انتهى إليه، والباطل على ما انتهى إليه المختلف عنه، مقرناً الحق بالحقيقة التي ينجو من يتبعها، والباطل بضلالة المعصية المفضية إلي النار.
لم يشغلنا محتوى الأمر الذي أطلقه السجّان كم خلف شبّاك المهجع بنبرة جافة، حاسمة: (ضبّوا غراضكم)، لأننا كثيراً ما ضببناها وحملناها منتقلين من مهجع إلى مهجع، بل شاغلتنا حركة أخرى، مباغتة تماماً: حين جمعونا أمام غرفة التفتيش وشرعوا يسلّموننا الأمانات التي كنّا أودعناها يوم دخولنا قبل سنوات. وسط تكتّم صخري من عناصر السجن عجزنا عن تفتيته. مما نكأ عنّا قشرة الاعتياد، وأتاح للتساؤلات والاحتمالات أن تتدفق بيننا وتربكنا عمّا عسى يكون هدف الإدارة من جمعنا هذه المرة
عند تنظيف الجبل من الأعشاب في العام الماضي ، كاملا فوق الأرض . وبينما فقدت بقية الأشجار لحاءها نتيجة النيران المستخدمة في حرق الأعشاب ، احتفظت تلك الشجرة بلحائها شبه كامل ، لكنها تكاد تحتفظ بقطاع طولي متفحم يصور بوضوح كبير ما أحدثته النيران. حدث ذلك في الشتاء الماضي . انقضت أربعة شهور ، وسط المنطقة التي تم تنظيفها ، والتي فقدت ما زرع فيها نتيجة الجفاف ، تتمدد الشجرة المجتثة دائما وسط قفز من الرماد . أجلس ملتصقا بالجذع ، مسندا ظهري إليه في غير حراك ، في مكان ما من ظهري ، كسر عمودي الفقري