العدد (470) - اصدار (1-1998)
لا أذكر عدد المرات التي طرحت فيها قضية التقدم على صفحات "العربي"، وغيرها من المجلات والصحف، ولاأذكر أيضا عدد المرات التي بحثت فيها عن إجابة للسؤال الدائم الذي يراودني والذي لا أشك أنه يرادوكم أيضا: لماذا تقدموا هم وتأخرنا نحن؟ وهم هنا أناس عديدون في الشمال والجنوب في الشرق أو الغرب. وبرغم الإجابات العديدة فإن الوضع العربي مازال يواصل مرحلة التردي التي يخوض فيها منذ عقود، ورحم الله أستاذنا طه حسين حين قال: "يقولون إننا في مرحلة انتقالية وإن النهضة آتية، وأنا أرى أن هذه المرحلة قد طالت أكثر مما هو مقدر لها، وأن النهضة قد تأخرت أكثر مما ينبغي"
لقد أجهد العلماء والأطباء والفلاسفة عقولهم ومداركهم بغية حصر ما ينطوي عليه الصوم من فوائد وحكم ودلالات، فما وقفوا إلا على اليسير الذي أثبتته تجارب الطب والعلم. وألمحت إليه بعض نصوص الوحي المعصوم، وارتاحت إليه الأرواح والنفوس الطيبة المطمئنة، وهكذا هي التشريعات الإلهية لا يمكن للمدارك والعقول أن تحيط بجل أسرارها وأبعادها والحكمة من تشريعها وفرضيتها، بيد أن إقرار هذه الحقيقة لا يعني من جهة أخرى انتفاء أهمية وقيمة ما يمكن أن يتوصل إليه العقل والتجربة مما له صلة بتشريع من التشريعات الإلهية.
أي طاقة في هذا الوجود هي بين ثلاث حالات: الكبت والانفلات والتنظيم، وينطبق هذا على قوى الطبيعة كما ينطبق على قوى النفس، وهكذا فالسدود هي عملية ضبط وتنظيم لطاقة الماء بين شح المياه في عام والفيضانات المدمرة في عام آخر، كذلك الكهرباء فهي بين حالة الصواعق الحارق أو القوة المهولة، واستطاع الذكاء الإنساني تسخير هذه الطاقة بأفضل من قصة »علي بابا والمصباح السحري والجني« حيث طوع هذه القوة الماردة والتي تشكل إحدى قوى الوجود الخمس الرئيسية في سلك رفيع نحيف ليرفع المصعد
المسألة ليست على هذا القدر من البساطة، "فحكمة الحمقى" تعبير شهير في تاريخ الفكر البشري يضرب جذوره في أغوار الماضي البعيد، ويبدو أنه يرتبط بشعور الإنسان، بين الحين والحين، بضرب من الحنين "المرضى" إلى الماضي كلما تعقدت حياته، سعياً وراء طرق أبسط للعيش، وفي الوقت ذاته فإنه يسعى إلى أبسط ضروب الحكمة ـ سواء أكانت فطرية أو مكتسبة ـ التي تعلو على كل أنواع المعارف التي اكتسبها عن العالم من خلال استدلالاته، وتجاربه، وبحوثه، وتعاليم الآخرين
خذ مثلا على هذا النمو المبارك فلقد كان عدد المساجد فى هذه البلاد سنة 1950 ثلاثة وقد وصل العدد إلى أكثر من 1500 مسجد في السنة الماضية، وكان عدد العرب والمسلمين عندئذ لايزيد على ربع مليون بينما يزيد عددهم اليوم على الملايين العشرة، مما يجعل الإسلام الدين الثاني عددا في أمريكا بعد المسيحية.وكانت أمريكا بلاد المسيحين ثم أتى إليها اليهود وسموها - بالإصطلاح الدارج- بلاد اليهود والمسيحيين- (Judeo Christian) ، ونحن الآن نريد أن نجعلها بلاد "اليهود والمسيحيين والمسلمين "، نتيجة للحضارة الإسلامية وازدياد عدد المسلمين.