العدد (453) - اصدار (8-1996)
أبا فارس.. لا تفقد الذاكرة..
ظهر العدد الأول من المجلة الثقافية "السياسة الأسبوعية" في صباح السبت الثالث عشر من (مارس) 1926. وهي المجلة التي أصدرتها جريدة " السياسة" اليومية لسان حال حزب الأحرار الدستوريين التي كان يرأس تحريرها محمد حسين هيكل، وإلى جانبه صديقه وزميله في الحزب طه حسين مشرفا على القسم الأدبي من المجلة التي ظهرت بعد أربع سنوات تقريبا من ظهور الجريدة الأم في (أكتوبر) 1922. وكان العدد الأول من "السياسة الأسبوعية" يضم موضوعين لطه حسين المحرر الأدبي
في المساء يهل بطوله الفارع، كأنه خارج لتوه من مستوقد فول، يكاد الهباب يعلوه من ساسه لرأسه، عمره يجاوز الخمسين، تشي قسمات وجهه بوسامة غابرة برغم الهباب، وأبدا لا تفارق الطاقية الكالحة رأسه، يثبتها بأناة من لحظة لأخرى كأنها تاج يخشى سقوطه. يحيي الجمع بصوته الأجش، يرحبون به في مودة ويفسحون له مكانا بينهم، يبادر صاحبه القديم بمناداة صبي المقهى طالبا له الشيشة المعتادة، وتأخذ الحماسة أحدهم فيضيف، وقهوة مضبوط.. وتكتمل القعدة بمجيء مصطفى
لما كنت أعرف مؤلفاته الجغرافية حق المعرفة، فهي بمنزلة اللبنات الأولى، في المكتبة الجغرافية العربية الراهنة، فقد أخذني البحث عن إنتاجه الأدبي، إلى دار الكتب بالقاهرة. واكتشفت بعد حصر البطاقات التي تحمل اسمه، أن القسمة في المحصلة، تكاد تكون مناصفة، بين الجغرافيا والأدب. ويروي بعض معاصري عوض، أن ميله للأدب قد بدأ مبكرا، وأنه تجلى خلال المرحلة الثانوية في المنصورة شاعرا
يقول لوركا، واصفا الشاعر الذي يمضي إلى قصيدته، " إنه يذهب إلى رحلة صيد ليلية في غابة نائية.. عليه أن يتذرع بالسكينة أمام آلاف المحاسن والمقابح المقنعة بالحسن مما سيترى أمام عينيه.. عليه أن يصم أذنيه مثل عوليس عن النداءات الخادعة التي تطلقها حوريات البحر.. ويسدد سهمه تجاه الصور الحية لا الشكلية الزائفة التي تصحبها.. عليه أن يثبت أمام تهاويم السراب.. وربما كان عليه أحيانا أن يطلق صرخات حادة، في وحدته الشعرية
دق الباب دقا خافتا، فصحا الطبيب على الفور وأضاء نور الغرفة وجلس على حافة الفراش، ألقى على زوجته نظرة سريعة حيث كانت تنام عميقا، ثم التفع في عباءته وسار باتجاه الصالة. لم يتعرف في بادئ الأمر تلك المرأة العجوز ذات الشال الرمادي. قالت المرأة:" سيدي تدهورت صحته فجأة.. فهل يتكرم الدكتور بالحضور على الفور؟ "
في غفوة رأيت رؤيا أيقظت بالانفعال بدني
لصبح يحب التنزه في مرج أحداقنا