العدد (442) - اصدار (9-1995)
السلالم تعرف رائحة الصاعدين وتعرف خطو المقيمين والزائرين
كانت أهم سمة بارزة للشاعر، في العصر الجاهلي، من حيث هو نموذج أصلي، أنه صانع أسطورته الخاصة التي يستمد سرها من حضوره المستقل، ويشع تأثيرها من خصائصه الذاتية. صوته صدى وجوده، ومعتقده بعض صنعه، وحكمته خلق ذاتي، وإبداعه تشكيل حر .
ما إن تخطـو عقارب الساعة متجـاوزة نصف الليل حتى يتـدثر هـذا الحي العتيق بصمت رهيب- صمت ينتصب كصمت المقابر الموحشة - وتخور تلك الأجسـاد المنهكـة الرثة في سبـات عميق ليـدب صوت الجنـدب " مصنصنا " مفتتحـاً ليلاً من السكون المميت، يتـداخـل معـه نبـاح متقطع .. متكـاسل، سرعان ما يخبو ليغرق الحي في ظلمة عاتية وسكون رتيب ممل، وأعمدة الكهرباء- الخشبية- الهوائية تغدو كشبح أسطوري جاثم بظله على كل مكان .. لا شيء هنا سوى الليل وعـدد من السيـارات التي تجوب الحي ببطء وترقب.
ينتمي محمد البساطي إلى جيل الستينيات من الأدباء المصريين، وكان معهم يرفض الحكاية الرسمية السائدة عما حدث ويحدث في مصر ويحاول أن يحكي رؤيته الخاصة . وقد غاب الكاتب عن مسرح الحياة الأدبية قليلا ثم عاد بنفس الدفء والغزارة ليقدم شهادته وخاصة في روايته الأخيرة صخب البحيرة.في مجموعتـه القصصية " هذا ما كـان". يحاول محمد البساطي أن ينزع الغمامة عن العينين،غمامة التحيزات والأكـاذيب والأوهام، ليصور التجربة المركزية في الحياة الحديثة كـما هي.
"أبداً، لن أكذب ثانية، منذ اللحظة" هكذا أكد لنفسه ذات صباح
انقضت سبع سنوات على فراقهما .يا إلهي! خـلال هـذه السنـوات أصبح قوي البنيـة خشنـا، فقـد سبابتـه وتعلم لغتين هما الإيطـاليـة والإنجليزية وقد ازدادت عيناه طيبة وألقـا بسبب كون وجهه قد تكلل بسمرة رجولية تامة .كان يدخن الغليون ومشيته المتينـة، شأنها عند معظـم النـاس القصيري الأرجل، أصبحت متزنة حد الذهول .شيء واحـد لم يتغير فيـه مطلقا هـو ضحكته الذكيـة التي تتغضن لها عيناه .
نقرتان على الباب يرتبك العشب في "كرمشات" الأصابع