العدد (428) - اصدار (7-1994)

الاعتراف بالشاعر جابر عصفور جابر عصفور

لم يضرب لنا ابن خلدون مثلا واحدا أو حكى حكاية تعليلية، عندما تحدث عن تنافس الشعراء وتنازعهم، في الجاهلية، حول تعليق أشعارهم على الكعبة، معتمدين في ذلك على ما لديهم من قدرة بقومهم وعصبيتهم، ولا أذكر أن أحدا قبل ابن خلدون أو بعده، وصف لنا مشهدا من مشاهد هذا التنازع أو التنافس الجاهلي الذي انتهى بالاعتراف بفحولة الشاعر، ومن ثم تعليق معلقته على الكعبة، ثمة أخبار هنا أو هناك عن المذهبات أو القباطي المدرجة أو السموط أو المشهرات أو السبع الطوال، وروايات تتناثر في هذا المصدر القديم أو ذاك عن سبق صاحب هذه المعلقة على غيره في هذا المعنى أو ذاك المنزع، ولكن لا يوجد في حدود علمي من الكتب التي اعتادت الحديث عن المعلقات ما يحدثنا، تفصيلا أو إجمالا، عن معركة خاضها هذا الشاعر أو ذاك

شج فرن: قصة من النوبة يحيى مختار يحيى مختار

لسنوات كثيرة ظل التطلع للفوز على "محيي الدين شريف" في سباق التحدي الكبير للوصول عدوا إلى ممر "شج فرن" شمال قرية "الجنينة والشباك" الأمنية التي لم تتحقق لشباب القرية. لم يكن أحد منهم ليصدق أن ذلك النحيل الهش الذي لو دفعه أحدهم في صدره بإصبعيه لسقط متداعيا، يجري كالريح ليسبقهم جميعا وينتظرهم هناك تحت ظلال الممر الساكن في تلك الساعات من القيلولة حيث تدوم فيه النسمات الرطبة وتتجاوب في جنباته صدى ترنيماته بأغنيات عشق ولوعة لحبيبة مجهولة. تنبثق الكلمات في خاطره، تتفتق صورا وظلالا ونغما، يتغنى بها "الشار" بعده.. يتداولونها في الأفراح عندما تنصب حلقات "الأراجيد"..

غريب في الحفلة حسن علي محمد الجوخ حسن علي محمد الجوخ

في هذه اللحظة يبدو من بين كل متاعبي وأسوئها عصب بوجهي، لا يتوقف عن التقلص..أظل أحدث نفسي: إن هذا لا يهم.. لا أحد يلحظ أو يهتم، فاللاجئون يفترض فيهم دائما أنهم عصبيون ومنهكون، وهذا ما يفسر محاولاتهم المستمرة لإثبات أصالتهم، هذا رجل مسكين يعتبر كل ما مر به من ثورات، ومعارك في الشوارع، ومحاولات فاشلة للهرب ترغمه بالفعل أن يرمي بكل شيء خلف ظهره، فلا غرابة إذن أن يكون في صورة سيئة بائسة: "هل رأيت وجهه، وهو يتقلص".. أعتقد أنهم سيتحدثون بحزن وتعاطف شديدين، ولذلك علي ألا أكرههم، بل يجب أن أكون ممتنا لهم