العدد (765) - اصدار (8-2022)

البُعد الثقافي والحضاري لمشاعر العداء ضد المسلمين في أوربا د. جان جبور

في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة كان لافتًا حجم المساحة التي أفردها مرشحو اليمين في برامجهم الانتخابية للعداء للإسلام والتضييق على المسلمين، من ضمن استراتيجيتهم لجذب الأصوات. وهي صورة تعكس تعاظم تأثير الأحزاب اليمينية في العديد من الدول الأوربية التي تغذّي بشكل أساسي القلق الذي يبديه الغرب إزاء ازدياد أعداد المهاجرين الذين يفدون إلى بلادهم من الدول الإسلامية، والتهويل بأسلمة أوربا من خلال شعار يتكرر في معظم دول أوربا «الإسلام يغزو قارتنا ويهدّد هويتنا». الأمر الذي يشجبه المسلمون في أوربا والعالم، خاصة بعد أن تحسّنت صورتهم كثيرًا نتيجة إسهاماتهم القيمة في مختلف المرافق السياسية والاقتصادية والإنسانية. ومع تنامي هذه الظاهرة التي أُطلق عليها اسم الإسلاموفوبيا، هناك سؤال ملحّ بدأ يطرحه المهتمّون والمراقبون: هل نحن أمام لعبة سياسية بحتة، أم أن للمسألة بُعدًا ثقافيًا يضرب جذوره عميقًا في صراع الحضارات؟

الْفَاشِيةُ الرَّقْمِيةُ وَعَوْلَمَةُ الرُّعْب صالح لبريني

تمرّ الإنسانية، في الألفية الثالثة، من منعطف تاريخيّ وحضاريّ مؤلم؛ ومثير للاستفسارات المقلقة والمحيّرة في الآن ذاته، نظرًا للارتكاسة الحضارية التي تتخبط فيها دول المعمور، ولمظاهر الموت من حروب مشتعلة هنا وهناك، وخراب يستشري في كل البقاع، ورحلات تهجيرية سيزيفية تتعرض لها الشعوب، وخرائط جديدة يخطط لها من لدن الدول العظمى للعالَم، وانهيار قيمي قلّ نظيره مقارنة مع المراحل التاريخية السالفة، وهذا جراء ما شهده الزمن المعاصر من ثورة تكنولوجية هائلة، ونتيجة تغول الدول المتحكمة للسيطرة على العالَم، وبنشر ثقافة الرعب التي حولّت الكون إلى مارستال كبير تعتقل فيه شعوب الدول باسم الأوبئة واستتباب الأمن والاستقرار ظاهريًا، لكن باطنيًا التحكم في كل شيء ورسم معالم عالم جديد، من يمتلك فيه الثروة الرقمية والثورة هو من يقود العالَم، ويجعله في قبضة سلطة التكنولوجيا الغاشمة.

في صلاح الأمّة وفلاحها تجسير الرؤى بين الدِّين والتُّراث الحسام محيي الدين

عرف البحث التاريخي ارتباكًا غير مقصود في مسألة التّعالُق الفكري والعضوي بين الدّين والتُّراث، من أجل تحديد طبيعة تماس مجموعة المفاهيم والعناصر المادية والمعنوية بينهما، اتفاقًا واختلافًا، مما يمكن إرجاعه إلى أسباب عديدة أهمها افتراق فريقَي التنظير لتلك المسألة بين القومي والديني، كلّ على حِدَة، مع الإقرار بأنّ طروحات ناجعة وجهودًا جبّارة بذلها من عملوا في هذا المضمار بمرجعيات منوعة: بنيوية، لغوية، عقلانية، مادية، وجمالية، فكان لكلٍّ منهم منهجه ورؤيته كالفارابي والتوحيدي وابن مسكويه وابن خلدون وعلماء الجامعات الإسلامية (الأزهر، الزيتونة، القرويين...) والمستشرقين الغربيين ومن تأثّر بهم من العرب، إلى زكي نجيب محمود وعبدالله العروي ومحمد مفتاح وعبدالفتاح كيليطو وعبدالكبير الخطيبي، عطفًا على منجزات نصر أبو زيد ومصطفى ناصف ومحمد عابد الجابري وإدريس بلمليح وكمال الصليبي ومحمد عمارة وغيرهم كثيرون.

حوار الحضارات في فكر محمد عابد الجابري د. خالد التوازني

عرف «حوار الحضارات» محطّات تاريخيّة حاسمة، أسهمت في انبثاقه وبلورة معانيه ورسوخها في الفكر العالمي المعاصر، ويتعلق الأمر بصدور كتاب روجيه غارودي عام 1977، وحدث سقوط جدار برلين عام 1989، ونشر كتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير لفوكوياما عام 1992، ثم ظهور كتاب صِدام الحضارات لصمويل هنتنتجون عام 1996، وإعلان مبادرة الأمم المتّحدة لحوار الحضارات عام 2001، وإطلاق مبادرة تحالف الحضارات عام 2005، ثم جائحة كورونا وما تمخّضت عنه من حوارات بين الدول والمختبرات العلمية ضمن جهود محاربة هذا الوباء، وحوارات بين المفكرين والفلاسفة في أبعاد الجائحة وتأثيراتها في الفكر الإنساني المعاصر، وأخيرًا الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد دعوات الحوار والتفاوض، إضافة إلى تزايد تيار السلام في الشرق الأوسط.