العدد (768) - اصدار (11-2022)

شاعر الوَجد والوجود د. عبدالمجيد زراقط

سبتمبر هو شهر رحيل الطيور في لبنان ، وبدء فصل الخريف. في الحادي عشر من هذا الشهر رحل الشاعر اللبنانيُّ العربيُّ الكبير محمد علي شمس الدين (1942-11/9/2022) إلى العالم الآخر، كأنه طائر من طيور أيلول الرَّاحلة إلى عالم آخر . نلاحظ، ونحن نقرأ شعر هذا الشاعر، أنَّه كان يستشرف، في ظنونه، رحيله، عندما أنشد: «فقد أخبرتني الطيور التي لا تطير سوى في ظنوني / أنَّ أيلول باقٍ ...»، ونحن الراحلون. رحل، صاحب «يحرث، في الآبار» - 1997، بعدما تعب، وأنشد للمرارات كما حكت شهرزاد لشهريار، فخاطبها: «تعبنا، يا شهرزاد، تعبنا / وركضنا طويلًا خلف أعمارنا / حتى انحدرت دمعتان من عنق الحصان».

محمّد علي شمس الدّين مشى عليه الموت فانتصرَت له القصيدة سميّة محمد طليس

كان الإطار المرجعيّ الثّقافيّ للشّاعر محمد علي شمس الدّين يرعى القصيدة، لكنّه لم يقيّدها، بل تأرجح الخيالُ في سياقاته بين الجنون والتّعقّل الّذي لم يسقط في دورة النّفي أو السّجن، على الرّغم من ارتحال الشّاعر إلى الأحلام ملاذًا من الزّمن وإليه، ارتحال يبدأ بالتّحرّر من أسر الواقع (عالم الاغتراب) بماضيه وحاضره المأزومين بقسوة الحقائق، إلى المستقبل الأفق المائج بالحركة والانطلاق على وقع حال الوعي الّذي يتوسّط بين الشّعور واللاشعور، المستقبل الأمل الآتي الذي يتوجّب بقاؤه في دائرة الإمكان، ففي حال تحقّقه يتهشّم تخيّل الشّاعر، وتذبلُ أحلامه وتهرم وتُهزم، وفي ذلكَ تنتفي شروط بقاء الشّاعر حيًّا في شعره.