العدد (778) - اصدار (9-2023)
بَيْنَ قَلْبِي والْمَثَانِي السَّبْعْ وجِبَالِ الأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعْ والسَّمَـاوَاتِ... ذَوَاتِ الرَّجْـعْ سَبَحَـاتٌ... لَيْـسَ إِلاَّ... سَبَحَـاتْ ***
حين ذكر ميشيل ليريس (Michel Leiris) أن أمنيته المزدوجة هي «أن يصبح الحدثُ مكتوبًا والمكتوبُ حدثا»، هل كان يرسمُ أفقًا شفيفًا بإزاء إضمامة يتعالقُ فيها الحدثُ بالمكتوب ويتعانقُ المكتوبُ بالحدث؟ أُرَجِّحُ أنه مَزَجَ لحمةَ أُمنيتِه وسَدَاها على المنوال الذي نَسَجَتْ عليه الكاتبةُ الفرنسية آني إرنو (ANNIE ERNAUX) - الفائزة بجائزة نوبل في الآداب (2022) - مؤلفاتٍ من قبيل: «خزائن فارغة»، و«الحدث»، و«المكان»، و«انظر إلى الأضواء يا حبيبي»، و«لم أخرج من ليلي»، و«العار»، و«امرأة»، و«السنوات»، و«شغف بسيط»، و«الاحتلال، و«الشاب»، إلخ...
نقترح في هذه الدراسة الاقتراب من كتاب محمود أمين العالم «ثلاثية الرفض والهزيمة، دراسة نقدية لثلاث روايات لصنع الله إبراهيم: «تلك الرائحة»، «نجمة أغسطس»، «اللجنة» (منشورات دار المستقبل العربي، 1985)، وكأنه محكي سردي، قصة أو رواية، قاصدين من ذلك البرهنة على أن الحساسية والتخييل الإنسانيين يهيكلان، بنفس القوة، جميع الإنتاجات الذهنية، ويؤثران على طريقة اشتغالها رغم التباين الظاهر لهذه الانتاجات. ونرغب كذلك في التأكيد على أن النقد الأدبي، باعتباره خطابًا وممارسة فكرية وثقافية، يفتح لنا أفق انتظار خاصًا تساهم في صياغته جملة عناصر قد يكون أهمها التصور الذي كونه القراء عن خصوصية الكتابة النقدية، والسياق التاريخي والاجتماعي العام الذي يؤطر عملية التلقي ككل.
لم يُخترع بعد مثل جهاز ريختر لاستشعار وقياس الهزات والزلازل الاجتماعية، والانهيارات السياسية، وتحديد درجة قوتها، ومدى تأثيرها، والتعرف إلى المؤثرات والأسئلة المسببة لها، والمصاحبة لها، واللاحقة عليها، ربما تكون العلوم الإنسانية؛ خاصة العلوم السياسية والاجتماعية، هي القادرة على تقديم دراسات وأبحاث تحقق هذا الغرض، لكن يبقى الأدب صاحب القدرة الحساسة على الاستبصار، والحدس، والتنبؤ، وتقديم التحليل ذي الصبغة الإنسانية العميقة التي تستشرف ما هو قادم، وتقيم ما هو حادث، وتحلل ما قبل الحدث، كل ذلك في علاقته بالإنسان الفرد بما هو شخصية مستقلة ذات كيان ومواصفات خاصة، وبما هو عضو في جماعة يؤثر بها في حدود قدراته، وتؤثر فيه بقدر تفاعله معها.