العدد (778) - اصدار (9-2023)
قصد جبل لبنان في القرن التاسع عشر عدد كبير من الرحالة الأوربيين، جابوا في أرجائه، ثم دوّنوا مشاهداتهم وانطباعاتهم في مؤلّفات ذكروا فيها المناطق التي زاروها، وما واجههم فيها من أحداث، والمناسبات المتعدّدة التي صادفوها أو تلك التي شاركوا فيها، ومن بينها العادات والتقاليد المتبعة في احتفالات الأفراح التي شملت الخطبة، والأعراس أو احتفالات الزفاف أو القران، والولادات، والمعمودية وغيرها. وقد شكلت كتاباتهم عن تلك المناسبات مصدرًا مهمًّا عن تاريخ لبنان الاجتماعي في العصر الحديث. وبما أن الحديث عن تلك المناسبات قاطبة يطول، قصرنا الكلام على احتفالات الأعراس لما كانت تتضمنه من مظاهر لافتة، بحيث كانت في مقدّمة مناسبات الأفراح التي أثارت انتباه الرحّالة.
لم يكن دخول الصحافة إلى المشرق العربي في ظل الحكم العثماني بالأمر الميسّر، كما كانت الحال على الضفة الأخرى من البحر المتوسط. وبالمقارنة بين جغرافيتين متجاورتين، وفي أطر سياسية تكاد تتشابه في نمط الحكم الامبراطوري، كان التفاوت واضحًا في اهتمام السلاطين بالصحافة.
يستوقف الزائر والسائح في سوق الطويلة، أحد أسواق مدينة بيروت، معلم أثري صغير، ينتصب بين عدد من الأبنية الحديثة، كشفت النقاب عنه الحفريات الأثريّة التي أجريت في العاصمة اللبنانية، بعد انتهاء الحرب الأهلية في بداية تسعينيات القرن الماضي. وحين يقف المرء متأمّلًا في هذا البناء تعتريه الحيرة فيما عساه يكون. ولكن سرعان ما يقع نظره على بطاقة تعريف بهذا الأثر باللغات الثلاث: العربية، والفرنسية والإنجليزية. وممّا جاء فيها: «تعود زاوية ابن عَرّاق (بفتح العين وتشديد الراء) إلى نهاية العصر المملوكيّ ولم يبق منها سوى مبنى صغير مقبّب». وتضيف أنه كان رجل دين بارزًا، ولد بدمشق، وبنى له منزلًا ومضيفة في مدينة بيروت العام 1517. وقد اختار هذا المكان ليكون قريبًا من منزل الإمام عبد الرحمن الأوزاعي (القرن الثامن) الذي ذاع صيته في العالم الإسلامي أجمع كرجل عدل وتقوى. وإثر وفاة ابن عَرّاق في مكّة العام 1526، تحول منزله في بيروت إلى «مدرسة» (لتعليم القرآن والفقه)، وكذلك إلى «زاوية» لأتباعه آنذاك.