العدد (778) - اصدار (9-2023)
يتبادل الناس الهدايا في مختلف المناسبات، ولأسباب متنوعة كالتعبير عن المحبة والامتنان، والرغبة في تعزيز العلاقات وتوثيقها، والاحتفال، والاحتفاء بإنجازات وأحداث، وأشخاص. وقد وجد علماء الأنثروبولوجيا، وعلماء النفس أن تقديم الهدايا، وما ينتج عن فعل العطاء، جزء مهم من التكامل المجتمعي، والتواصل بين البشر، وتحقيق سلامة الأفراد.
قد يكون أغلب القراء مثلي تمامًا، توارثنا مبدأ خطورة تحديق الطفل في المرآة لفترات طويلة، وذلك بحكم تفاعلات الطفل أمامها بشكل كبير، مما يجعلنا أكثر خوفًا على عقلية الطفل وجوانبه الانفعالية، إلا أن الحقيقة تقول غير ذلك، فالطفل يولد ولديه ميل فطري للتحديق في الوجوه، وأول نظرة لنفسه بالمرآة تتولد لديه رغبة بالإمساك بهذا الكائن عابثاً بيديه الصغيرتين وسط المرآة إلى أن ينمو ويكبر فينظر لنفسه محاولاً أن يكتشف ملامحه، ثم شيئاً فشيئاً يقضي سنوات عديدة من عمره للتعرف على ذاته وهي أعمق مهمة يقوم بها الإنسان طوال عمره، وفي ذلك يقول أرسطو: «معرفة الذات أول الحكمة»، بل إنها أول أدوات الثقة بالذات والانطلاق بحرية نحو الحياة بكل مرونة، متقبل لشكله ولأشكال الآخرين وهناك ثمة فروقات لابد أن نحترمها في ذواتنا وفي الآخرين.
كَثُرَ الحديثُ في زمن وباء كورونا عن ممارسة الحياة عن بُعد؛ فكان التعليم عن بُعد، والعمل عن بُعد، وكلّ شيء يُبحث له عن ذلك البُعد، هروبًا من القرب وابتعادًا عن المكان والإنسان والأشياء... ولم تكن فكرة البُعد الحسّي، جديدة على الإنسانية، فقد عرفها البشر منذ قرون طويلة، ولكن ليس بوسائط تقنية مثل شبكات التواصل والشاشات الإلكترونية، بل بأشكال أخرى كالتأمل وتوارد الخواطر وحوار القلوب والفراسة والحدس والإلهام، كما عرفت بعض المجتمعات أسفارًا عجيبة وغريبة، لم تكن عبر الخيال فحسب، كما هو شائع عند الأدباء والشعراء، وإنما كانت رحلات في أعماق النفس، غايتها الانتقال من الصفات المذمومة إلى مكارم الأخلاق، في رحلة تزكية وارتقاء مستمر في سُلّم الإنسانية، وهذا النمط من السفر يتحول إلى بروتوكول الكمال الإنساني.
تعوّدنا سماع جملة: «الإنسان عدو ما يجهل»، فقد كان عدوًا فعليًا منذ الأزل لأي جديد وأي تغيير... فخاف من وسائل النقل والماكينات والتلفاز واللاقط الهوائي والإنترنت والهواتف النقالة وحتى الأديان... فمنذ اختراع أول جهاز إلكتروني وهو الحاسب الآلي وتطوره عبر الزمن، لم يتوقف عن تقديم خدمات هائلة للبشرية في شتى المجالات وعلى جميع الأصعدة.