العدد (787) - اصدار (6-2024)
عبدالعزيز سعود البابطين رمز من رموز الخير في دولة الكويت، تجد آثاره الطيبة وسمعته الرفيعة أينما اتجهت في أقطار الأرض... رجل عصامي استطاع بعد سنوات من الكفاح والعمل الجاد المبني على الأمانة والصدق أن يكون واحدًا من أبرز رجال الأعمال في الكويت، له نشاطه التجاري والاقتصادي الممتد إلى مختلف ربوع العالم.
منذ إحداثها في الثمانينيات من القرن الماضي، وضعت مؤسسة البابطين لنفسها هدفًا رئيسًا تمثل في جعل الثقافة لبنة داعمة لنشر قيم السلام والوئام في جميع أنحاء العالم. وقد اختار رئيسها، الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين، رفع هذا التحدي على أساس ثلاث مرتكزات تسمح بالانفتاح على الآخر والاعتراف باختلافه وهي: الشعر، وحوار الحضارات، وتعزيز مقومات التداخل والتفاعل الثقافي. إن عودة العنف إلى العالم، الذي شجع الكثير على الانغلاق واعتماد مواقف وطنية متصلبة، لم يقلل من إيمانه بمشروعه ومصداقية مراميه. لذا بادر إلى ريادته بعزيمة لا تلين، انطلاقًا من قناعة راسخة تستند إلى الثقافة باعتبارها السبيل الناجع لضمان السلم عبر العالم. فبقدر ما جعلنا منها جسرًا للتواصل والتآلف بقدر ما استطعنا تعزيز المساهمة في بناء نظام حضاري عالمي متوازن.
عبدالعزيز سعود البابطين حالة استثنائية في تاريخ الحب للقصيدة العربية الرصينة، أعطاها من عاطفته وماله في الوقت الذي تخلى عنها الكثيرون. جاء البابطين ليعتني بالقصيدة العربية وينفض عنها الغبار ليظهر بريقها الذي يعيدها إلى سالف عهدها وهي تزهو بمفاتن صباها. واختار مصر لتكون حصنه المنيع في الدفاع عنها، ومن القاهرة أعلن عن جائزته لتقدير المبدعين من الشعراء والنقاد العرب، وفيها تضاعفت قيمتها المالية وتوسعت مجالاتها بعد أن قرر وزير الثقافة المصري الأسبق الفنان فاروق حسني أن يضعها تحت رعايته، ويعبر عن فرحة كبرى العواصم العربية بأن يقصدها البابطين ناشدًا التواصل ورد الجميل حين قال: «سعدت بكم القاهرة وأعطيتموها قيمة فوق قيمتها، مثلما أعطت هي قيمة لهذه الجائزة».
هو صقرُ الفيافي، مسافرٌ أَبَدَ العمر في البوادي راكِبًا صهوةَ الشعر، تعشَّقَتْ روحُه بالقفار، كما عَشقَ الأماليدَ الهزارُ. له انتماء أصيلٌ إلى بلده الكويت، وهل يكتوي بحب الأوطان إلا شاعرٌ مشغوفٌ بوطنيته! ألَا إنّ «أحقَّ البلدانِ بنزاعِكَ إليه بلدٌ أَمَصَّكَ حَلَبَ رَضَاعِهِ»، ثم إنّ الفطرة السليمة «معجونةٌ بحبِّ الوطن». أُرجِّحُ أنه والشعراءَ من أمثاله في لحظات احتدامهم ليسوا «بشيء من أقسَامِهم أَقْنَعَ منهم بأوطانهم». فكيف إذا كان الوطن هو الكويت؟!
في أوائل عام 2000م، كنت أترددُ على مكتب مؤسسة البابطين الثقافية في شارع جامعة الدول العربية بالقاهرة، للتزود ببعض المطبوعات. كنتُ كشاعر قد بدأت النشر في الدوريات العربية منذ خمسة عشر عامًا، وأصدرت حتى ذلك الوقت ثلاثة دواوين. تقدمتُ للمكتب بسيرتي الذاتية والأدبية لتحديث عضويتي في معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين؛ والذي صدرت طبعته الأولى عام 1995. عُرض عليّ الترشح لإدارة مكتب المؤسسة بالقاهرة، ووصلت الموافقة من إدارة المؤسسة. حصلتُ على إجازة دون أجر من عملي الهندسي بإحدى شركات الأدوية، وبدأت العمل بالفعل في المكتب أول مايو من العام نفسه.
يرصد هذا المقال على شكل نقاط لاهثة وإحصاءات متلاحقة، وباختصار... جوانب عديدة من سنوات العطاء الثقافي والأدبي والإنساني للشاعر الراحل عبدالعزيز سعود البابطين، ومؤسسته الفريدة، والرائدة.