العدد (787) - اصدار (6-2024)
امتلأت كتب التراث العربي بالعديد من نوادر «جحا» ونكاته التي تعبر عن عِبَر أو حكم نُسجت داخل قوالب إبداع شعبي جعلته في مرتبة الحكيم أو فيلسوف البسطاء... حتى أضحت هذه النوادر أو حتى النكات تؤلف من وحي اللحظة، إذ يكفي المتحدث أن يحكي نادرة ذات طابع مرح، إلا ونراه ينسبها إلى «جحا»، مهما كان الدور الذي يلعبه جحا في هذه النوادر... وأكثر من ذلك فقد يكون أمام المتحدث موقف فيه شذوذ أو عوج في السلوك أو القول إلا وتراه يقول، «مثل جحا» و«على رأي جحا» و«مرة جحا» و«قال جحا»، وعندئذ يتلقف المستمع الاسم بابتسامة عريضة ويتهيأ للضحك... حتى غدا «جحا» بالفعل في وجدانهم مشجبًا أو رمزًا لكل عجيب أو طريف أو نادر أو شاذ من القول والسلوك.
انطلاقًا من فهومات العلاقة مع التاريخ، فإنّ الأفق الحضاري لأي تراث إنساني يحلّ على منزلة من المنزلتين: مادي ونعني به العمران بأشكاله المختلفة، وفكري وهو مجاميع ما تواتر إلينا من المعارف والآداب بأجناسها المختلفة، تتفاوتان في حساسية التفاعل معهما بين باحث مهتمٍّ وآخر، لكنهما تتحدان في حِجاجية المقول بأنّ التاريخ والتراث كيانان لا ينفصلان.
مما لا ريب فيه أنّ الأدب العربي الحديث والمعاصر مترعٌ بنماذج من المواهب التي ألهمها الله تعالى قدراتٍ ومهاراتٍ فنية عالية، مكّنتها من ناصية الإبداع الأدبي شعرًا ونثرًا. وقد لا نجانف الصواب إذا قلنا بأنّ القرن العشرين الميلادي قرنٌ متميّز إلى أبعد الحدود من حيث ظهور تلك المواهب في رحاب عالم الأدب والموسيقا والرسم والفنون التشكيلية وغيرها... فقد دبّت في هذا القرن نهضةٌ أدبية وفكرية، أعادت إلى أذهاننا جوانب عديدة من النهضة الأدبية والفكرية التي قرأنا عنها بإعجاب خلال العصر العباسي.