العدد (789) - اصدار (8-2024)
في أقاصي صعيد مصر، ومن داخل حفرة في صحن بيتها الطيني، كانت تتطلع إلى أعلى، بملامح أنضجتها الأيام. امرأة خمسينية قبطية من قرية «نقادة» الجنوبية الحارة، ظلت تحرك أصابعها بخفة، وإيقاع منتظم، بين أوتار مشدودة على قوائم خشبية تعلو من حفرتها، بينما تحدثني. لم تكن تعزف الموسيقى على آلتها الغرائبية العتيقة، ولكن تصنع نسيج «الفركة». الحرفة التي ورثتها عن سلسال أمهات متشحات بالسواد، نُذرن لتحويل خيوط القز إلى نسيج من حرير، ظل ينساب بين أيديهن زاهي الألوان، على خلاف أديم حفرهن، وجدران بيوتهن الحائلة، وأرضياتها الترابية. بدت سيدة الحرير كلقطة «سيريالية»، عندما رأيتها قبل نحو عقدين، واحتفظت بها كأيقونة لازمتني، بينما واصلت الرحلة باحثًا عما تبقى من التراث، وناسه العجيبين.
على بعد مسافة قصيرة من دول الشرق الأوسط بالطائرة تقع اسطنبول التي تمتد على القارتين الأوروبية والآسيوية، المدينة المليئة بالفرص الرائعة للتسوق والسياحة الثقافية والترفيه، مزيج مدهش من التاريخ العريق والحداثة، فالمدينة تتألق ضمن لائحة أكثر أماكن السياحة عالميًا من حيث عدد الزوار الذي يقدر بالملايين سنوياً! حيث تمتلك العديد من عوامل الجذب، فطقسها المعتدل أغلب أوقات السنة وثرواتها الثقافية وأسواقها الشهيرة بمنتجاتها المحلية، حيوية وإثارة المدينة ومواطنوها أنفسهم وحفاوتهم وابتسامتهم في استقبال الأجانب، وانسجامهم مع مختلف الجنسيات والديانات، لم تنفك على مر العصور من الترحيب بالزوار والمهاجرين والباحثين عن المعرفة، فاسطنبول مدينة تنصهر فيها الثقافات بطريقة منحتها روحها الفريدة حيث يلتقي الشرق بالغرب.