العدد (791) - اصدار (10-2024)
تمر المنطقة العربية ببوادر مرحلة جديدة بدأت تأخذ ملامح مختلفة عن الملامح السابقة التي مرت بها خلال العقود الخمسة الأخيرة، حيث شهدت تلك الفترة تحولات عدة في الواقع الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والفكري، وأفرزت خطابًا ثقافيًا مختلفًا عن خطاب النهضة العربية الذي بدأ تقريبًا منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن العشرين، فقد شهد الخطاب الثقافي العربي خلال الخمسين عامًا الأخيرة تحولًا في أسسه التي قام عليها سابقًا، من خطاب يحارب الاستعمار، ويدعو للتحرر منه، وينشر قيمًا وأفكارًا مدنية بقيادة نخبة من المثقفين والمفكرين وقوى مدنية تحمل فكرًا مستنيرًا وتركز على المعرفة الحديثة والعلم وآثارهما المختلفة على الواقع الثقافي. لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن وتحول إلى خطاب مختلف بعد الاستقلال.
تكشف أسئلة القراءة عن إشكالية مركبة قد تدفع للتفكير في ثلاث قضايا تربطها بالقراءة عدة وشائج: الأولى، تهم الفعل (هل نقرأ؟)؛ أي الفعل المتولد من حرية القارئ القائمة على أسّ إبستيمولوجي بخلفية دعم الذات معرفيًا، ورفع منسوب وعيها وإدراكها للوجود الممتد، بما فيه وجود الأنا. والثانية، تخص المنهج (كيف نقرأ؟)؛ أي الطريقة التي نستند إليها في القراءة، أكانت كثيرة أم قليلة، أكانت مؤطر بسياق بحثي يستدعي القراءة لزومًا أم موجهة باهتمام ذاتي حرّ. والثالثة، تقترن بالأفق (لماذا نقرأ؟)؛ بوصفه أفقًا توجهه غايات معينة، ورهانات متنوعة.