العدد (398) - اصدار (1-1992)
الحب مجانا، كالشمس والهواء. ومهما حدث لي، أحس بنوع غريب من الحب، قد تكون فيه بعض السذاجة أو العبط، وقد أكون فيه زميلا أو صديقا، أو زوجا وأبا فيه شيء من أمومة. لكني لاحظت في حبي أيضا طابع "الأمومة"، لأنني مثل الأم التي لا تصدق أن من أحبته يمكن أن يتغير أو يغيره الزمن. ولاحظت أن من أحبهم تحفظ ذاكرتي صورهم، في قلبي، محفورة، بارزة، أو هيئة لا تمحوها الأيام.وأنا بطبيعتي ذاكرتي بصرية، تحفظ الوجوه، وتسجل الأماكن وتحفرها حفرا مثل حفر الفراعنة!
من أطرف المناقشات التي دارت بين علماء لغتنا العربية في مستهل هذا القرن، تلك التي كانت حول معنى كل من الفقير والمسكين: أيهما الذي لا مال له، وأيهما أسوأ حالا من الآخر. ووجه الطرافة أنهم اختلفوا في ذلك الحين على ثلاثة أقوال: القول الأول يرى أن المسكين أسوأ حالا من الفقير، لأن الفقير هو الذي له قدر ضئيل من العيش، أما المسكين فهو الذي لا شيء له. وقد استدل أصحاب هذا الرأي بالآية الكريمة: "أو مسكينا ذا متربة" أي المطروح على التراب من شدة الاحتياج.
مع أن علماء التشريح والنفس نقلوا مراكز الإحساس إلى المخ، واعتبروا القلب جهازًا لضخ الدم له ردود أفعال فقط، إلا أني اعتبر القلب موضع كل إحساس من الحب إلى الغيرة إلى الحقد إلى الرغبة الجارفة التي تؤدي إلى الهلاك، انظر إلى قلب العجل في الطاسة محاطا بالفلفل الأخضر والسمن البلدي وأنصت جيدا إلى طشطشته عندما تداهمه النار، إن قدراً هائلاً من الأحاسيس يتسامى في رائحته الشهية، ولذا فإن الأطباء ينصحون مرضى الكولسترول والنقرس بعدم أكل القلب تخفيفاً عن باقى مشاعرهم القديمة
اتفق علماء اللغة العربية على استخدام كلمة "الحاسب الآلي" أو "الحاسوب" تعبيرا عن الكلمة الإنجليزية "كمبيوتر" ، ويبدو أن التطور التكنولوجي في هذا المجال قد جعل الكلمتين - العربية والإنجليزية - غير معبرتين. صحيح أن البداية كانت تتصل بالحساب وعلم الرياضيات، وحين صمم العالم الرياضي البريطاني "شارل باباج" آلة حاسبة في أوائل القرن التاسع عشر لم تكن مهمتها أكثر من إجراء العمليات الحسابية وإعطاء جواب مطبوع، لكنها - وفي نفس الوقت - كانت تعمل كأي آلة صغيرة بالروافع والمسننات
سيدتي أنا واثق أنك أنت من دون الناس جميعاً لن يتاح لك أن تقرئي هذه الرسالة قط، ولن تلفت نظرك من قريب أو من بعيد، وليس ذلك لأن الشقة قد بعدت بينكما حتى لتوشك أن تكتمل عشرين عامًا بالتمام، ولكن لأسباب أخرى عديدة غير ذلك، وما أظنك تتصورين أنه رغم هذه العشرين عامًا مازال يذكرك كثيرًا (حتى لقد قال له بعض أصدقائه إنك ستظل تذكرها حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين كما قال أخوة يوسف لأبيهم يعقوب) رغم ما قد أصاب حياته في تلك الفترة الطويلة التي انتقلت به من الأربعينيات إلى الستينيات من تطور خطير ومن أحداث جسام.
بهذا العدد من "العربي" ندخل سنة ميلادية جديدة، سنة من الزمان وسنة من تاريخ هذه المجلة المتجددة، ولعلك لاحظت أن العدد السابق وهذا العدد - والأعداد القادمة بإذن الله - تتميز بإخراج جديد ليس في الشكل الخارجي والصورة الملونة فقط؛ بل وأيضا في الموضوعات المطروحة، وهذه ميزة المجلات المتجددة، فالمجلة لابد - إن هي أرادت أن تواكب الزمن وتقدم لقرائها الجديد والمفيد - أن تتعرف على التحولات الكبرى التي يعيشها مجتمعها وبيئتها. ولاشك أن هناك تحولات كبرى تجري حولنا أساسها النظرة الموضوعية والعقلانية والعلمية للأشياء.
شعرت بفراغ ثقافي حينما احتجبت المنارات الثقافية للكويت بعد العدوان الهمجي على أرضه وشعبه بل على الشعوب العربية كلها ومنها شعب العراق الشقيق بما جره عليه ذلك العدوان من كوارث وويلات لا حصر لها. ويرجع ما شعرت به من فراغ إلى غيبة تلك المنارات المتعددة الألوان والثرية الأضواء نتيجة التدمير أو النهب الإجرامي. وحين عادت مجلة "العربي" في شهري سبتمبر وأكتوبر بالمستوى ذاته الذي طالما أمتعتنا به وأفادتنا من حيث المادة الغنية والإخراج المبدع، والتنوع في الأبواب مما يرضي القارئ