العدد (749) - اصدار (4-2021)

التَّسَامحُ أفقًا للتَّفكير والتَّدبير د. خالد التوزاني

لم يعُد التسامح مجرد قيمة إنسانية سامية أو اختيارًا شخصيًّا دالًا على نُبل صاحبه، وإنما أصبح رؤيةً في التدبير، وأفقًا في التفكير، له أُسُسهُ ومرتكزاته، وله مجالات تدخّله وميادين تأثيره، والحديث عنه ليس من باب التّرف الفكري أو استشراف المستقبل أمام انهيار الحدود بين البشر، لكنّه ضرورة أخلاقية قبل كل شيء، فالإنسان أخ للإنسان، وليس عدوًّا أو منافِسًا، والأرض بخيراتها، تَسَعُ الجميع، وكلٌّ يعمل على شاكلته، واحتمال الخطأ وارد، ولا حرج فيه، إذا سعى المرء لتصويب الخطأ وتدارك الخلل، ولا عيب في المنافسة الشريفة مع احترام اختيارات الآخر المخالف، فالاختلاف لا يُفسِدُ للودّ قضية، كما أنَّ جمال الكون مصدره هذا التنوع والغنى في الرؤى والتصوّرات، ومن ثمّ ينبغي أن ننظر إلى التسامح بوصفه خلفيةً عَقَدِيّةً وتمثُّلًا عقليًّا، حتى نتمكن من نقله من الفكر إلى السلوك، فيتمظهر في العلاقات والمعاملات، أليس الدِّينُ المعاملة؟

المدينة بين التاريخ والأدب خالد زيادة

ثمّة ميل لدى الباحثين في المدينة يتمثّل بالعودة إلى التاريخ، وذلك للاعتقاد بأن الماضي يفسّر جانبًا من الحاضر، أو أنّ للمدينة هويةً يفرضها التاريخ كما تفرضها الجغرافيا. هو أمر ناجم عن رواج البحث عن الهوية. يُضاف إلى ذلك أننا حين نتحدث عن المدن الناطقة بالعربية أو الفارسية أو التركية، أو غيرها، فسرعان ما يحضر مصطلح «المدينة الإسلامية»، وهو نموذج يفترض مجموعة من الخصائص ينطلق منها الباحث من دون عناء، وبينما استُخدم هذا المصطلح من جانب المدرسة الفرنسية خاصة، لينزع عمّا يسميه «المدينة الإسلامية» أي نظام أو عقلانية، فإنّ بعض الباحثين المسلمين أمسكوا بهذا المصطلح ورأوا في المدينة المسماة إسلامية انبثاقًا مباشرًا لتعاليم الشريعة والقرآن الكريم.