العدد (734) - اصدار (1-2020)
مثّل دخول الألفية الثالثة بداية لمرحلة من التحولات العالمية التي بدأنا نتلمّسها خلال العقد الثاني منها، فهناك تغيّرات اقتصادية كبرى تجرى في العالم، ألقت بظلالها على الخريطة السياسية العالمية والمؤسسات الدولية وغيرها، مما يفتح الباب للتنبؤ حول مستقبل العالم والبشرية بشكل عام. فهناك عدد من المستجدات ذات التأثير القوي في تشكيل الواقع الإنساني والعالمي، منها تحوّل آسيا إلى القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وتراجُع الدول الرأسمالية الغربية، ودخول التكنولوجيا بقوة في حياة الإنسان وآثارها المترتبة على ذلك في مختلف المجالات، بروز قوى سياسية جديدة، وتراجُع القوى التقليدية، والتساؤلات حول جدوى طبيعة النظام السياسي الديمقراطي والقيم الليبرالية، والزيادة السكانية على مستوى العالم وظاهرة الاحتباس الحراري التي بدأت تضرب في العمق وأخذت آثارها الفعلية بالظهور، وغيرها.
لم يتردد ماكس فيبر، ذات يوم، في الجَزم بأن عالم الغد سيكون تقنيًا بامتياز، وأنه لا يمكن أن تتوقف هذه السيرورة إذا لم تحدث لمّة تلمّ الإنسانية جمعاء، ولم يتردد غيره من الباحثين والمفكرين في الإقرار بأن ما شهده العالم من تحوّلات تكنولوجية عاتية وتحرير للاقتصادات وعولمة للمبادلات وتراجع الأيديولوجيات الكلاسيكية قد أدى إلى تحويل هذا العالم إلى فضاء مفتوح مشروع يسوده واقع اتصّالي ومعلوماتي مفارق تجري في إطاره المعاملات وتنجز المبادلات وتروّج الإنتاجات الاقتصادية والثقافية والفنية.