العدد (736) - اصدار (3-2020)
حضارات المدن في ثقافتها، يؤسّسها الإنسان ويبنيها وينتج فيها ويطورها، وتأخذ أشكالًا متعددة، من الجامعات والمراكز التعليمية والمكتبات بأنواعها، والإنترنت ومحتواه اللانهائي، وكذلك الصحف والمجلات، والقنوات التلفزيونية الفضائية والإذاعية، والأندية الاجتماعية الثقافية، التي تتصارع فيها النقاشات عبر حلبات حوارية مختلفة، وغيرها، وهي عادة ما تُديرها الهيئات والحكومات أو بعض المؤسسات الخاصة والمراكز الاجتماعية والوسائل الإعلامية. وتستثمر الدول المتحضرة الثقافة في أشكال عدّة، حيث تستقطب شريحة من المهتمين بالثقافة من أصحاب المهن الاستشارية والاجتماعية، عن طريق الإعلانات والترويج لها، وتقديم أنشطة ثقافية متنوعة تعدّ مصدر جذب للمستثمرين، باستهداف تلك الشرائح بطرق محفّزة وذكية، تضمن للمستثمر استمرار تدفّق الأموال. وهو سوق وليد جديد وحضاري يفتح فيه أفق أوسع للمجتمع والمستثمر. فاستثمارات الدول هي محرّك اقتصادها، وهي أيضًا ديمومة استمراريتها. وبخجل، تبرز بعض القمم الاستثمارية في مجال شبه جديد على الساحات العربية الثقافية، ألا وهو الاستثمار في الثقافة، وكان لمؤسسة العويس الثقافية دور فعّال في هذا المجال على مدى عقود.
عَرف النص الأدبي بالجزائر خلال العهد العثماني تجاذبًا قويًّا بين الإبداع الفني الخالص والتوثيق التاريخي، حيث شهدنا ميلاد نصوص أدبية من جنسَي المقامة والرحلة، كانت تلحّ على التسجيل التاريخي للمرحلة، وعلى التأريخ للأحداث التي عايشها الأدباء آنذاك، وتخليد مآثر السلطة العثمانية في الجزائر، وهو ما جعلها نصوصا جديدة وغريبة عن الجنس المنتمية له، غير مخلصة لتقاليده، ونموذجًا عن هذه النصوص مجموعة مقامات ألّفها أحد مثقفي الجزائر في بداية القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي.
عندما قُبلت بقسم اللغة العربية عام 1995، وفي وقت كنت أحاول الإفادة من تجارب طلاب سابقين بالقسم عن رأيهم فيه وفي أساتذته، أَجمعَ كل من سألتهم على صعوبة مقرر سندرسه في الفرقة الثالثة، اسمه «النقد العربي القديم»؛ لأن من يشارك في تدريسه أستاذ اسمه د. جابر عصفور، وهو «دكتور صعب جدًا، ما بيخلّيش حد يدخل بعده، وكلنا بنخاف منه، وبيسقَّط الطلاب»! كانت هذه الجملة المتداولة هي الشائعة بيننا - طلاب القسم - منذ الفرقة الأولى، لدرجة أننا كنا - ونحن في الفرقة الأولى - نخشى مقرر النقد العربي القديم الذي سندرسه في «الثالثة».
مع الفتح العربي الإسلامي لخراسان، بدأت العناصر العربية تستقر فيها، وبالتحديد بعض الصحابة وعلماء المسلمين الذين ساهموا في انتشار الفكر والعلوم الإسلامية، مما ساهم في تحقيق نهضة علمية وفكرية، لتتحول خراسان إلى جامعة يقصدها طلبة العلم، وليخرج منها عدد من كبار علماء المسلمين في مختلف المناحي . وترافق مع النهضة العلمية والفكرية ظهور الفرق الإسلامية المختلفة من الخوارج، والمعتزلة، والشيعة، والكرامية، مع غلبة لأتباع المذهبين الحنفي والشافعي، مما ساهم في ازدهار الحياة الفكرية، ولا سيما في القرنين الثالث والرابع الهجريين / التاسع والعاشر الميلاديين.
فنانان عظيمان من أبطال الصف الثاني، لم يلتقيا في أي عمل فني، لكن جمع ذكرتيهما شهر سبتمبر، ذكرى ميلاد شفيق نور الدين، وذكرى رحيل إبراهيم الشامي، فنانان مصريان محيران يؤديان كل الأدوار، هما أشبه بالقبائل الرحّل الذين يرحلون إلى أي جهة، مؤمنان بأن مهنة الفن لا تختلف عن مهنة أي حرفي، أو صنايعي ماهر، مسؤول عن تقديم ما هو جيد وباق.