العدد (736) - اصدار (3-2020)

«أدب الاعتراف»... في الثقافة العربية د. محمد متولي

الثقافة العربية ثقافة مُحافظة، تعيش وَفْقَ قيودٍ وأعرافٍ وتقاليدَ توارثتها من قديم، شاعت فيها مصطلحات كثيرة مثل «المسكوت عنه» و«ما يُستقبح ذكره»، وهي مفاهيم تَغُلّ القلم وتَعْقِدُ اللسان، وتمنعهما من البوح والاعتراف، حتى إننا نجد رجلًا من أعظم رجالات الثقافة العربية المعاصرة هو الأستاذ العقاد - يرحمه الله - يروي أنه كان قد شَرَعَ في كتابة يومياته ومذكّراته عن حوادث الحياة وعوارضها، وأمضى في ذلك بضعة أشهر، ثم مَزَّق ما كتب وأحرقه، ولم يعُد إلى هذا النوع من الكتابة مرة أخرى! وهو لم يفعل ذلك لإدانته أدب السّيرة أو رفضه له، فهو شديد الإعجاب به، ولكن الذّي باعد بينه وبين كتابة يومياته - فيما يذكر هو نفسه - أمران: أوّلهما أنه غير مطبوع على التوجّه إلى محراب الاعتراف؛ لأنه ضرب من الاستغفار لا يستريح إليه، والآخر أن ما قد يكتبه عن تاريخ الحقبة التي عاش فيها وعن رجالها، وكانت حقبة مستعرة شائكة، قد يستغلّه هواة الإيذاء من ملفّقي التهم ومدبّري المكايد في طبخ القضايا وإحراج الأبرياء، ولذلك أحرق العقاد هذه اليوميات!

«أخلاقيات التأويل» من أنطولوجيا النص إلى أنطولوجيا الفهم د. محمد نافع العشيري

لم يعد التأويل في عصرنا الحاضر مجرد حاجة تفرضها بعض الأقاويل المخصوصة، أو بعض السياقات المعزولة، بل أصبح ضرورة يرجع بعضها إلى الطبيعة الرمزية للّغة الإنسانية القائمة على التوسط بين عالم الأعيان وعالم الأذهان، وخصائصها التداولية التي تجعل الكثير من الملفوظات تابعة لسياقاتها المقالية والمقامية، كما يرجع إلى طبيعتها الملتبسة الناتجة عن أسباب معجمية؛ كالتعدد الدلالي والاشتراك اللفظي، وأسباب تركيبية ناتجة عن التباين أحيانًا بين بنياتها السطحية وبنياتها المعيقة، وأسباب دلالية وتداولية كضروب التضمين الدلالي والتداولي، وأسباب بلاغية؛ كالانزياحات الأسلوبية والمجازية.

لوي ماسينيون في الشام الكتابات السياسية د. نور الدين ثنيو

لا يزال المستشرق الفرنسي الكبير لوي ماسينيون (1883 - 1962) يشغل الأوساط العلمية والأكاديمية بما يُكْتَشف عنه من آثار لم تُنشر، وما تكتشفه الأجيال الجديدة من آرائه وأفكاره ومواقفه وجوانب لم تكن معروفة عنه حتى الآن. فقد كان ماسينيون محيطًا بلا ضفاف، يتدفق معرفةً وتُعْقد حوله الملتقيات وتُنجز عنه الأبحاث العلمية بكل لغات العالم. مؤلّف هذا الكتاب هو المؤرخ الفرنسي من أصل لبناني، جيرارد خوري، المعروف بدراساته حول لبنان وبلاد الشام والعرب بصورة عامة، وواحد من المختصين بعالم الاستشراق، يكتب عن المستشرقين من واقع الزمالة وعن كثب منهم ومن اهتماماتهم. فقد سبق له أن أنجز رسالة جامعية حول الأعمال غير المنشورة لماسينيون، تحت إشراف آخر المستشرقين الأحياء هنري لورانس.