العدد (722) - اصدار (1-2019)
إذا كان هناك شاعر عاش في المدينة حياة عزلة عنها فهو محمود البريكان (1931-2002). والشعر الذي كتب كان يحتاج إلى شاعر يُفرد نفسه عن «مشاغلات» الحياة اليومية. ومع هذا فقد عاش حياة اعتيادية بمساراتها كلها، باستثناء المسار الاجتماعي - بما يعني «عمومية العلاقات».
يعد البناء الفني للقصيدة هاجس الشاعر الأول، إذ تتجلى براعته في صناعة نمط بنائي مختلف، يصوغ المتن ضمن آلية مغايرة، وذلك كله يجري وفق ما نطلق عليه «العناصر الدالة» في التركيب التي تقود إلى المداليل أو المعاني. وفي ضوء ذلك تنقسم هذه العناصر إلى رئيسة وثانوية، فأما الأولى فهي مساند البناء الأساس التي من الصعب تحريكها، وإن حصل ذلك، فإن المتلقي يشـــعر بفراغات واضحة في النص الشعري، وأما ما هي ثانوية فإنها المنطقة الحرة التي تسمح للشاعر أن يتلاعب بها، بالحذف والإضافة.
في عام 1984 كتب الشاعر العراقي محمود البريكان (الذي ولد عام 1931 في البصرة) قصيدة جعل عنوانها «الطارق»، يهجس القول فيها بحال من الارتياب أقرب إلى «الحال الكابوسية»: - «على الباب نقرٌ خفيفْ/ على الباب نقرٌ بصوتٍ خفيفٍ ولكنْ شديد الوضوحْ/ يُعاودُ ليلا، أراقبهُ، أتوقعهُ ليلةً بعدَ ليلةٍ/ أصيخُ إليه بإيقاعه المتماثلِ/ يعلو قليلا قليلا/ ويخفتُ/ أفتحُ بابي/ وليس هناك أحدْ/ مَن الطارقُ المتخفّي؟ تُرى؟/ شبحٌ عائدٌ من ظلام المقابر؟/ ضحيّةَ ماضٍ مضى وحياةٍ خلتْ/ أتت تطلبُ الثأرَ؟/ روحٌ على الأفق هائمةٌ أرهقتها جريمتها/ أقبلت تنشدُ الصفحَ والمغفرة؟/ رسولٌ من الغيب يحمل لي دعوةً غامضة/ ومَهرًا لأجل الرحيل».