العدد (728) - اصدار (7-2019)
تطوّر مفهوم الدولة العصرية في مصر انطلاقًا من إصلاحات محمد علي باشا بصفته باني ركائز أول حركة تحديث في العالم العربي، التي سبقت حركة التحديث في اليابان بعقود عدة. فقد أسس جيشًا مصريًّا عصريًّا قويًّا، وحاول مرارًا تلافي الصدام مع السلطنة العثمانية، عبر تقديم مساعدات عسكرية ساعدت على استمرار سيطرتها في مناطق عربية وفي البلقان، إلا أن تخوُّف السلطنة من النفوذ المتزايد لوالي مصر بعد احتلاله بلاد الشام وتوجهه لاحتلال الأستانة، دفعها إلى التحالف مع دول أوربية لإلحاق هزيمة عسكرية بجيش محمد علي وحصر نفوذه داخل مصر.
أكتب عن مصطفى أمين، بعد عشرين عامًا من غيابه، وأبدأ بذكر معادلتين تقولان إن مصطفى هو الصحافة، وإن الصحافة هي مصطفى، ذلك أنه ليس في العصر الحديث، الذي هو عصر الصحافة، مَن يستحق أن يعبّر عنه بهاتين المعادلتين أكثر من أمين الذي عاش الصحافة ومارسها وطوّرها وعلّمها ووظفها ورفّعها وتوّجها وحارب بها وكرّمها على نحو لم يتح لغيره بذات القدر في معاصريه العرب والأجانب على حد سواء؟ وبلغة علوم البيولوجيا فقد كانت كُرياته الدموية الحُمر صحافة، وكانت صفيحاته الدموية صحافة، وكانت خلاياه البيض صحافة، لم يعش لغير الصحافة، ولم يعش لحظة من حياته بلا صحافة.
كان اللقب الشائع لمحمد عبدالوهاب قد انتقل من موسيقار الجيل، إلى موسيقار الأجيال، بعد أن تجاوز به العمر التسعين بأربع سنوات، وهو ما يزال يواصل الإبداع بوتيرة نشيطة، ويوزع ألحانه على أشهر مطربي القرن العشرين ومطرباته، الذين كانوا يتسابقون في الحصول ولو على لحن واحد منه، وبعد أن عادت أم كلثوم في أواخر عمرها دخلت في تعاون مثمر معه، امتد إلى 10 ألحان، 8 منها عاطفية، إلى جانب لحنين وطنيين، ومع ذلك فإن شيخ النقاد العرب في القرن العشرين، كمال النجمي، اختار «مطرب المئة عام» عنوانًا للكتاب الذي وضعه عن عبدالوهاب بعد رحيله بأشُهر.