العدد (711) - اصدار (2-2018)
شعرت بالألم عندما ودّعت أستاذي حسين نصار؛ فقد شعرت بأنني أودع أبي مرة أخرى، وآخر أستاذ من جيل الأساتذة الأجلاء الذين تتلمذت عليهم في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة القاهرة. فقد رحل الأساتذة الذين تشرفت بالتلمذة عليهم بعد طه حسين؛ ابتداءً من سهير القلماوي، وشوقي ضيف، وخليل يحيى نامي، وعبدالعزيز الأهواني، وشكري عياد، وعبدالمحسن طه بدر، وغيرهم من الأساتذة الذين كان آخرهم أستاذي حسين نصار الذي ودعته في صباح الجمعة الموافق الأول من ديسمبر 2017.
لَمْ يَنْقُصْ شيءٌ مِنْ مُلْكي لَمْ تَنْقُصْ أخطائي ومَناسِكُ أحزاني لَمْ تَنْقُصْ آفَةُ نسياني
رسائل جبران ومي زيادة نعمة على الأدب والشعر بشكل عام، وفن الرسائل بشكل خاص، فقد قدم هذا النسيج العاطفي العلائقي الإنساني الاجتماعي سمطاً من الأدب الجميل الراقي، الذي كان يتجول بين القاهرة ونيويورك، حاملاً المشاعر والأحاسيس والقصص والحِكم، وغير ذلك من صنوف المعارف والآداب... فإلى أي حد لعب هذا النسيج الأدبي العاطفي دوره في حياة كل من مي وجبران؟
مسألة فهم الشعر أو عدم فهمه ليست جديدة في الشعر العربي، بل هي قديمة. وجواب الشاعر أبي تمّام على مَن سأله: «لماذا لا تقول ما يُفهم»؟ كان بسؤال يوجّه إلى القارئ أو السامع وهو: «لماذا لا تفهم ما يُقال؟!»، يدلّ على قِدم هذه المشكلة وعلى الجدل أو الغبار الذي أُثير ولا يزال يُثار حولها؛ أي: هل العلّة في الشعر أم أنها في المتلقي؟!
النقد والسيميائيات الثقافيان حقلان معرفيان متداخلان وملتبسان. فعندما نتحدث عن سيميائيات الثقافة، فإننا نتحدث عن اتجاه سيميائي قائم بذاته، بلور صرحه النظري والإجرائي صفوة من الباحثين الكبار، أمثال أمبرتو إيكو في إيطاليا، ويوري لوتمان في روسيا، الذي أسس مدرسة موسكو - تارتو الشهيرة في هذا المجال، وشكل اتجاه سيميائيات الثقافة المحطة الثانية من اهتمامه السيميائي خلال ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن ينتقل إلى الاشتغال بما سماه «سيماء الكون»، إضافة إلى رولان بارث في فرنسا، الذي قدّم قراءاتٍ سيميائيةً لعدد من الأنساق الثقافية (اللباس، الموضة، أعمال بلزاك...)، وإن كان معظم الباحثين يصنفونه ضمن اتجاه سيميائيات الدلالة.
لا أعرف لماذا تردّد في خاطري، وأنا أدوّن ملاحظاتي التمهيدية لكتابة هذه الكلمة، المثَل العربي المعروف: «ومنَ الحُبّ ما قتل». نعم، إنّ بين محبّي العربية ثلاثة يحفرون قبرها في كلّ يوم: جاهلٌ ومهملٌ ويائس. من الجهلة فئة تردّد أنّ «العربية» اتسعت في الماضي لكلّ العلوم، وبإمكانها أن تستوعب اليوم كلّ العلوم. وكأن «العربية» ليست نظاماً من العلامات اللسانية يتسع إذا وسّع مستخدموها آفاق فكرهم وآدابهم وطوّروا علومهم وفنونهم وطوّعوا لغتهم لحاجاتهم، ويضيق إنْ أضاع أهلُها بوصلة الزمن فتوقفوا حيث هم لا يملكون غيرَ قديمهم.