العدد (697) - اصدار (12-2016)

البياتي وقمر شيراز فاروق شوشة

طغى حبي لشعر السياب على حبي لشعر مجايليه جميعًا في العراق، وفي مقدمتهم نازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي. ربما كان للصحبة الجميلة/ المريرة معه في عامه الأخير، راقدًا على سرير ضيق بالمستشفى الأميري في الكويت، ومتابعتي لذُبالة حياته الأخيرة وهي تنطفئ يومًا بعد يوم، ولإصراره على الإبداع الشعري الذي نتخاطفه منه كل صباح في زياراتنا اليومية له، وقد أملاه على ممرضته، فاختلطت الكلمات والأخطاء. ربما كان لهذه الصحبة التي عاشها معي علي السبتي وناجي علوش تأثيرها في اكتشاف عوالم هذا الشاعر الفذّ، ومعايشة قصائده عن قرب، وتأمل رحلة العذاب التي عاشها متنقلًا بين بيروت ودَرمْ والكويت، والتعرف على أسرار لغته ومعمار قصائده، حيث تقبع كلاسيكيته الباذخة، تتقد في أبهاء قصيدة الشعر الجديد، التي كانت ما تزال هشة تتحسس طريقها، وتنزع إلى العصرية ولغة الطريق التي ترفَّع عنها السياب، ليشيد هذا النموذج الفذ لقصيدة الشعر الحر، الشعر الجديد، متحدِّيًا النَّفس الكلاسيكيّ في الشعر العربي، ومُشعلاً ناره المقدسة في قصائده المدهشة.

في ذكرى طه حسين د. جابر عصفور

تقوم «الحرية» في فكر طه حسين مقام الأصل الذي تتفرع عنه كل ما يكمل عناصر هذا الفكر. وسواء كنا نتحدث عن النزعة الإنسانية أو التطلع إلى المستقبل أو العدالة المعرفية – بوصفها مرادفة للعدالة الاجتماعية أو متفرعة عنها - فإننا نتحدث عن مرادفات للحرية أو لوازم لها، فقد ظل طه حسين مؤمنا بأن الحرية هي أصل الوجود والطاقة الخلاقة التي ينطوي عليها الإنسان، كي يتجاوز شروط الضرورة، ويصل إلى أعلى آفاق الحرية، مؤكداً حضوره الفاعل في الوجود، ومقاوماً ما يحول بين هذا الحضور واكتماله في هذا الكون. ويعني هذا عند طه حسين تصور الإنسان بوصفه الكائن الذي يقاوم شروط الضرورة، فيصنع التاريخ على عينيه، مجدداً باستمرار آفاق النظر إلى الحضور الحي للإنسان.

في مفهوم السِّيرة الذاتيَّة وخصائصها عبدالمجيد زراقط

بغية تحديد مفهوم السيرة الذاتية، نعود إلى كتب هذه السيرة، فنجد أنّ «ما بينها من الاختلاف أكثر ممّا بينها من الاتفاق»، ويعود ذلك إلى فرديّة العمل الأدبي؛ إذ إنَّ لكلّ عمل أدبي فرديّته، ولكلّ أديب أسلوبه. لكن الباحث عندما يسعى إلى تحديد مفهوم نوع أدبيٍّ ما، ينظر إلى الخصائص العامَّة المشتركة، في الوقت نفسه الذي يقرّ فيه بوجود التفرُّد، ويعمل على تبيّنه، وتبيُّن تلك الخصائص التي تُتّخذ معياراً للتصنيف.

مالك حداد وشجرة صنوبر على راحة اليد... يدِه عاطف سليمان

من الــمفارقات أن بعضاً من أعذب نصوص الأدب العربي قد كتب بلغة غير عربية؛ كتبها مالك حداد، هذا الذي من قسنطينة؛ بقلمه الفرنسي، من منتهى ناموسه الشاعري، ومن صميم وجوده العربي، الجزائري. كتب مالك حداد بقصد أن يهب قارئه غزالةً؛ غزالة حية، حقيقية. وكتب بخلاصة الشقاء الذي هو تبصيرٌ كما هو تنغيص. وإذ به يخط كلمةً بعد كلمة وتستوي نصوصه بادرات لم يُلحَق إليها، وإذ به تحلو بقربه اللغة وتمضي في حد ثاقب من الدقة وفريد من المطواعية، وتستوي ملهمةً ذات عدوى بلا رادٍ، وتغنِّي معه. مع لغة مالك حداد الخاصة تأتي أفكاره الخاصة التي ما من سبيل إليها إلا على ذاك النحو حصراً، فما كانت اللغة وسيلةً لغيرها؛ اللغة هي الأفكار، وأي تطفيفٍ في بناء اللغة هو تطفيفٌ في مضمونها.

«حكايات حارتنا» لنجيب محفوظ ... رجوع إلى الحكاية الشرقية ريتا عوض

لا يكتمل ما للإبداع الأدبي من دور فاعل في الحياة الثقافية في عصره، ومن حضور في التاريخ الثقافي، ما لم تواكبه حركة نقدية يتولاها نقّاد مبدعون يعملون على سبر أغوار ذلك الإبداع وإدراك أبعاده وكشف طبيعة العلاقات القائمة بينه وبين النوع الأدبي الذي ينتمي إليه، وبينه وبين الواقع الذي أبدع فيه. وفي زمن التحوّلات الأدبيّة والفنّية يضطلع النقاد المبدعون الكبار بدور رائد يفلسفون من خلاله مفهوم التحوّل في الرؤية والتجربة وأدوات التعبير الفني والأدبي ويكشفون دوافع ذلك التحوّل ويضعون الأسس الفكرية للمسيرة الإبداعية الجديدة.