العدد (662) - اصدار (1-2014)

إيـقــاعـات الـسـيَّـاب د.مقداد رحيم

لم يكن الشعر ابنًا شرعيًا مجردًا للخاطرة والفكرة والتأمل عندما بدأ السياب يكتب شعرًا ويدَّعيه وينشره، فهو عندما وجد الموهبة في نفسه إنما وجدها منبثقة من عندياته التي أصَّلتها قراءاته التراثية والحديثة وثقافته الواسعة التي امتدت من كتب تراث العرب ودواوين شعرائهم عبر العصور المختلفة، إلى ما تلقاه من ثقافة غربية أدبية وشعرية، وهي تشكل بدايات التجربة الرومانسية، كانت أعمال شكسبير تقف في مقدمتها، بينما شخصت تجارب ت.اس. اليوت، وإديت سيتويل، وإزرا باوند، وفردريكو غارسيا لوركا، وأرتورو جيوفاني، وبابلو نيرودا أمام عينيه، فضلًا عما اطلع عليه من تجاب كبار شعراء الشرق من أمثال طاغور وناظم حكمتْ.

السيَّاب.. سيرةُ الوهمِ والظمأ انكسارُ النسقِ وهزيمةُ الفحولةِ الشعريَّة د.محمّد صابر عبيد

تتداخل علاقةُ الشعرِ بالوهمِ تداخلًا حميمًا، إذ لا يمكن للشعر أنْ يقيمَ إلّا في منزل الوهم، ولا يمكن للوهم إلّا أنْ يحتويَ الشعرَ ويقدّمَ له كلّ الرعاية الأبويّة والأموميّة معًا، على النحو الذي يصنع بينهما أُلفةً لا يمكن محوها أو التفريط بها مهما كانت الأسباب، فالشعر متخيّلٌ رحبٌ أوسع من الأفق ولا حدود لتجلّياته وتحليقاته وانفتاحاته القصوى، وهو ما لا يمكن احتواؤه إلّا في دائرة مهشّمة الحدود تسمّى (الوهم)، بوصفه المساحة الأكثر انفتاحًا لتقبّل تموّجات اللغة واصطداماتها وتفاعلاتها وتمظهراتها وتدفقاتها الباحثة عن مصير، نحو الوصول إلى مرحلة بناء القصيدة وتكوينها وتشكيلها وتشييد عمارتها.

العودة إلى جيكور.. أو فضاء الـحلم السيَّابي ماجد السامرائي

جاءت العودة إلى جيكور في التجربة الشعرية للشاعر بدر شاكر السياب أقرب إلى الرحلة في مملكة خيالية البناء والتكوين، بما كشف عنه من أسرار كانت مخبأة بين نهرها (بويب) وغابات نخيلها، ودورها العتيقة التي صمدت معالمها أمام اندثارات الزمن.. وهي أسرار عوالم، منها ما عاشه الشاعر، ومنها ما اصطنعه خياله الفذ. فهو لم يكن ينقل ما يرى بقدر ما كان يعيد نسجه على نول الخَلْق الشعري، معيدًا إياه إلى مجالات التصور. فهو، وإن كان يقع ضمن مستوى، أو سطح، مكاني معروف، فإن «رؤيته الشعرية» جعلته في حالة حركة: تتصاعد بما كان لها/ ومنها، وتمضي مسارًا بما جعل لها من خطوات على الأرض تمرّ بها على دروب الذكريات المستعادة.. وقد يرسمها بخطوط تقارب اندماجه بها ذاتًا، لا تباعد فيها إلا ذلك التباعد الزماني الذي يدركه وهو يمضي بين «حلمه» وترقّب «الولادة الثانية».. متيقنًا، أو رائيًا، أنّ «جيكور» ستولد من جرحه، أو «من خضة» ميلاده، وإن كان موقنًا بأنْ: