العدد (666) - اصدار (5-2014)
لم يحظ فن من فنون الأدب العربي بكثرة الدراسات وتنوعها، سواء القديمة منها أو الحديثة، مثلما حظي الشعر العربي، إذ يعد المرجع الموثوق به لأساليب العرب البلاغية والبيانية, والمصدر الأصيل لمفرداتهم اللغوية وطرقهم التعبيرية، فضلا عما يحويه الشعر العربي من مآثر العرب ومفاخرها وأحداث أيامها ووقائعها, فهو الوثيقة الرسمية الأولى التي دونت تاريخ العرب الوجداني والاجتماعي منذ بزوغ الجنس العربي ونبوغ عقليته.
في بيت واحد لخص الشاعر الكويتي الراحل عبدالله زكريا الأنصاري هدفه الشعري وطريقه نحو بلوغ الغاية فيه فكتب: «أرسل الشعر من جناني لحونا / وأداوي به بليغ جراحي». ولعل كثيرًا من الشعراء يوافقون الأنصاري في الهدف والطريقة والغاية، وإن كانوا يختلفون معه في الأسلوب والمدرسة الشعرية. والأنصاري الذي وُلد في مدينة الكويت العام 1922م على أرجح الأقوال، لم يشتهر كشاعر على الرغم مما كتب من قصيد وقف من خلاله على أهبة الاستعداد والاستحقاق للمقارنة مع مجايليه من الشعراء الكويتيين على الأقل، بقدر شهرته كمثقف تنويري ساهم في إرساء دعائم النهضة الثقافية الحديثة في الكويت من خلال أدوار كثيرة أداها بحماسة تميز بها دائما.
تحدَّث إلى روحي ودَعكَ من الجسمِ وإن كنتَ في الاثنين.. واشتركا في اسمي تحدَّث إلى روحي.. فروحي كطائر يغرِّدُ في القضبانِ، كالشعرِ في النظم تحدَّث إلى روحي.. ففي الروحِ جذوة ستخبو إذا لم تسقْ بالشحمِ في لحمي
في الْفَخْرِ لَنا مِنْ ذِكْراهُ ما نَنْسى الدُّنْيا إلّاهُ ما ماتَ وَلكِنْ كَرَّمَهُ رَبُّ الْأَرْبابِ وَأَرْضاهُ في الْجَنَّةِ مَنْزِلُهُ وَلَهُ في الْجَنَّةِ ما يَتَمَنّاهُ
ليس يسبقني لصباح الحديقةِ إلاّ العصافيرُ.. توقظني من سباتي، إذا ما تأخرتُ عن موعدي.. وتنادي الهداهدَ.. ثم تسابقهن إلى غابة الأقحوانْ.. تبدأ الشدوَ والنقرَ فوق زجاجِ النوافذِ، حتى أفيقَ وأخرج للعشبِ.. تبدأ أصبوحةَ اللهوِ، والوثبِ فوق غصون الأَكَسْيا.. وتحسو رحيقَ العناقيدِ زاهيةِ الأُرجوان.. ثم تنقضُّ فوق النجيل، كعاصفةٍ.. أو ترفرف ناعسةً نحوهُ، كسقوط الوريقات من فرعها في الخريفِ.. وتقفز مسرعة تارة للأمامِ، ومبطئة تارةً.. تتوقف.. ثم تميل على رِسْلها للحوافِّ الظليلةِ، مثل الوريقاتِ، يغدو بها أو يروح النسيمُ الرقيقُ.. ويوقفها حائط البَيلسانْ..