العدد (670) - اصدار (9-2014)
من أغرب الانطباعات عن مفكر القومية العربية ومنظِّرها الكبير ساطع الحصري، الشخصية الثقافية البارزة، والراحل عن 88 عاماً (1880 - 1968) بعد عطاء فكري واسع ونشاط تربوي وسياسي محلي وقومي، ما يطالعه القارئ في كتاب الإعلامي والمؤلف المصري المعروف وديع فلسطين عن شخصيات عصره.
هل الجمال يحل مشكلة الانكسار الداخلي، بل الانكسار الذي نعيشه على مستويات كثيرة خارجية؟ وكيف يتقابل الجمال مع الانكسار؟ أليس المفهوم الشائع والعام عن الجمال أنه الكمال والإتقان والتجانس والخلو من العيوب؟
نعيش في زمن غريب جداً، تحركه تيارات متضاربة وتحفزه تغيرات تقنية وفكرية، إن مناخات العالم جميعها واقعة في خضم التطور والاضطراب، وخاصة في عالمنا العربي. لكن التناقض الكبير الذي نحياه اليوم يتمثل في تزايد التقوقع على الهويات الفرعية المذهبية والإقليمية والعرقية والعشائرية وتزايد الاحتفالات بذاكرات أمجاد تاريخية ولّت، وهذه الظواهر تترافق مع انتشار العولمة الاقتصادية والمالية، هو في الأرجح من نتاجها.
تتبلور الهوية الحضارية للأمم من خلال عمليتين ثقافيتين متداخلتين ومتوازيتين في آن واحد: الأولى تتمثل في التعرف على الذات الحضارية، أي إدراك الجواهر المؤسسة لها، بقصد إنمائها وتكريسها. وكذلك إدراك ما هو عرضي فيها، طارئ عليها، قد يكون معطلا لمسيرتها، ومن ثم يمكن الإسراع في تبديله بهدف تجديد هذه الذات، وتحقيق انسجامها الدائم مع حركة التاريخ، إذ لا يمكن تنمية شخصية حضارية من دون إدراك جواهرها وأعراضها، والتعاطي المرن والفعال مع مقتضيات الثبات، وعوامل التغير.
لا أظن أن أحداً كتب في السخرية والكبرياء، أو ضاهى في كليهما شاعر الزهد والبساطة أحمد الصافي النجفي، قيثارة العراق وشبابة الرافدين، الذي حمل آلامه وأحلامه إلى خارج أُمِّ النخيل مِسكِيِّة شطِّ العرب، بعد أن ضاق به الأمر وهو الشاب الثائر تطارده عيون الإنجليز، فيمَّمَ وجهَه صوب إيران، وهناك لاقى من الترحيب ما لم يكن في الحسبان، فانكب على مطالعة اللغة الفارسية حتى أتقنها، ثم مال إلى الترجمة ونشر المقالات في الصحف الإيرانية، وأنجز نقل رباعيات الخيام إلى «العربية»، وتقديراً لكفاءاته عُين أستاذاً للأدب العربي وعضواً في دار الترجمة والنشر، وانتخب عضوا في نادي القلم في طهران، وما لبث أن عاد إلى العراق سنة 1927م وفي صدره كنوز من الشعر والأدب، ما أثلج قلوب كثيرين من الذين التقوه، فأعجبوا به واعتبروه نجما ساطعا في سماء الشعر والأدب، ومن هؤلاء: الزهاوي والشبيبي والرصافي والشيخ علي الشرقي ومحمد مهدي الجواهري وسواهم.